الفتور بعد رمضان.. خطوات علاجية

الرئيسية » خواطر تربوية » الفتور بعد رمضان.. خطوات علاجية
الفتور بعد رمضان.. خطوات علاجية

"اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه

فإن جعلته فاجعلني مرحومًا ولا تجعلني محرومًا

الحمد لله على التمام

الحمد لله على البلاغ

الحمد لله على الصيام والقيام

اللهم اجعلنا ممن صام الشهر إيمانًا واحتسابًا وأدرك ليلة القدر وفاز بالآجر"

بهذا الدعاء الكريم كان النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم - يودع شهر رمضان، ويحمد الله على أن بلغه هذا الشهر بما فيه من تمام الخيرات والبركات والأعمال الصالحات.

وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر لكنه يعلم الأمة كيف يكون الحمد والشكر على بلوغ الطاعات والأيام المباركات فضلًا عن خصوصية الشهر.

من أهم علامات قبول العمل الصالح هو الاستمرارية بعده؛ فمن كان يقيم الليل كل يوم في رمضان عليه أن يستمر ولا تهبط عزائمه أو يتسرب الفتور لروحه وعقله فضلًا عن قلبه

ونحن اليوم وسعيًا لتأسيس دوام الطاعة بعد رمضان نتحدث عن كيفية الاستفادة من أجواء رمضان لما بعده.

والجواب أن من أهم علامات قبول العمل الصالح هو الاستمرارية بعده؛ فمن كان يقيم الليل كل يوم في رمضان عليه أن يستمر ولا تهبط عزائمه أو يتسرب الفتور لروحه وعقله فضلًا عن قلبه، ومن صام الشهر كاملًا عليه ألا يترك الأيام البيض في كل شهر هجري أو على الأقل الاثنين والخميس فهما أيام ترفع فيهما الأعمال إلى الله وما أعظم أن يرفع عمل العبد لربه وهو صائم.

ومن كان يتلو القرآن كل يوم ويختمه تدبرًا فعليه أن يجعل هذا النصيب ممتدًا وهو أحوج ما يكون إليه؛ فالقرآن حجة لك أو عليك ومن أراد الدنيا فعليه بالقرآن ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن ومن أرادهما معًا فعليه بالقرآن، فالأمر ليس نزهة أو تفضلًا بل هو طوق نجاة للعبد الذي يريد الحياة السعيدة في الدنيا والنعيم المقيم يوم القيامة ولا مجال للكسل أو الفتور وإن حدث وهو وارد فالعلاج بسيط بإذن الله.

وأول خطوات العلاج كما يقول الإمام بن باز رحمه الله في كتابه شرح كتاب وظائف رمضان هي:

الخطوة الأولى/ تقوى الله - جل وعلا - ومراقبته

إن الله سبحانه يجب أن يعظَّم ويُعبَد في رمضان وفي غيره، يجب على المؤمن أن يؤدي الفرائض ويحذر المحارم في جميع الأوقات، لكن يخص أوقات الفضائل بمزيد من العناية، رمضان، العشرة أيام من ذي الحجة، أيام الحج في مكة، يخص الأيام الفاضلة بمزيد عناية من المسارعة إلى أنواع الخير وأنواع القربات، لكن يجب في جميع الأوقات أن يؤدي ما أوجب الله، وأن يحذر ما حرم الله، وأن يقف عند حدود الله، هذا هو الواجب عليه، وأن يتذكر عظمة الله، وأنه عبد مأمور، وأن الله يطلع ويرى مكانه، وأنه سبحانه جواد كريم، فمن أحسن أحسن الله إليه.

اللجوء إلى الله والإلحاح عليه من أهم مقومات البقاء على الطاعات بعد رمضان وفي ذلك فليتنافس المتنافسون

الخطوة الثانية/ اطلب المدد

المدد والعون والتذلل والخنوع والانكسار لله من أهم مقومات الاستمرار بعد رمضان في المسار الإيماني العظيم والنفحات الربانية الأعظم ولا مجال هنا لعدم الطلب فالأمر جد خطير، ولا مجال أيضًا للاعتماد على رصيد رمضان في الطاعات، فالمعركة الآن أصعب، فإن كنت في رمضان فقد صفدت الشياطين لأنه موسم الطاعة فإن النفس والحظ والهوى والشياطين أصبحوا أسمن.

فمن كنت تربيها بالأمس بعدم الطعام وتهذبها بالصيام وتجهدها بالقيام هي اليوم تأكل وتشرب وتستمتع بكل شيء ومعها أعداء آخرون لك لذلك فاللجوء إلى الله والإلحاح عليه من أهم مقومات البقاء على الطاعات بعد رمضان وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

الخطوة الثالثة/ لا تتسرع

والمعنى لا تجهد نفسك بكثرة العبادات خوفًا من أن تزل قدمك بعد رمضان، لكن كن عاقلًا مقلًا في العبادات، يكفيك المفروضة والسنن، ولا تكثر من القيام؛ خوفًا من أن تتغير، لكن أفعل ما وجه به النبي الأكرم كما في حديث أم المؤمنين عائشة.

قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "أدومها وإن قل"، وقال: "اكلفوا من الأعمال ما تطيقون" والقاعدة تنص: "فقليل دائم خير من كثير منقطع"

إن وفقت لعمل صالح بعد رمضان فاشكر ربك واجتهد وأكمل مسارك، وإن قصرت فعاقبها بصدقة أو بصيام يوم في سبيل الله أو أدب نفسك وألزمها كتاب الله يكن لها قائدًا

الخطوة الرابعة/ نظام المكافات والجزاءات

إن التقدير كان ولا يزال من عوامل حسن الفهم وأثره قويم، فمثلًا في التربية لو أنجز ولدك عملًا طيبًا يقينًا ستكافئه إن لم تظل تمدح صنيعه، كذلك لو أخطأ تعاقبه، وعليه فالمرء أقدر على نفسه من غيره وأعلم بمزاياه وعيوبه، وهو وحده الملم بنواقصها ولو سمعت أذانه أشعار المديح من البشر.

لذلك فإن وفقت لعمل صالح بعد رمضان فاشكر ربك واجتهد وأكمل مسارك، وإن قصرت فعاقبها بصدقة أو بصيام يوم في سبيل الله أو أدب نفسك وألزمها كتاب الله يكن لها قائدًا، كما قال مالك بن دينار: "رحم الله رجلا أتى بنفسه فعرفها عيوبها ووبخها ثم ألزمها كتاب الله فصار لها موجها"

ختامًا

رمضان أعطانا جرعات حقيقية من القوة النفسية المتشبعة بالطاعات والقوة الإيمانية المستمدة من المسارعة في الخيرات وقوة صحية من الصوم وحرمان الذات، ونستطيع أن نسير عليها فترات وفترات إذا ما علت الهمم وصلحت النوايا وزاد الدعاء واللجوء لله – عز وجل - بصلاح الحال، لكن الأهم ألا تسير وحدك في طريقك فكن عونًا ونافعًا لغيرك، وتذكر: "لئن يهدى الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حُمُر النعم"؛ فالمسلم المحب للجميع والواعي هو الذي يسعى في تعبيد الجميع لله رب العالمين وليكن بركات رمضان علينا جميعًا زادًا نسير به إلى الله، طامعين في عفوه وقبول أعمالنا لعلنا ننجو في يوم يقف فيه الجميع بين يديه يرجون رحمته ويخافون عذابه.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …