لم يهز الزلزال الأخير سوريا وتركيا فحسب، ولكن هز العالم أجمع وعالمنا العربي والإسلامي بالأخص؛ فما حدث من قصص ومواقف سواء من الأب الذي لقن ولده الشهادة قبل أن يلفظ الابن أنفاسه الأخيرة، والطفلة التي بكت بين جراحها ودمائها على الصلوات التي فاتتها وهي تحت الأنقاض! والسيدة التي أبت الخروج من تحت الأنقاض حتى يُؤتى لها بحجاب تلبسه، والطفلة الرضيعة التي ولدت وسط الأنقاض وماتت أمها عقب ولادتها وظلت الرضيعة تتغذى من مشيمتها!
ترى ماذا نعتبر من تلك القصص وكيف يمكننا الاستفادة - لا التأثر فحسب - من المواقف التي حدثت في زلزال تركيا وسوريا؟ من أبرز الدروس التي لنا استخراجها نلخصها فيما يلي:
الإنسان لا يدري ما تكسب نفسه غدًا! ولا نعارض هنا بعض التخطيط للمستقبل والآمال والأحلام، وإنما نحذر من وصولها للدرجة التي تعيقنا عن التمتع بما نعيشه الآن من نِعم
أولًا/ التمتع بالنعم قبل زوالها والكف عن القلق من المستقبل:
فالدوام لله سبحانه وتعالى وربما ما هز الكثيرين منا هو موت الفجأة الذي أصاب عددًا كبيرًا من الناس في وقت واحد، وإلا فالموت حدث ويحدث وسيحدث في كل يوم، ووقوع الزلزال - وهو عادة من الأمور التي لا يتوقعها أحد - يعلمنا أن لا طائل من كثرة التفكير والـتأمل في المستقبل، وما روج له الكثيرون من خطط خمسية وعشرية! فالإنسان لا يدري ما تكسب نفسه غدًا!
ولا نعارض هنا بعض التخطيط للمستقبل والآمال والأحلام، وإنما نحذر من وصولها للدرجة التي تعيقنا عن التمتع بما نعيشه الآن من نِعم، وربما ما كان حلمًا بالنسبة لنا فيما ما مضى، على تلك الزلازل أن تعلمنا شكر الله على فضله، وألا نألف النعم سواء من بشر أو أشياء أو ماديات ونعدها من المسلمات، فمهما طال بقاؤهم في حياتنا فمردهم إلى زوال، فبدلًا من قلق الآباء والأمهات شبه الدائم على مستقبل أبنائهم - مثلًا - فليستمتعوا بوجودهم الآن، فوجودهم في حد ذاته هو حلم الملايين الذي لم يكتب لهم رزق الذرية الصالحة، ولنقس على ذلك.
بعض الناس تأثروا من الأب الذي يلقن ولده الشهادة بكل رباطة جأش، ولكن هل تأمل هؤلاء في رحمة الله حيث أنزل السكينة والثبات على قلب الأب حتى يتمكن من تلقين ولده الشهادة
ثانيًا/ لا مفر من الموت:
قذف موت الفجأة الذي راح ضحيته الآلاف الرعب في قلوبنا لما يفتقره معظمنا من استعدادات نرى ضرورتها قبل الموت، مثل أن يختم لنا بالصالحات ودون قطيعة أرحام أو ظلم لم يرفع عن أصحابه، وهذا كله يدل على تقصيرنا في الاستعداد للموت واستبعادنا إياه رغم علمنا بحتمية حدوثه، وطول أملنا في الدنيا وتمسكنا بها، وقد رأينا بأم أعيننا عائلات تشبهنا وتعيش مثلنا وتتأمل في الغد مثلنا، ولم يعلموا أنهم لن يصبحوا لغد، وأصبحنا نحن فهلا اتعظنا من أمس غيرنا؟!
ثالثًا/ التأمل في رحمات الله سبحانه وتعالى:
فبعض الناس تأثروا من الأب الذي يلقن ولده الشهادة بكل رباطة جأش، ولكن هل تأمل هؤلاء في رحمة الله حيث أنزل السكينة والثبات على قلب الأب حتى يتمكن من تلقين ولده الشهادة، ثم الصبر على فقده بعد ذلك؟!
وتأثرنا بالأطفال وكبار السن الذين أشفقنا من مكوثهم تحت الأنقاض لساعات وأيام دون طعام أو شراب، ترى هل تأملنا في رحمة الله بهم وأن منحهم الحياة والقدرة على التنفس تحت الأنقاض، والكثير يموت في فراشه دون أن يمسه شيء أو يقربه أحد!
من ذا الذي يتنبأ بأقدار الناس وأرواحهم إلا خالق الناس ومبرئ الأرواح وقابضها؟!
رابعًا/ كذب المنجمون ولو صدقوا:
كثير لم يتزعزع بيته في هذا الزلزال ولكن تزعزع إيمانه، حيث برز منجمون يدعون أنهم كانوا على علم بهذا الزلال، وأن الناس لو اتبتعهم ما جرى ما قد جرى! ونسوا قوله تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]، وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في وعظه لعبد الله بن عباس - رضي الله عنه - حين قال: "يا غلامُ احفظ اللهَ يحفظك، احفظ اللهَ تجده تجاهك، إذا سألت فاسألِ اللهَ، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ، لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رفعتِ الأقلامُ، وجفَّت الصحفُ" [صحيح الترمذي]، فمن ذا الذي يتنبأ بأقدار الناس وأرواحهم إلا خالق الناس ومبرئ الأرواح وقابضها؟!
إن اتعاظنا من الابتلاءات كمسلمين يختلف، فإن أصابنا نحن الابتلاء نسترجع الله ونصبر ونحتسب الأجر، وإن أصاب غيرنا - كما حدث في ابتلاء الزلزال الأخير - حمدنا الله على العافية وسألناه السلامة، وحرصنا على التفكر فيم لو أصابنا، لا لنجزع ونغتم ولكن لنتفكر ونستعد ونغتنم فرصة الحياة التي أنعم الله بها علينا.