وجاءت الأيام العشر

الرئيسية » خواطر تربوية » وجاءت الأيام العشر
الأيام العشر - العشر الأواخر - أواخر رمضان - أيام العتق من النار - ليلة القدر (1)

ومضى الشهر العظيم بسرعة البرق، وبعد أن كنا بالأمس نستعد له ونرحب بقدومه أصبحنا اليوم نتحدث عن أواخره ووداعه ورحيله، وهكذا الأعمال بل وهكذا العمر لمن يعي؛ فلا خلود لشيء ولا دوام لحال، والكل راحل، لكن الناس في المآلات ليسوا سواء كما هم في العبادات كذلك.

ونحن اليوم ومع حرصنا على أن نصل بأكثر الأرباح الرمضانية والتجليات الإلهية علينا - معشر المسلمين – أن نتحدث عن آخر عشرة أيام من رمضان والفضل الكبير لهذه الأيام التي تفتح فيها أبواب عدة لاستدراك لمن فاتته الأيام السابقة، وكذلك تفتح بابًا أشد رحمة لمن سار على الدرب، وبابًا ثالثًا للمزيد من طلب العفو من الله المنعم لمن خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا، أي نحن جميعًا.

إن الأيام العشرة فرصة كبيرة وخاصة لكل صاحب قلب سواء لوثته الذنوب أو أضاءه رمضان، وإجمالا الجميع يطلب الرحمة والغفران من الرحيم الرحمن.

برغم دفء المضجع وتنازع المرء نفسه للراحة إلا أن المسلم اليقظ الفطن المدرك لحقيقة الدنيا هو ذلك الذي ينظم مع أهله أجواء ملائكية تسودها الطاعة الجماعية

حال النبي مع الأيام العشرة:

لما كانت هذه الأيام مفصلية في القبول والعمل الصالح حرص القائد الأول للمسلمين - رسول الهدى - على اغتنامه وعبر أفعال ومواقف أخبر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان كثير القيام بالليل؛ فقد ثبت في الصحيحين "عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخلت العشرُ أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره" ومعنى إحياء الليل: أي استغراقه بالسهر في الصلاة والذكر وغيرهما، وقد جاء عند النسائي عنها أنها قالت: "لا أعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة حتى أصبح ولا صام شهرًا كاملًا قط غير رمضان"

بنظرة بسيطة نفهم لماذا هذا الجهد من النبي الأكرم وهذا القيام الطويل والحرص عليه وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهذا دليل شديد العمق والتأثير على عظمة هذه الأيام وعظمة المثوبة فيها وأجرها وأنه لا مكان للنوم فقد مضى زمن النوم يا عائشة.

أهلك أولًا:

وهذا هو العمل الثاني العظيم في هذه الأيام وهو أن يوقظ المرء أهله للقيام؛ فبرغم دفء المضجع وتنازع المرء نفسه للراحة إلا أن المسلم اليقظ الفطن المدرك لحقيقة الدنيا هو ذلك الذي ينظم مع أهله أجواء ملائكية تسودها الطاعة الجماعية، فتلك جنة وشعور فوق الوصف أن تكون الأسرة كلها تحت المظلة الربانية وهي طائعة لربها خاشعة له ترجو رحمة وتخشى عذابه.

المسلم الواعي هو الذي يصلّي الفروض ويعظمها في قلبه ويحافظ عليها كي يستمد من فضلها الشغف والرغبة في النوافل، وبذلك يجمع بين الخيرين

وقناعتي أن هذا الأمر وحده كافيًا لجعل الحياة كلها ود ورحمات كيف لا والمتحكم في القلوب عمومًا هو إله عادل يقبل الدعوات الخالصة الخاشعة، ويعفو عن الخطايا ويطهر القلوب من أرجاسها.

لا تتكاسل:

والمعنى أن هناك فئة تنشط في القيام والنوافل وتتكاسل عن الفرائض، فتجده ينام حتى العصر فيضيع الظهر والعصر وهو يحسب أن النوم عبادة في الصيام، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لكن المسلم الواعي هو الذي يصلّي الفروض ويعظمها في قلبه ويحافظ عليها كي يستمد من فضلها الشغف والرغبة في النوافل، وبذلك يجمع بين الخيرين، وهو في كل الاحوال مأمور أن يجتهد في هذه الأيام العشر أكثر من أي أيام أخرى، فمن هو أفضل منه وخير خلق الله إليه وأحبهم كان يعلن حالة الطوارئ، في بدء هذه الأيام ليس لشيء إلا لأهميتها وعظمتها، ويؤسس في النفوس المسلمة عظمة الإقبال على الله، واغتنام النفحات والتعرض للنفحات الرمضانية المباركة.

الدعاء ثم الدعاء:

إن الدعاء مخ العبادة، والمخ هو بنيان أي شيء وقوامه وعماده وعموده، ولا قيمة بدونه لذلك فالدعاء عموما وفي الأيام عامة محبب بل إن الله يحب العبد اللحوح (أي الذي يلح في الدعاء)

والإلحاح على الله نعمة منبتها القلب الطامع في العفو والغفران، والإعراض داء عضال وترجمة لقلب لوثته وأماتته الحياة والمعاصي.

الدعاء يصنع المعجزات، وعلى العبد أن يطلب من ربه المستحيل في هذه الأيام وهذا الشهر فهو وحده القادر على تحقيق كل الأماني

ولما كانت الأيام العشرة أيام قبول ورحمات كان الدعاء هنا أولى بكثير من غيرها؛ لماذا؟ لأن المرء يشعر بأن هناك عروض ومزايا فكما يحدث عندما يُفتتح مكان جديد، فيقدم الهدايا بسخاء لكي يقدم الناس، كذلك فالأيام العشرة لها من البركات والرحمات ما يوازي خيرات الدنيا بل ويؤسس لسعادة الآخرة شريطة نقاء القلب، وصلاح النية وعدم الدعوة بقطيعة رحم أو دعاوى من الجاهلية.

إن الدعاء يصنع المعجزات، وعلى العبد أن يطلب من ربه المستحيل في هذه الأيام وهذا الشهر فهو وحده القادر على تحقيق كل الأماني.

ختاما..

رمضان سوق محدود الأرجاء، لكنه متسع العطايا والنفحات والبركات، والمسلم الواعي هو الذي يغتنمه اغتناما يعوض حرمانه، ويروي ظمأه، ويشبع جوعه، وقبل كل هذا يسمو بروحه عن الرذائل ويطهر القلب من براثن الذنوب والأهواء وتملك الدنيا، وفي هذا فليتنافس المتنافسون.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …