يحتار الآباء والأمهات في توجيه الأبناء كثيرًا في زمننا المعاصر؛ بالذات أولئك الذين يعيشون مع أبنائهم بين عائلاتهم وأهليهم، فتجد تدخلات وإرشادات من الجدين، العمات والأعمام، الأخوال والخالات، وغيرهم – ربما – كثيرون يتدخلون في تربية الأبناء وهي في الأغلب تدخلات تحرفه عن الطريق الصحيح.
وتزداد المشكلة سوءًا عندما يكون الأبوان متعلمين يفقهان في تعاليم الإسلام، ويحاولان انتهاج المنهج الإسلامي في تربية أبنائهما على أحكام إسلامية وضوابط تنظم حياتهم، مثل: "حرام – حلال – جائز – مباح – منكر..." وغيرها من أحكام الدين الإسلامي، فيجدان من المحيط تدخلا سافرًا له عنوان واحد وهو كلمة: "عيب"!
وهنا سيحتاج الوالدان إلى مجهود مضاعف – للأسف - يبذلانه مع طفلهما/ أو أبنائهما عمومًا؛ لكي ينمو وينشأ متزنًا من جهة، وغير فظ أو مكروه أو عاق من جهة أخرى ، فيعلمانه التعاليم الإسلامية بطريقة لا تؤثر سلبًا على علاقته بأرحامه وبالذات "الجدين وأخوة الوالدين".
فإن نجح الأمر ومر بسلام فبها ونعمت، وإلا فسيُضطران إلى حسم الأمر إما بطلب عدم التدخل من الآخرين، أو توضيح وجهة النظر وشرح ما يريدان غرسه في أبنائهما، وهذا سيتطلب مجهودات كبيرة وربما خلال الرحلة يخسر الوالدان والأبناء أحد الأقارب ويبنون عداوات معهم، أو يتعرضون لمشاكل وهجوم عكسي لمجرد أنهما مختلفين عن المحيط، إلا أنهما في آخر المطاف سوف يكون مكسبهما عظيمًا بتربية الابن تربية سويّة، وإيصال رسالة للمحيط بأن تعاليم الدين أهم وأفضل بكثير للابن، وهي تنظم حياته بشكل حقيقي، وإن كان مختلفًا عما انتهجه الآخرون أو غير ما يريده المجتمع ويقبل به.
اقرأ أيضًا/ كيف تعلم أبناءك الأخلاق الحسنة
كيف يحسم المربي أمره في تربية الطفل:
قبل عرض النصائح والطرائق التي نقترحها، نؤكد على ثلاثة من أهم الأمور التي يجب أن تتوفر في المربي/ الوالد الذي يود تطبيق خطة تربوية تنجح مع أبنائه أو مع من يعول:
1. القدوة الصالحة أهم من المحاضرات والإلقاء والتلقين
2. الحزم والحسم في تقديم الأمر التربوي وتوجيه النصح أو الإرشاد
3. المتابعة الدورية الحثيثة لما يعلمه للطفل سواء المتابعة المباشرة أو غير المباشرة، وسواء كانت خفيّة أو واضحة
فيما يلي، مجموعة من النصائح التي نقدمها للمربين بشكل دائم خلال الندوات والاستشارات التربوية التي تعرض لنا في إطار هذه المشكلة، ولأنها منتشرة فقد حاولنا أن نجمل كثيرًا من مشاكل المجتمع ونلامسها بشكل مباشر.
أولًا/ علموا أبناءكم أن يبنوا علاقاتهم وتصرفاتهم وأخلاقهم في التعامل والتعاطي مع الناس وفق تعاليم الدين لا وفق العادة والعرف .
ثانيًا/ قولوا لأبنائكم: حرام ولا يجوز عما هو خطأ ومحرم وغير جائز، وقولوا: حلال ومباح عما هو جائز وممكن ومباح.
ثالثًا/ علموا أبناءكم منذ الصغر أن كلمة "عيب" ما هي إلا بدعة، يبني كل إنسان على أساسها قوانين تناسبه ويفرضها على المحيط.
العادات والتقاليد مؤقتة جدًا تتغير مع تغير الأجيال، ومع تغير البلاد والجنسيات، المدن والحضارات – لو لاحظت - ويبطلها درس واحد في فقه الواقع، أما تعاليم الشريعة فهي صالحة لكل زمان ومكان
هل تتعارض العادات والأعراف والتقاليد مع التربية الإسلامية؟
نعم.. قولًا واحدًا وبدون نقاش أو مقدمات؛ لأن من غير المنطقي أن تسندَ قانون الحياة لإنسان مثلك تمامًا لديه من الإدراك والوعي ما لديك مهما كان عمره وخبرته، إلا إذا بنى العادة على أساس ديني سليم .
فالعُرف والعادة لا تتعدى كونها قوانين وضعية، وكثير منها ينافي ويتعارض مع ما أتت به الشريعة لو فكرنا قليلا! فكم منعت المجتمعات والعادات والتقاليد تصرفات وسلوكيات ممتازة تنظم حياة الإنسان تحت مسمى العُرف والعادة! كما أنها - وللأسف - لا تناسب كل الأزمنة والظروف كما تفعل القوانين التربوية الإلهية.
اقرأ أيضًا/ كيف تعلّم طفلك الصدق والصراحة
والعادات والتقاليد مؤقتة جدًا تتغير مع تغير الأجيال، ومع تغير البلاد والجنسيات، المدن والحضارات – لو لاحظت - ويبطلها درس واحد في فقه الواقع، أما تعاليم الشريعة فهي صالحة لكل زمان ومكان.
ولكن.. لا تنس بين ذلك كله أن تعلّم ابنك وتربيه على أن صلة الرحم مُهمة لنجاح الحياة ونيل رضا الله والفوز بالخير والبركة والتوفيق، وتربيه على احترام الكبير وتوقيره وإن لم يكن رأيه مناسبًا لنا.
لماذا عليك كمربي أن تعتمد تعاليم الإسلام في التربية؟
لكي تساعد ابنك في بناء شخصية مستقلة سوية متزنة لا تأبه كثيرًا بما يمليه المجتمع وما تفرضه التقاليد البالية، ولكي يتفادى كمًا كبيرًا من مشاكل المجتمع لاحقا وتقيه من الوقوع في شركها!سأعطيك أمثلة من مواقف حياتية مختلفة - إذا تفكرت فيها - ستجد أن الأسس التربوية المبنية على ما تفرضة العادات والأعراف تقصّر وتتعارض مع المبادئ الإلهية في تغطية جوانب كثيرة:
يفرض المجتمع بأعرافه على الأبناء مجاملات "ما أنزل الله بها من سلطان" تُضيّع وقته وتأخذه من المهم إلى مسببات تضييع الوقت وتحرمه من حريته في قضاء وقته بما يفيد وينفع وتقيده في سجن اسمه "المجاملات الاجتماعية"
أولًا/ المجاملات بهدف أو بدون:
يفرض المجتمع بأعرافه على الأبناء مجاملات "ما أنزل الله بها من سلطان" تُضيّع وقته وتأخذه من المهم إلى مسببات تضييع الوقت وتحرمه من حريته في قضاء وقته بما يفيد وينفع وتقيده في سجن اسمه "المجاملات الاجتماعية" أو النفاق الاجتماعي بالأصح، حتى أنه لا يجد وقتا لنفسه فيضيع عمره في ما لا يفيد، أما القانون الإلهي فينص على أن: "كل إنسان سيُسْأل عن وقته فيما قضاه وكيف ضيعه" فتفكّر!
ثانيًا/ الزيارات والاستئذان:
موضوع آخر مهم هو الاستئذان قبل الزيارة مثلا والذي هو واجب ولا تجوز الزيارة بدونه ومثله الزيارات المفاجئة والمتأخرة وأحقية الإنسان في تحديد المواعيد التي تناسبه لاستقبال الضيوف وحقه في رفض استقبال ضيف مفاجئ.
القانون الإلهي يقضي بأن الاستئذان ثلاث مرات فإن أُذِن لك وإلا فارجع، - ولا يحق لك أن "تزعل" أو تغضب - أما العادات فستقضي بأنه "عيب" مهما كانت ظروف المَزور ، وللأسف سيغضب الزائر وربما يقاطع المزور إلى ما شاء الله، فتفكّر!ثالثًا/ التدخل فيما لا يعنيهم:
لو أدرت نظرك فيما حولك ستفاجأ بكم التدخلات والتعليقات السلبية والرسائل المحبِطة والمثبّطة، وقد تكون أحد المتضررين بتلك التدخلات، يفرض المجتمع – للأسف – على الأبناء الصمت والسكوت عن تدخل المتدخلين تحت مبرر: "عيب" أن تصد الأكبر منك سنًا مثلًا، أو "ليس تصرفًا مؤدبًا" أن ترد بما يحافظ على خصوصيتك أو ترفض الإجابة عن سؤال سائل عن شيء لا يخصه.
أما القانون الإلهي فيقضي بأن من أسوأ صفات المرء القيل والقال وكثرة السؤال، حتى إن المجتمع ذاته في زمن سابق كان من عاداته وتقاليده أن التدخل فيما لا يعنينا هو "عيب" وأن "من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه" تغيّرت العادات وثبت حكم الدين مهما تغيّر الزمن والناس، فتفكّر!
اقرأ أيضًا/ في معنى الرقيّ والوصول إليه
رابعًا/ الغيبة والنميمة مجرد تسلية:
تخيّل أن المجتمع الذي يقول لك إن من "العيب" أن تصد الأذية عن نفسك والتدخل عن حياتك هو نفسه المجتمع الذي يصف التجسس عليك وغيبتك بما تكره ويصف البهتان والنميمة والفتنة بين الناس بأنها "مجرد تسلية وفضول" ويضحك المتحدث بينما تشعر بأنك مهان ومنتهك الخصوصية والتقدير.
نترك الأمر للمربي الفاضل أن يقيس على ذلك كل ما يعرض له من أمور تربوية، ليعرضها أولا على القانون الإلهي ويوازن بين ما يريده لابنه وما يريده المجتمع منهما
بينما يقضي القانون الإلهي بأن الغيبة والنميمة والتجسس أمور - لا خلاف - منكرة وسيئة ومرفوضة وتشبه أكل لحم الإنسان الميت، التعاليم الإسلامية تكرّم سيرتك وسمعتك وشخصيتك بينما تجعلها العادات تسلية، فتفكّر!
كثيرة هي الأمثلة لو تفكّرنا وبحثنا ودققنا الملاحظة، إلا أننا في كل الأحوال نفضّل أن نترك الأمر للمربي الفاضل أن يقيس على ذلك كل ما يعرض له من أمور تربوية، ليعرضها أولا على القانون الإلهي ويوازن بين ما يريده لابنه وما يريده المجتمع منهما.