في ذكرى إلغاء الخلافة الإسلامية .. وقفة تأمل

الرئيسية » بصائر الفكر » في ذكرى إلغاء الخلافة الإسلامية .. وقفة تأمل
في ذكرى إلغاء الخلافة الإسلامية

في عام 1299م أسس عثمان الأول بن أرطغرل الإمبراطورية العثمانية الإسلامية واستمرت قائمة أكثر من 600 سنة، حتى 3 مارس سنة 1924م، وقد تعاقب على الإمبراطورية العثمانية الإسلامية 36 خليفة، بدءًا بعثمان بن أرطغرل وانتهاء بعبد المجيد الثاني.

أولًا/ نبذة عن بعض إنجازات الخلافة الإسلامية

إن سقوط الخلافة سبقه أكثر من خمسة قرون من الجهاد ورفع راية الإسلام في ربوع المعمورة، تمثلت في:

• تمكنت الخلافة العثمانية من التصدي لأكثر من 25 حملة صليبية على العالم الإسلامي.

• اعتناق أكثر من 100 مليون شخص الإسلام.

• منع المذهب الشيعي الصفوي من التوسع على حساب البلاد العربية والإسلامية، وخاضت الدولة العثمانية من أجل ذلك (معركة جالديران) في 23 أغسطس 1514م واحتلت القوات العثمانية (مدينة تبريز) عاصمة الدولة الصفوية.

• إنقاذ الأسرى المسلمين وغيرهم من غير المسلمين في الأندلس من محاكم التفتيش.

• الانتصار في معركة (نيكوبوليس) عام 1396م التي اجتمعت فيها القوات العظمى في العالم بأمر من البابا (بونيفاس التاسع) للقضاء على الدولة العثمانية وكانت النتيجة هزيمة ساحقة لأوروبا وروسيا وانتصارًا كبيرًا للعثمانيين بقيادة (بايزيد الأول) وكانت النتيجة أيضًا اتساع رقعة الدولة الإسلامية من الفرات شرقًا إلى الدانوب غربًا.

• في عهد الخلافة العثمانية كانت أمريكا بقيادة جورج واشنطن تدفع الجزية للمسلمين مقابل حمايتهم للسفن الأمريكية في البحر المتوسط والمحيط الأطلسي والحفاظ على الأسرى الأمريكان الذين أسرتهم الجزائر.

• في عهد الخلافة العثمانية دفع آخر سلاطينها (السلطان عبد الحميد) عرشه ثمنًا للتمسك بفلسطين، وقال قولته المشهورة: "فلسطين ليست ملكًا للسلطان عبد الحميد، بل لجميع المسلمين، فاجمعوا لي تواقيع المسلمين أنهم قد تنازلوا عن فلسطين لأتنازل عنها أنا"

في عهد الخلافة العثمانية فتح القائد محمد بن مراد المعروف بـ (محمد الفاتح) القسطنطينية تحقيقًا لبشارة النبي ﷺ بفتحها والثناء على فاتحيها

• وفي عهد الخلافة العثمانية وقعت (معركة موهاكس) عام 1526م بقيادة السلطان سليمان القانوني الذي لقن أوروبا درسًا لم ولن تنساه، فعندما أراد الجيش الأوروبي الاستسلام، جاء قرار السلطان سليمان القانوني "لا أسرى"، وهذا معناه أنه لا خيار لجنود الجيش الأوروبي سوى القتل. انتهت المعركة بمقتل فيلاد، والأساقفة السبعة الذين يمثلون النصرانية، ومبعوث البابا، وسبعون ألف فارس، ورغم هذا أُسر 25 ألف جريح، وأقيم عرض عسكري في العاصمة المجرية من قبل العثمانيين، وهنا انتهت أسطورة أوروبا والمجر.

• وفي عهد الخلافة العثمانية فتح القائد محمد بن مراد المعروف بـ (محمد الفاتح) القسطنطينية تحقيقًا لبشارة النبي ﷺ بفتحها والثناء على فاتحيها، وكان ذلك في 29 مارس عام 1453م. وكان محمد الفاتح حينها ابن إحدى وعشرين سنة.

