لقد أودع الله سبحانه وتعالى أولادنا أمانة في أعناقنا كي نحسن تربيتهم بما نستطيع، التربية الدينية والجسدية والنفسية/ العاطفية، وقد اهتم الجميع منذ زمن طويل بالتربية الجسدية، لكن للأسف تأخر اهتمامنا بالتربية النفسية، ربما لأنها غير مرئية لنا كما هو حال التربية الجسدية، بل يمكن أن أقول إن بعض تصرفاتنا المبنية على توقعاتنا كان أثرها سلبيًا على نفسية أطفالنا في أوقات كثيرة.
لكن بفضل الله تعالى الذي سخر لنا الأجهزة الطبية التي وصلنا من خلالها إلى معرفة تركيب الدماغ وإدراك أن دماغ الأطفال ليس ناضجًا بشكل كاف يؤهلهم لحسن التصرف وإدارة الانفعالات كالكبار، أصبح هناك اهتمام وفهم أكثر للناحية العاطفية النفسية، وظهر مصطلح النمو العاطفي الذي يوازي النمو الجسدي، والذي أطلق عليه بعض العلماء "الذكاء العاطفي عند الأطفال"
الأطفال الذين تعلموا فهم ما يثير المشاعر القوية مثل الغضب والقلق، والاستجابة لتلك المشاعر بشكل مناسب يتمتعون بحس مسؤولية أكثر من غيرهم
نحن نعلم الآن أن الأطفال الذين تعلموا فهم ما يثير المشاعر القوية مثل الغضب والقلق، والاستجابة لتلك المشاعر بشكل مناسب يتمتعون بحس مسؤولية أكثر من غيرهم، ويعملون بشكل أفضل اجتماعيًا وأكاديميًا، ويكونون أكثر سعادة ونجاحًا في الحياة.
صحيح أن هذا لن يقضي على جميع الانهيارات والمشاعر القوية، إلا أنه يمكن أن يمنحهم الأدوات للتواصل بشكل أكثر فاعلية، وتقليل تكرار وشدة ما يحدث معهم.
ويشير العلماء إلى وجود عدة مراحل تطورية من الناحية العاطفية عند الأطفال: مرحلة صفر حتى سنة.مرحلة سنة إلى سنتين، مرحلة ما قبل المدرسة من ثلاث حتى خمس سنوات، مرحلة ٥-٩ سنوات، مرحلة المراهقة.
مرحلة صفر حتى سنة:
يولد الأطفال مع مشاعر تسمى المشاعر الأساسية أو الأولية، هذه المشاعر غريزية وهي موجودة عند الأطفال من كل الشعوب، اختلف العلماء في عدد المشاعر الأساسية لكن يمكننا أن نقول إن هناك أربعة مشاعر متفق عليها وهي الخوف، الغضب، الحزن، السعادة.
هناك أيضًا ما يسمى المشاعر الثانوية، هذه المشاعر تظهر في سياق التعاملات الاجتماعية والثقافية، قد تختلف من بيئة إلى أخرى، وهي في الواقع مشاعرنا اتجاه مشاعرنا الأولية، مثل شعور العار إن خاف، أو الشعور بالذنب إن تألم، لكنها تظهر في مراحل لاحقة.
الطريقة التي يعبر بها الطفل عن مشاعره وأحاسيسه في النصف الأول من هذه المرحلة هي البكاء: يبكي إن تألم أو جاع، ويبكي إن أراد الحصول على شيء، أو أراد التواصل مع والدته لتحمله أو تلاعبه.
يجب أن يكون عند الوالدين أو المربين حساسية عالية؛ كي يكتشفوا من تعابير وجهه ما هي حالته الشعورية منذ بدايتها قبل أن تتفاقم
في النصف الثاني من هذه المرحلة يبدأ الطفل بالتفاعل مع تعابير وجه والديه، ويميز وجه من يهتمون به عن الغرباء، ويشعر بالارتياح بوجود من يهتمون به، بينما يجفو من الغرباء، وهذا أمر طبيعي، من المهم من أجل تطوير الناحية العاطفية في هذه الفترة أو هذه المرحلة:
- احتضان الطفل.
- التفاعل معه بتعابير وجه واضحة تمامًا.
- الحديث مع الطفل حتى وإن بدا لنا أنه لا يفهم ما يقال.
- يجب أن يكون عند الوالدين أو المربين حساسية عالية؛ كي يكتشفوا من تعابير وجهه ما هي حالته الشعورية منذ بدايتها قبل أن تتفاقم.
ولنتذكر أن الحنان والرحمة هي صفات نؤجر عليها ومن صميم ديننا، عن سعيد بن الْمُسَيِّبِ أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نِساءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِساءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ، أَحْنَاهُ على طِفْلٍ وأَرْعاهُ على زَوْجٍ في ذاتِ يَدِهِ"
مرحلة سنة حتى سنتين:
لا يستطيع الأطفال في هذه المرحلة تنظيم مشاعرهم بأنفسهم، وإنما يعتمدون على المربين من أجل ذلك، وقد وجد العلماء أن أفضل طريقة لمساعدة الأطفال على تنظيم مشاعرهم هي بتجنب المواقف، فنبعدهم عن المواقف التي تسبب لهم الألم أو شدة الرغبة، فلا يُعقل أن نضع شوكولا أمام الطفل ثم نطالبه بإمساك نفسه عن أكلها.
الطفل يستطيع فهم فكرة الانتظار لكن لا يستطيع تطبيقها، وإنما ندربه عليها شيئًا فشيئًا، لذا لا نتوقع منه الانتظار أكثر من دقائق معدودة، ثم نغضب منه إن لم ينتظر
وأيضًا طريقة التشتيت، فيسهل تشتيت الطفل في هذه المرحلة، مثلا لو كان الطفل يبكي من أجل الحصول على لعبة، يمكن أن ندغدغه، أو نلفت نظره لصورة موجودة على ملابسه.
الطفل في هذه المرحلة لحوح لا يستطيع الانتظار لفترة طويلة، يستطيع فهم فكرة الانتظار لكن لا يستطيع تطبيقها، وإنما ندربه عليها شيئًا فشيئًا، لذا لا نتوقع منه الانتظار أكثر من دقائق معدودة، ثم نغضب منه إن لم ينتظر، ولنحاول تلبية حاجاته قبل البدء بأعمالنا المهمة، إن لم نرد له أن يقطع عملنا.
وفي نهاية هذه المرحلة تقريباً يصبح الطفل قادراً على الربط بين المواقف المختلفة وبين مشاعره اتجاهها، وبالتالي يبدأ بالابتعاد عن المواقف التي تسبب له الألم.
نكمل بقية المراحل في المقالات التالية إن شاء الله.