مسلمو فرنسا: الحالة الدينية.. والتحديات

الرئيسية » كتاب ومؤلف » مسلمو فرنسا: الحالة الدينية.. والتحديات
مسلمو فرنسا.. الحالة الدينية والتحديات - الغلاف الأمامي

من بين أكثر الأقليات المسلمة في العالم عُرْضَةً للأزمات والمشكلات في العقود الأخيرة، هم مسلمو فرنسا، على اختلاف فئاتهم وتصنيفاتهم، سواء أكانوا من المهاجرين - بأجيالهم المختلفة - أو من اللاجئين غير القانونيين الآتين من مناطق الفقر والصراعات، في أفريقيا والعالم العربي والإسلامي، أو المسلمين الجدد من أبناء البلد الأصليين.

وساعد على صعود الاهتمام الإعلامي والسياسي بمسلمي فرنسا، والأزمات المتتالية التي تواجههم على مختلف الصُّعُدِ، ما عُرِف في العام 2020م، بخطة ماكرون، نسبةً إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضد ما وصفه بـ "التطرف والانفصال الإسلامي"، والتي شملت طائفةً واسعةً من الإجراءات، مسَّت مساجد وجمعيات المسلمين في أنحاء فرنسا، وتضمنت كذلك عمليات ترحيل واسعة للأئمة وشخصيات مسلمة عادية إلى بلدانهم، بالرغم من أن ذلك يعرض حياتهم وحرياتهم للخطر في بلدانهم الأصلية، وهو ما يمنعه القانون الدولي.

مع الكتاب:

وبين أيدينا كتاب مهم أصدره مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أحد المؤسسات المستحدَثَة في الأزهر الشريف بمصر عن أحوال مسلمي فرنسا، يتناول فيه المُعِدُّون طائفةً واسعةً من القضايا المهمة المتعلقة بمسلمي فرنسا.

وأهم ما في هذا الكتاب، أنه قائم على منهجية البحث الأكاديمي التي تقوم على أساس من الموضوعية وشمولية الرؤية؛ فمُعِدُّوه لم يقعوا في فخِّ التنميط الذي تقع فيه الكثير من وسائل الإعلام ومراكز البحوث الغربية والعربية على حد سواء.

فبين ما يعد منها كل مسلمي فرنسا متطرفين وإرهابيين، سيِّمَا بعد سلسلة الهجمات الإرهابية التي ضربت فرنسا في السنوات الأخيرة والتي بلغت ذروتها في العام 2015م، عام هجمات باريس و"شارلي إيبدو"، وبين مَن يعدهم جميعًا ملائكة وضحايا، تاهت حقيقة الوضع وبات من الصعب معالجة مشكلاتهم؛ فالمعالجة الصحيحة للمشكلات تبدأ بالتشخيص الصحيح للواقع وأسبابه.

ومن ضمن أركان منهجية الكتاب التي يعتمدها مرصد الأزهر بشكل عام، توصيف الواقع بصورة إحصائية مُدَقَّقَة، فقد حَفِل الكتاب بالكثير من الإحصاءات حول مسلمي فرنسا، واقعهم العام وكذلك فئاتهم المختلفة وتعداد كل فئة منهم.

الكتاب من إعداد سبعة من باحثي المرصد، وهم: الدكتور خالد عزت، والدكتور أحمد هزاع، والدكتور مبارك حسين والدكتور محمد دياب والدكتور محمد رضا، وكل من أحمد حسن عبد الفتاح ووليد حسن بلال وأحمد حسن عبد الفتاح.

يبدأ الكتاب بإشارة مهمة وهي أنه لظروف فرنسا كَبَلَدٍ علماني، لا يضع خانة للديانة في الأوراق الثبوتية؛ فإنه لا يوجد عدد محدد لمسلمي فرنسا، وذكر الكتاب أن العدد يتراوح بين 4 إلى 7 ملايين مسلم، وإنْ رجَّح الكتاب تعداد الأكاديمي وعالم الأنثروبولوجي الفرنسي (فرانسوا هيران) والذي يرى أن تعداد مسلمي فرنسا يبلغ 4.8 مليون نسمة، بحسب أرقام العام 2017م.

أما التكوين الديموجرافي لهم، فقد رجَّح أن تسعين بالمائة منهم، من المغرب العربي وتركيا وإفريقيا الساحل والصحراء، ويذكر الكتاب أن هناك رافدَيْن أساسيَّيْن لمسلمي فرنسا، الأول/ نشأ مع مرحلة فك العلاقة بين فرنسا الاستعمارية مع مستعمراتها، والثاني/ جاء من بلدان الأزمات والفقر في إفريقيا والعالم العربي والإسلامي كما أشرنا.

في بداية الكتاب، تتبع مُعِدُّوه تاريخ الوجود المسلم في فرنسا، والذي كانت بدايته الاستعمار الفرنسي لبلدان عربية وإفريقية، بدأت بالجزائر عام 1830م، ونال الآلاف من أبناء هذه البلدان الجنسية الفرنسية، أما في فرنسا المتروبوليتانية، أو البلد الأُمِّ، فإن الوجود المسلم بدأ على استحياء في مطلع القرن العشرين، ثم كرَّست الحربان العالميتان الأولى والثانية من هذا الوجود مع تجييش فرنسا لمئات الآلاف من أبناء مستعمراتها للقتال ضد الألمان في أوروبا ومناطق شمال أفريقيا.

ومن بين المؤسسات الإسلامية الأولى التي تأسست في فرنسا: "المستشفى الفرنسية الإسلامية" في منطقة "بوبيني" عام 1925م، و"مسجد باريس" الذي افتتح في العام 1926م، بحضور الرئيس الفرنسي آنذاك جاستون دوميرج، وسلطان المغرب في ذلك الوقت، مولاي يوسف.

الكتاب تناول في إطار رصده للتطور التاريخي لوجود المسلمين في فرنسا وواقعهم المعاصِر، مجموعة مهمة من مشكلات المسلمين في فرنسا، والتي كان من أهمها الجهل بالإسلام وضعف اللغة العربية خاصة لدى الأطفال والشباب، وأبناء الجيلَيْن الثالث والرابع.

أيضًا من بين المشكلات التي تناولها الكتاب، الزواج المختلط (زواج المسلم المهاجِر بفرنسية لأسباب تتعلق بالحصول على الجنسية)، مما أدى إلى مشكلة اختلاف ثقافات كبيرة في الأجيال التالية، وارتفاع نسبة الطلاق، والذي يؤثر بدوره على الأطفال والناشئة.

كما خصص مجالاً للحديث عن مشكلات المسلمات في فرنسا، ومن بينها الأزمات المتتالية التي يتم تصعيدها ضد الحجاب الإسلامي بمبررات عدة، من بينها أنه "علامة هوية دينية"، وهو ما يتصادم مع قوانين علمانية الدولة في فرنسا.

ومن بين العلامات اللافتة في الكتاب، أنه في فصله الثالث الذي خصصه مُعِدُّوه للحديث عن مشكلة التطرف بدأ بالحديث عن ظاهرة التطرف ضد المسلمين، والتي تعود إلى تيار اليمين المتطرف.

وهو اقتراب "Approach" لا نلقاه كثيرًا عند الحديث عن مشكلة التطرف في أوساط مسلمي أوروبا؛ فالغالب أن مشكلة التطرف اليميني تُنَاقَش في أوروبا بمعزلٍ عن ملف المسلمين الموجودين في القارة العجوز، ولا تجري مناقشة أثر هذه التيارات اليمينية على مسلمي أوروبا، وبالتالي على مشكلة التطرف في أوساطهم.

وعند الحديث عن مشكلة التطرف في أوساط المسلمين هناك، كان الكتاب دقيقًا في توصيفها، بخلاف ما ينحو إليه الإعلام الغربي ومن يسير في فَلَكِه في إعلامنا العربي؛ فلم يصف الإرهاب والتطرف بـ"الإسلامي" أو حتى "الإسلاموي" كما يقول ماكرون، وإنما وصفه بأنه "التطرف من قِبَل بعض المنتسبين إلى الإسلام".

في هذه المساحة الشائكة تناول الكتاب مشكلات محددة ذات باعث أمني، تشكل نقطة تباعد وعدم ثقة بين المسلمين وبين الحكومة الفرنسية، مثل المقاتلين العائدين من مناطق تنظيم الدولة "داعش".

وهنا أشار الكتاب إلى فئة يُطلَق عليها مصطلح (المُصَنَّفون "إس") أو "الفئة S"، وهي الفئة الموجودة في ملفات وزارة الداخلية الفرنسية، تجمع فيها الوزارة كافة المعلومات عن أي شخص يُشتَبَه بأنه يشكل خطرًا على الأمن العام الفرنسي، مثل المتطرفين سواء "الإسلاميين" أو المتطرفين اليساريين واليمينيين.

يرتبط بهذه الفئة مشكلة عدم قبول المجتمع الفرنسي لهم، مما يمثل عائقًا أمام اندماج المسلمين؛ فإن 87 بالمائة من الفرنسيين يرغبون في وضع مَن تشملهم قائمة "الفئة S" هؤلاء قيد الاحتجاز الإداري، مع نظرة سلبية للمسلمين بشكل عام، جعلت هناك دعوات طبقت بالفعل في حالات كثيرة، لحظر جمعيات سلفية وترحيل أئمة وما إلى ذلك من ممارسات جَرَت بحقِّ المسلمين هناك.

إلا أن الكتاب اعترف بوجود مشكلات حقيقية في أوساط شرائح من مسلمي فرنسا، تتطلب تعاملاً متعدد الأبعاد، منها مراكز مكافحة التطرف العنيف وإعادة التأهيل، ودعا الباحثون الذين أعدُّوه إلى معالجة متوازنة من جانب الحكومة الفرنسية، لا تعمل على التنميط والتعميم، وفي المقابل إنهاء حالة الوصاية التي تمارسها بعض الدول العربية والإسلامية على مسلمي فرنسا، فلا تعدهم أداة تأثير على السياسات الفرنسية والمجتمع الفرنسي، مما يؤثر سلبًا على أوضاع المسلمين هناك.

بيانات الكتاب:

إعداد: خالد عزت (د) وآخرون.

عنوان الكتاب: مسلمو فرنسا: الحالة الدينية.. والتحديات

الناشر وتاريخ النشر: مرصد الأزهر لمكافحة التطرُّف، القاهرة: 2021م

الطبعة: الأولى

عدد الصفحات: 178 صفحة من القطع الكبير

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

فقه بناء الإنسان في القرآن

هذا الكتاب هو أشبه بمحاولة تربوية متكاملة كتبتها المؤلفة في قالب أدبيّ لبناء وتشكيل دقيق …