ثانيًا/ مؤامرة عالمية لإسقاط الخلافة الإسلامية

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918م بدأت مفاوضات (مؤتمر لوزان) عام 1922م لعقد صلح بين دول الصراع واشترطت بريطانيا على تركيا أنها لن تنسحب من أراضيها إلا بعد تنفيذ عدة شروط يمكن إجمالها فيما يلي:

1- إلغاء الخلافة الإسلامية وطرد الخليفة العثماني من تركيا ومصادرة أمواله.

2- أن تتعهد تركيا بإخماد كل حركة لأنصار الخلافة.

3- أن تقطع تركيا صلتها بالإسلام.

4- أن تختار تركيا لها دستورًا مدنيًا بدلًا من دستورها القائم على أحكام الإسلام.

5- منع تركيا من التنقيب عن البترول داخل أراضيها وأن تعتمد على الاستيراد فقط.

6- اعتبار مضيق البوسفور ممرًا مائيًا دوليًا ولا يحق لتركيا تحصيل أي رسوم من السفن المارة فيه.

وبناءً على موافقة مصطفى كمال أتاتورك على هذه الشروط انسحبت الدول المحتلة من تركيا.

ثالثًا/ من هو مصطفى كمال أتاتورك؟

أكدت الكثير من المصادر أن مصطفى كمال أتاتورك ولد (من سِفَاح) عام 1881م في مدينة سالونيك اليونانية التي كانت تتبع الدولة العثمانية، وأكدت الكثير من المصادر أن والدة مصطفى كمال أتاتورك كانت تدعى (زبيدة)، وكان معروف عنها الاستهتار والمجون وأنها حملت في أتاتورك من شخص قيل إن جنسيته ألبانية، وأنها نسبت أتاتورك إلى زوجها الذي كان يدعى (علي رضا)، أحد موظفي الجمارك في سلانيك.

عندما كان أتاتورك يتعاطى الخمر في جلسات السكر التي اعتادها، كان يجاهر بأعلى صوته بأنه لا يعرف والده الحقيقي! وأكدت الشواهد على أن أصول مصطفى كمال أتاتورك صربية وأنه من يهود الدونمة (مسلمون بشكل ظاهري وفي باطنهم لا يزالون يهودًا) وكان لهم أكبر الأدوار في خلع السلطان عبد الحميد الثاني وإسقاط الخلافة الإسلامية العثمانية.

بعد الحرب العالمية الأولى وتوقيع (هدنة مودروس) في أكتوبر 2018م أعد اليهود والدول الاستعمارية الغربية أتاتورك لتحقيق مصالحهما في تدمير ما تبقى من ميراث الحضارة الإسلامية

رابعًا/ محطات من حياة مصطفى كمال أتاتورك

درس أتاتورك في المدارس الحربية في سالونيك، ثم التحق بالكلية الحربية في اسطنبول وتخرج منها عام 1905م، انضم أتاتورك إلى جمعية الاتحاد والترقي وكان عضوًا منبوذًا لاستهتاره وسوء أخلاقه وارتياده للحانات، ومحلات للفجور.

بعد الحرب العالمية الأولى وتوقيع (هدنة مودروس) في أكتوبر 2018م أعد اليهود والدول الاستعمارية الغربية أتاتورك لتحقيق مصالحهما في تدمير ما تبقى من ميراث الحضارة الإسلامية والتي كانت تتمثل في الخلافة الإسلامية من خلال طرده للخليفة الأخير للمسلمين عبد المجيد الثاني وإعلانه الجمهورية التركية العلمانية.

طبقًا لهذه الهدنة استسلم العثمانيون في مواقعهم المتبقية خارج الأناضول، ووافقوا على أن يسيطر الحلفاء على مضيق البوسفور ومضيق الدردنيل، كما سُرِّحَ الجيش العثماني، وأصبحت الموانئ والسكك الحديدية والنقاط الاستراتيجية الأخرى متاحة لاستخدام الحلفاء.

ومن الشروط التي أملتها إنجلترا على الدولة العثمانية:

1- تسريح الجيش العثماني ووضع رقابة الحلفاء على الإذاعة والتلغراف والطرق الحديدية.

