توطئة:
لا يمكن أن يمرر الناس فكرة أن حرباً عسكرية سوف تقوم في الأرجاء، إلا أنهم يمررون الغزو الفكري وحرب الاستشراق والتغريب بل يستسيغونه بدون شعور مع البعد عن منابع التفكير السليم، وهذا أحد أهم هموم المؤلف.
وهذا الكتاب واحد من مجموعة كتب قدمها للمكتبة الفكرية الإسلامية الدكتور المستشار/ علي جريشة كميراث فكري مهم يبصّر القارئ المسلم ويهديه منارة للتعرف إلى نفسه ودينه والتعامل مع واقعه، وينهج الكاتب المنهج الموضوعي العلمي البحت، بدون تأثر بما مورس عليه وعلى إخوانه من ظلم واضطهاد، فتراه - في هذا الكتاب وغيره – لا يهاجم المتساقطين والغارقين في الاستشراق بل يعرضهم على الاتجاه الفكري الملائم ثم ينتقد ويفنّد بأسلوب علمي منظم رصين بعيدًا عن المحاباة العاطفية.
ويضيف عرضًا للتيارات الفكرية المختلفة من باب ضرورة شرح التيارات الفكرية واقتناعًا منه بأن: "من لا يعرف الجاهلية لن يعرف الإسلام، ومن لم يتبين الباطل لن يتبين الحق، كما لن ينافح عن الإسلام من لا يعرف أعداءه ومحاربيه حق المعرفة أو لم يدرس خططهم وتكتيكهم"، وإيمانًا منه كذلك بأن الحرب الفكرية على الإسلام لا تقل خطورة عن المعارك الحربية.
نبذة عن المؤلف:
ولد علي محمد جريشة، في إحدى قرى ديَرب نجم بالشرقية عام 1935م، ثم انتقل إلى القاهرة في بداية الخمسينيات، والتحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة، عُيِّن بعدها وكيلًا للنائب العام في السويس، ثم بمجلس الدولة لمدة 4 سنوات.
تابع دراساته العليا في قسم الشريعة والقانون، وأحرز شهادة الدكتوراه في التخصص نفسه عام 1975م.
اعتقل علي جريشة لأول مرة في أغسطس 1965م، وحُكِم عليه بـ 12 سنة أشغالًا، وفي المعتقل كان كثير المشاغبة للحكومة بالقانون، بغية الحصول على امتيازات وانفراجات في المعاملة داخل السجن لإخوانه، فسجلته الحكومة مشاغبًا، ونُفيَ وغُرِّب إلى سجن قِنا، بعد سجن الليمان.
مؤلفاته: الإعلام والدعوة الإسلامية - الإيمان الحق - المبادئ الخمسة - الاتجاهات الفكرية المعاصرة - أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي - منهج التفكير الإسلامي - الأساليب التبشيرية في العصر الحديث - عندما يحكم الطغاة.
ويعد أحد علماء الأمة الإسلامية والفكر الإسلامي فبعد حياة حافلة بالعطاء والجهاد وخدمة الإسلام، قاضيًا وفقيهًا ومفكرًا إسلاميًّا كبيرًا وأستاذًا للشريعة الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، توفي– رحمه الله - في يوم 27 أبريل 2011م.
مع الكتاب:
بدأ التفكير في الغزو الفكري حين أحس الغرب بخطورة انتشار الإسلام ونجاحه الحقيقي في تحقيق انسجام حياتي مكتمل الأركان، فأسموه بـ (المصيبة الإسلامية) وأحسوا أن الغزو العسكري الحربي لن يجدي مع عقيدة الإسلام الزاحفة بدون توقف أو ردع، ولذلك فكروا في أن هذه الشجرة العظيمة لن يجتثها إلا أحد أبنائها، فعملوا على هذا الأساس وبدأت حركة الاستشراق والتبشير.
يقدّم الكتاب بابا تمهيديًا عن الغزو الفكري ويعرض نبذة غير مفصلة عن الاستشراق والتبشير، ويسرد أهدافه ووسائله ومراحله ومجالاته.
ويعرف الاستشراق بتعلّم علوم الشرق، ويقسمه إلى ثلاث مراحل: (استكشاف لكُنْه المسلمين وفكرهم وسر تفوقهم، ثم العدوان غير المباشر لبيان نقاط الضعف، ثم العدوان السافر المباشر) وبعد تلك المراحل أصبحت الحرب على العقيدة والفكر بديلًا عن حرب السلام، وصار الوصول إلى القلب والعقل بدلًا عن احتلال الأرض والتراب.
ويعرض مجالات الاستشراق التي استهدفت أصول الإسلام أولًا (الله – الرسول – الكتاب، والسنة) ثم استهدفت اللغة العربية التي هي لغة الإسلام والقرآن ثانيًا، وأخيرًا استهدف الفقه الإسلامي.
ويأخذنا بعد ذلك لنتعرف إلى التبشير – الذي اشتق اسمه من البشرى - ويوضح الفرق بينه وبين الاستشراق، ويبيّن أهدافه التي تولتها الحملة الصليبية، ويضيئ بشدّة على سبب ظهور التبشير والتي جعلته يتأخر عن الاستشراق؛ فقد ظهر التبشير ليقتل العقيدة التي لم يستطع الاستشراق زعزعتها تمامًا.
