الإخلاص.. مفتاح السّعادة في الدّارين

الرئيسية » حصاد الفكر » الإخلاص.. مفتاح السّعادة في الدّارين
muslim

من أنفع الدّروس التي يحملها رمضان كلّ عام، ويقف عليها واضحةً جلية كلّ من تأمّل قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدّم من ذنبه”؛ أنّ إخلاص العمل لله هو لبّ الدّين وأساس التوفيق والسعادة في الدّارين؛ وربّنا العليم الخبير لم يختصّ الصيام بقوله: “إلا الصيام فإنّه لي وأنا أجزي به” إلا لأنّ هذا العمل من أكثر الأعمال الصّالحة ارتباطا بالإخلاص؛ فلا يوجد بين عباد الله المسلمين من يصوم رمضان رياءً وسمعة، كما لا يوجد من عباد الله من يقارن صومه بصوم غيره، بل كلّ مسلم همّه أن يكون صيامه صحيحا ويتقبّله الله.. وهذا ما يفترض أن يحمل كلّ عبد مؤمن على تمحيص كلّ أعماله، لتكون هي الأخرى خالصة لوجه الله.

الإخلاص هو كنز الحياة، وسرّ السّعادة في الدّنيا وبعد الممات، أغلى وأعزّ مطلب ينشده العبد في هذه الدّنيا، لا صلاح للأعمال والأقوال والأحوال إلا به. حرص عليه وحازه المسلمون الأوّلون فعَزّوا وسادوا الدّنيا، وفقده أكثر المسلمين في الأزمنة المتأخّرة فذلّوا وهانوا. مطلب جلل أرّق الصّالحين وأسال دموعهم. سرّ عظيم رفع الله به بعض عباده وفتح لهم أبواب السّماء، وألقى لهم القبول في الأرض ونشر ذكرهم وقذف في القلوب محبّتهم، وجعل لكلامهم حلاوة ووقعا في القلوب، كيف لا وهو أساس وجوهر الدّين ومطلب ربّ العالمين مِن عباده المؤمنين ((وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)).

قد يعيش الإنسان في هذه الدّنيا 60 سنة أو 70 أو أكثر أو أقلّ، وهو يعمل ويكدّ ويجتهد ويصلّي ويصوم ويتصدّق، والنّاس معجبون بعمله ثمّ يلقى الله من المفلسين، ((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً))؛ يأتي بأعمال أمثال الجبال، فإذا به يراها قد صارت هباءً منثورا، في وقت هو أحوج ما يكون إلى حسنة واحدة؛ صلاته في المسجد، صدقاته، حجّه، نصائحه التي كان يسديها للنّاس؛ كلّها صارت هباءً، لأنّه كان لا يرجو بها وجه الله. كان يرجو بها وجاهة بين النّاس. ومدحا بين المخلوقين. نسي أمر الميزان ونسي عظم الموقف بين يدي الملك الديان. كان إذا قام أمام النّاس طأطأ رأسه وأطال الرّكوع والسّجود، وإذا خلا في بيته نقر صلاته نقر الغراب. كان يخرج زكاة ماله خوفا من لوم العباد. إذا صام أحبّ أن يسمع بصومه النّاس، وإذا تصدّق أظهر صدقته ليراها العامّ والخاصّ. يقرأ القرآن ليقال قارئ ويحرّك شفتيه ليقال ذاكر. أنفق الأموال وتكبّد المشاقّ وحجّ ليقال عنه حاج. ((مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون)).

وفي المقابل، قد يعيش الإنسان السّنوات والسّنوات، والنّاس لا يعبؤون به ولا ينظرون إليه، وبينه وبين الله من الأسرار ما لا يعلمه إلا الواحد القهّار؛ يعيش وفي قلبه من السّعادة ما لا يوصف. أبواب السّماء قد فتّحت له، وملائكة السّماء بالليل والنّهار تدعو وتستغفر له. لو أقسم على الله لأبرّه. لا لشيء إلا لأنّه يبتغي بعمله وجه الله. لا يهمّه نظر النّاس ولا كلامهم. يستوي عنده المدح والذمّ. يجتهد في إخفاء ما يمكن إخفاؤه، ويحرص على إخفاء حسناته أكثر من حرصه على إخفاء سيّئاته.

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • الشروق أونلاين
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

أسوأ رمضان يمر على الأمة أم أسوأ أمة تمر على رمضان؟!

كلمة قالها أحد مسؤولي العمل الحكومي في قطاع غزة، في تقريره اليومي عن المأساة الإنسانية …