2- احتلال مضايق البوسفور والدردنيل ومرور السفن الحربية التابعة للحلفاء من خلالها.

3- استسلام القوات العثمانية في الولايات العربية (اليمن، العراق، سوريا، الحجاز).

4- انسحاب القوات العثمانية من إيران ومن الأجزاء المسيطرة عليها فيما وراء القوقاز.

5- احتفاظ الحلفاء بالحق في احتلال أية مواقع استراتيجية في داخل الدولة العثمانية في حالة ما إذا استجدت ظروف تهدد أمنهم وسلامتهم.

6- إعادة أسرى الحرب من المواطنين التابعين لدول الحلفاء دون أية شروط وإبقاء أسرى الحرب العثمانيين تحت تصرف الحلفاء.

في أكتوبر 1923م تولى أتاتورك رئاسة الجمهورية التركية فكان أشد عداء للإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى! وفعل في تركيا ما لم تفعله جيوشهم مجتمعة، وفرض إجراءات علمنة تركيا وفصلها عن الإسلام بقوة السلاح.

تولى أتاتورك رئاسة الجمهورية التركية فكان أشد عداء للإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى! وفعل في تركيا ما لم تفعله جيوشهم مجتمعة، وفرض إجراءات علمنة تركيا وفصلها عن الإسلام بقوة السلاح

خامسًا/ جهود أتاتورك من أجل علمنة تركيا بعد إلغاء الخلافة

حارب أتاتورك مظاهر التدين أو الالتزام الديني في المجتمع التركي من خلال:

- إلغاء الحجاب والتشجيع على انتشار الإباحية والسفور والعري.

- إحلال الدستور الإسلامي بدستور آخر مستمد من القوانين الإيطالية والسويسرية.

- إعادة رسم الحدود الجغرافية التركية لكي لا تفكر تركيا مرة أخرى في حكم المسلمين.

- تقزيم العلاقات التركية كي لا يكون لها دور في التأثير في العالم الإسلامي المحيط بها وعزلها عنه وعن قضاياه.

- إلغاء الاحتفال بالمناسبات الإسلامية مثل عيد الأضحى وعيد الفطر... إلخ.

- جعل يوم الأحد إجازة أسبوعية بدلًا من يوم الجمعة.

- منع رحلات الحج والعمرة، وتحويل المساجد إلى متاحف سياحية.

- إلغاء وزارة الأوقاف والمدارس الدينية.

- إلزام الأتراك باستخدام اللغة التركية في الأذان وسائر الشعائر.

- إجبار الشعب على لبس القبعة الفرنجية.

- بيع أذربيجان للروس.

- القضاء على الحريات، والتنكيل بالمعارضين لسياساته، وجعل وسائل الإعلام لا تتحدث إلا عن أخباره.

- إلغاء الحروف العربية واستعمال الحروف اللاتينية بدلًا منها.

- تغيير أحكام المواريث، فسوى بين الذكر والأنثى في الميراث.

- إلغاء العمل بالتقويم الهجري واستخدام التقويم الميلادي بدلًا منه.

- من أقواله أمام البرلمان التركي عام 1923م: "نحن الآن في القرن العشرين وعصر الصناعة ولا نستطيع أن نسير وراء كتاب يبحث عن التين والزيتون" يقصد بذلك القران الكريم!

سادسًا/ مرض وهلاك أتاتورك

كان أتاتورك شديد الخوف على نفسه، لذلك أحاط نفسه بكبار الأطباء، ومع ذلك لم يكتشفوا أنه كان مريضًا بالكبد حتى وصل لمرحلة التليف، كما أصيب أتاتورك بالتهاب في الأعصاب الطرفية، وتعرض لنوبات من الاكتئاب والانطواء.

وكذلك أصيب أتاتورك بمرض الزهري نتيجة شذوذه الجنسي الذي اشتهر به مع أحد وزرائه، وكان ذلك هو السبب الذي من أجله طلبت زوجته الطلاق منه، وهذا ما حدث بالفعل، وقبل وفاته ابتلاه الله تعالى بحشرات صغيرة جدًا (النمل الأحمر) تكاد لا ترى، سببت له الحكة والهرش في جميع أنحاء جسده حتى في اجتماعاته وأمام ضيوفه وزوار البلاد.