ولم يغفل ذكر مراحل التبشير الثلاث: (محاولة تنصير المسلمين، ثم محاولة إخراجهم من الإسلام وجعلهم يتذبذبون فيه، وأخيراً محاولة إبعاد المسلمين عن الإسلام بشتى الطرق)
بعد ذلك يعرض باستفاضة في أبواب متتالية عن التيار الوافد من الغرب حاملًا العلمانية فكرًا، أو الديمقراطية شعارًا سياسيًا، والرأسمالية شعارًا اقتصاديا، والوجودية أو الإباحية شعارًا اجتماعيًا.
ثم يعرض التيار الوافد من الشرق حاملا معه المادية الجدلية فكرًا، ودكتاتورية البروليتاريا شعارًا سياسيًا، والاشتراكية أو الشيوعية شعارًا اقتصاديًا، وشيوعية النساء وإلغاء الأسرة شعارًا اجتماعيًا.
ولعل من المهم أن نشير إلى حديث المؤلف عن أهم هدفين للنظام الشيوعي وأولهما/ القضاء على أي دين غير اليهودي وهو ما أكدته إحدى الوثائق من عهد لينين، وثانيهما/ اتجاه التيار الشيوعي إلى عالمية الدولة بعد المناداة بعالمية الفكرة.
ثم فناء الشيوعية وعناصر ذلك الفناء التي تنبع من قلب هذا التيار المحكوم بالفناء والفشل! ولعلّ أهم ما أشار إليه من تلك العناصر هو الدكتاتورية التي تعيش النظم الشيوعية في ظلها والتي ستكون نذير فنائها فعلًا، وفي ذلك يقول: "الطائر لا يسره أن تطعمه وتسقيه بينما تضعه في قفص من ذهب!"
وقد تحدث قبلها عن كثير من تنبؤات ماركس التي لم تتحقق أي منها فأكّد بها حديثه عن فناء الشيوعية كأي شيء آخر معرض للفناء في هذا الوجود.
ثم يتحدث عن الماسونية بأفكارها وخداعها وتلونها ومؤسساتها وما وراءها من الفكر الصهيوني المتلوي والمتلون.
وفي نهاية فصول الانتقاد يورِد الدعاوى والشبهات التي ألصقت بالدين الإسلامي ودعوته القويّة ووجهت إليه، ثم يستعرض بعضًا من أهم هذه الشبهات _ كالعنف والحروب وغيرهما - بينما يفنّد تلك الدعاوى والاتهامات التاريخية بالأدلة التاريخية والأصول العلمية.
وفي ذلك يفرد مبحثًا خاصًّا يسرد فيها - بشيء من التفصيل - الاتجاهات الشاملة المعتدلة/ أو الأصولية، فيعرج على خصائصه الخمس (المورد الرباني، العالمية، الشمول، الاستقلال عن التأثير الخارجي، والتدرج في الخطوات)
وأخيرًا يعرض ما يعرف في المنطقة الإسلامية من تيارات إسلامية قاصرة أو مقصّرة، ويقصد بها الكثير من الجمعيات التي تؤسس على هدف جزئي، كالمؤسسات الكبرى التي تزعم الإسلام منهجًا لكنها تجزئه تجزئة خطيرة، وتهدمه في نواح عديدة، ثم تيارات أصيلة صارعت الغزو الفكري من الخارج والمروق العقدي والخلقي والتطبيقي من الداخل.
ولكنه - بين هذا وذاك - يعرض وجهات نظر من يركزون على الإيجابيات من المتفائلين بقانون الاستخلاف (وهنا يعرج على شرح الاستخلاف وشروطه ومسوغات تحقيقه) ويزيد بعدها حديثًا عن استبشار المتفائلين بأن البقاء للأصلح، وأن الجزاء من جنس العمل، ويقابل ذلك بالضد من آراء المتشائمين الناظرين إلى السلبيات مثل ضعف الدعوة والدعاة وتفرقهم، وكذلك القصور والتقصير، ومحاولات دعاة جهنم.
لكنه في الوقت ذاته يتحدث في الباب الأخير عن الصحوة الإسلامية وقدرة الإسلام على سحب البساط وإعادة الأمور إلى نصابها السليم إن استمر العمل المنظّم وتضافرت الجهود لتحقيق ذلك الهدف شرط الالتزام بسمات النصر الذي يراه المؤلف قريبًا ويسوق مقدماته وبشائره ومظاهره وشروط تحقيقه بالتتالي.
وبين ذلك يورد المؤلف شواهد بشرى انتصار الصحوة الإسلامية وجهود الغرب لكبح جماح خيل الدعوة الجادة وجمع المعلومات عن حقيقتها – خوفًا وتحضيرًا لهجمة مضادة أو محاولات دفاع عن المشروع الاستشراقي التبشيري المضاد.
ويختم باب البشائر والنُّذًر ذاك بتفصيل شروط النصر في صفحة واحدة وكأنه يقول: إن الحل بسيط وهاهو بين أيديكم، وتطبيقه غير مستحيل ولا بعيد عن قدرتكم وإمكاناتكم فلتأخذوا الخطوة وتسحبوا البساط وتحققوا النتيجة الطبيعية للصحوة الإسلامية والزحف الدعوي المبارك.
ببلوغرافيا الكتاب:
العنوان/ الاتجاهات الفكرية المعاصرة
المؤلف/ علي جريشة
الناشر/ دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة.
تاريخ النشر/ الطبعة الثانية، 1988م – 1409ه.
الصفحات/ 318 صفحة (من القطع الكبير)