هلك أتاتورك في 10 نوفمبر 1938م بعد أن تكالبت عليه الأمراض وأذلته.

بعد موت أتاتورك اختلف الناس في أمر الصلاة عليه، فرأى رئيس الوزراء عدم الصلاة عليه، وصمم رئيس الجيش على الصلاة عليه، فصلى عليه شرف الدين أفندي مدير الأوقاف الذي كان أخبث وأسوأ من أتاتورك نفسه، وهذا الاختلاف ترتب عليه تأخير دفن أتاتورك فلم يدفن إلا بعد تسعة أيام من وفاته، بعد أن أمضى 15 سنة في الحكم.

هذه الحرب لم تعد حربًا بالمفهوم التقليدي ولكنها حرب على الهوية الإسلامية تهدف إلى تحويل المسلمين إلى مسوخ لا تفكر ولا غاية لهم ولا هدف، لذا فإن الأمانة تحتم على شرفاء الأمة أن يدركوا حجم الأمانة الملقاة على عاتقهم

سابعًا/ كي لا ننسى حلم استعادة الخلافة الإسلامية

إن رحا الحرب ما زالت قائمة ضد العالم الإسلامي خشية أن يستيقظ الليث الجفول، وهذه الحرب لم تعد حربًا بالمفهوم التقليدي ولكنها حرب على الهوية الإسلامية تهدف إلى تحويل المسلمين إلى مسوخ لا تفكر ولا غاية لهم ولا هدف، لذا فإن الأمانة تحتم على شرفاء الأمة أن يدركوا حجم الأمانة الملقاة على عاتقهم، وهذه الأمانة تتمثل ملامحها في:

- تعليم الأمة أن مكانة الخلافة في المجتمع المسلم لا تقل أهمية عن مكانة الرأس من الجسد، فهي القوة الوحيدة التي تنظم أمور المسلمين وتزن كل شؤونهم بميزان الإسلام

- التأكيد على أن الخلافة الإسلامية هي التي ستعيد للأمة كرامتها وعزتها ومجدها.

- تنبيه الأجيال إلى أنه لولا معرفة دول الغرب بمكانة الخلافة ما بدؤوا التكالب على إلغائها والقضاء على أية حركة تسعى لإحيائها من جديد.

- تربية النشء على أنه لا فرق بين مسلم في أقصى الشرق وآخر في أقصى الغرب، فالعقيدة واحدة والحدود تراب.

- إعداد جيل يؤمن أن أمل استرداد الخلافة معقود عليه وأنها بإذن الله تعالى ستعود.

من العقوق لتاريخنا الإسلامي ولقادتنا المغاوير أن تبقى بطولاتهم حبيسة المتاحف وأرفف المكتبات العامة والخاصّة، ولا يعرف شبابنا عنهم شيئًا في الوقت الذي يعرفون فيه أسماء مشاهير الفن والرياضة وغيرهم من المسلمين وغير المسلمين

أخيرًا أقول:

إن من العقوق لتاريخنا الإسلامي ولقادتنا المغاوير أن تبقى بطولاتهم حبيسة المتاحف وأرفف المكتبات العامة والخاصّة، ولا يعرف شبابنا عنهم شيئًا في الوقت الذي يعرفون فيه أسماء مشاهير الفن والرياضة وغيرهم من المسلمين وغير المسلمين.

ومن العقوق والجحود والصلف أن يتعمد تكديس المناهج الدراسية في بلاد الإسلام والمسلمين بتفاصيل الحضارات الفرعونية واليونانية والفارسية وغيرهم ويتخرجوا وهم لم يسمعوا شيئًا عن حضارتهم الإسلامية ولا عن قادة المسلمين.

وأقول: ما أحوجنا إلى أن ندرس تاريخ أمتنا ونتعلم من دروس التاريخ لنعرف كيف تقوم الدول، وكيف تنهض الأمم، وكيف تمرض، ومتى تسقط، لنكون على بيِّنة من أمرنا، ولكي نعيد أمجاد أمتنا وقادتنا.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …