تربيتنا الروحية

الرئيسية » كتاب ومؤلف » تربيتنا الروحية
قراءة في كتاب تربيتنا الروحية - سعيد حوى1

في مقدمته لسلسلة كتبه الثلاثة (1. المستخلص في تزكية الأنفس، 2. تربيتنا الروحية، 3. مذكرات في منازل الصدِّيقين والربانيّين) والتي يعد كتابنا قيد التناول اليوم واحدًا منها، يوضح حوّى: "أنه يقدم التصوّف على ضوء الكتاب والسنّة"؛ فيقول في كتابه ما نصّه: "إن التصوف هو تذوق العقيدة لا تقريرها بما يخالف النصوص والفهم الصحيح لها"، وقد ألّف تلك الكتب الثلاثة لعدة أسباب:

1. تغطية حاجة الحركات الإسلامية المعاصرة إلى نظرية واضحة عن التصوف والسير الروحي في آن واحد؛ لأنها تعصمُ من الانجراف في تياره الغالي أو في التيار المعادي على غير بصيرة.

2. حل مشكلة ندرة الكتب الصوفية المحررة في ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة ومذاهبهم الفقهية.

3. الحد من خصخصة علم الصوفية؛ فكل من كتبوا فيه وجهوا كتاباتهم للخاصة، مع أنه علم يخص الجميع والجميع مطالب به؛ لارتباطه بقضاياه المختلفة.

4. فكفكة اختلاط علم الصوفية مع العلوم الأخرى؛ لكي لا يظل كاللغز أو يعامله الباحثون والعامة على أنه مختلف أو منقطع الاتصال بعلوم الفقه والتوحيد والعقيدة.

5. معالجة التصورات القاصرة للمشتغلين بهذا العلم تحديدًا؛ لتحرير لمفاهيم الضيقة والمغلوطة وتحويل أجواء تعلمه إلى بيئة صحية بشرح ألف باء هذا العلم.

وفي ذلك يقول: "متى استنار القلب بنور التوحيد وانسجم سلوك الإنسان مع ذلك من خلال علم شاملٍ، وذكر دائمٍ، والتزامٍ صحيح، فإن كمالًا لا مثيل له يوجد في النفس فيحدث تغييرًا هائلًا فيها"

يقدم الشيخ نوعًا من التصوف على ضوء الكتاب والسنة ومذاهب أهل الحق في سبيل تربية روحية نقيّة، ويهدف في هذا الكتاب – كما في جميع كتبه - إلى وضع قدم المسلم على الطريق الصحيح ليسير إلى الله تعالى متذوقًا حقيقة الإيمان بفهمه وتشرب جماليات روحه، ومن هنا انطلقت فكرة هذا الكتاب؛ ففي رأيه أن: "الإنسان كلما صفا حاله مع الله، دق فهمه عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم"

نبذة عن المؤلف

ولد الشيخ/ سعيد حوى في حماة 1935م، ولما توفيت والدته وهو لا يزال في ربيعه الثاني تربّى بين جدته المربية الصارمة ووالده الذي تربى المجاهدون على يديه، درس الشريعة كتخصص جامعي، وقد حفظ القرآن في 4 شهور خلال الدراسة الجامعية، كما عاصر في شبابه أفكار الاشتراكيين والقوميين والبعثيين والإخوان، وتتلمذ على يد كبار شيوخ عصره.

انضم إلى تنظيم الإخوان في مقتبل شبابه، وتدرج فيه من منتسب إلى عضو مكتب الإرشاد العالمي، ثم قاد التنظيم لفترة بعد خروجه من السجن الذي استمر لمدة خمس سنوات والتي أنتج فيها أضخم مؤلفاته (الأساس في التفسير (11 مجلدًا) بالإضافة إلى كتب أخرى)

أصيب بشلل جزئي، في آخر سنتين من حياته، إضافة إلى أمراضه الأخرى الكثيرة: السكري، الضغط، تصلب الشرايين، الكلى، ومرض العيون، وتوفي في 9 مارس 1989م، بعد غيبوبة دامت 3 أشهر.

وقد ترك الشيخ ميراثًا فكريًا وثقافيًا في نحو 50 من المؤلفات القيمة، ومن أكثر كتبه تميزًا وتأثيرًا، الكتب التالية: الرسول صلى الله عليه وسلم، جند الله: ثقافة وأخلاقًا، تربيتنا الروحية، المستخلص في تزكية الأنفس.

اقرأ أيضًا: قراءة في كتاب "الله جل جلاله" لنفس المؤلف

مع الكتاب

يأتي كتاب تربيتنا الروحية في سبعة عشر بابًا، يفتتحها بمدخل إسلامي عام يوضح فيها مفهوم الإسلام كصفة للشخص المسلم، وكدين صحيح نقيّ ونظام كامل شامل أنزله الله تعالى على نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – وقد فصّلته نصوص الكتاب والسنّة؛ ليسع مسائل الحياة البشرية كلها (عقائد، وشرائع، وشعائر)، ويعرّج على مسألتي التقليد والاجتهاد واللبس الحاصل فيهما وما يسع المسلم جهله أو لا يسعه، وكذلك ما يسعه أن يقلد فيه وما لا يسعه، وما فيه سبيل للبحث والتحقيق، وما يجب على المسلم رفضه بداهة؛ لأنه يناقض شرائع الإسلام.

ويعرّج باستفاضة على أهمية التربية الإسلامية بعد الإيمان العقلي، ويبين أهم مَهَمَّات الشيوخ، وهما: التعليم والتزكية، ثم يشرح مسألة يعدها خطيرة وهي التركيز على القلب والخوف من الفشل في إصلاحه؛ إذ يرى أن التركيز على القلب هو نقطة البداية الصحيحة في التربية حتى تصل به إلى الصحة فيطمئن إلى وضع الإنسان، ويستدل بطريقة تربية النبي – عليه الصلاة والسلام – لأصحابه، ويحذر بأن الفشل في إصلاح قلب الإنسان ينتج نماذج مَرَضِيَّةً من البشر، كالـ: (فساق، منافقين، كاذبين، مرتدين، ومغالين في كثير من الصور)؛ لأن غياب القلب السليم يعني أن لا فائدة في نصح ووعظ والنتيجة لا فوز عند الله أو نجاة!

المزيد عن فضائل التربية الإسلامية:

مقال: التربية بين فوضى العادات وعدل تعاليم الإسلام

مقال: التربية الإسلامية… هل هي الأفضل فعلاً؟

ويناقش الشيخ موضوع الصحة القلبية والنفسية باستفاضة في باب منفرد، منطلقًا من مقولة لابن عطاء: "وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به"؛ فيقول إن تذوُّق السالكين السائرين إلى الله تعالى لمعاني أسماء الله الحسنى، هو تذوق أعمق بكثير من أي تذوق عقليّ، وأن المتحدثين في هذا الأمر يفطنون إلى أمور لا يفطن إليها غيرهم.

ولأن لكل أمر إلهيّ حكمة ولكل عبادة حكمتها وأنوارها فإن تنفيذ الأوامر الربانية وتحقيق الحكمة منها وأداء العبادات القلبية والجسدية يترتب عليه آثار في القلب وفي النفس، مهمّتها تكميل الذات والارتقاء بالتحقيق للكمالات العليا.

بعد ذلك ينتقل إلى باب مهم عن الرؤى والكشف والإلهام والكرامات ومحلّها في دين الله، كما يتعرض إلى الأخطاء الشائعة عنها وفيها، ولقراءة المزيد عنها في الرابط التالي: الرؤيا ، الكشف ، الإلهام ، الكرامة | مكانها في الدين وأخطاء الناس عنها

ويفرد بابًا للحديث عن الأخلاق والأداب؛ لأهميتها العظيمة في سلامة القلب ومعالجة أمراض النفس، يريد به الأحوال القلبية تحديدًا وأثرها وتأثير الأخلاق والآداب عليها، فهو يعتقد أن: "الأدب يُزيّن ويُشرِّف ويَرْفع ولا يستغني عنه غنيّ أو فقير"، وأن: "من لا أدب عنده يكون بعيدًا عن الله تعالى وعن خلقه مهما ظن القرب، ومردود مهما ظن القبول"

وفي الباب الأخير لفت انتباهي جمعه لعدة فصول لا تجتمع تحت تصنيف معين، إلا أنها مهمة يجب الحديث عنها في كتاب ككتاب تربيتنا الروحية الذي يضيء بشكل كبير على التصوف والسير إلى الله تعالى ومساعداته ومنشطاته؛ ليكون سيرًا سليمًا غير متطرف ولا مقصر، بالإضافة إلى كل من الصحة القلبية والنفسية وكذلك المجاهدة وأركانها.

وتتنوع تلك الفصول؛ ففيها: بحث التوازن بين احتياجات النفس ومتطلبات السير إلى الله، الإرادة والنية، التداوي، الخلوة مع الله، لباس المتصوفين، العفة القلبية والتعفف، مقام الإحسان، السفر والارتحال، الذكر والتوسل، استغاثات وشطحات الصوفية، وأخيرًا يضيف فصلًا في بعض ما يصادفه السائرون إلى الله تعالى مثل: حالات الملل والكل، القبض والبسط، الفرق والجمع... ويورد علاجات لكل تلك الأدواء.

وتجدر الإشارة ببعض التفصيل إلى فصل شطحات الصوفية التي يعدها من أعظم المآسي وأعظم الانحرافات في تاريخ الصوفية والإسلام ويشير إلى ضرورة التبرأ منها، وقد أورد صنفين من الشطحات التي أحدثها المتصوّفون: الأولى/ الدعاوي الطويلة العريضة في العشق مع الله والوصال المغني عن الأعمال الظاهرة والعبادات المفروضة؛ فهي شطحة يشذّ فيها المتصوفون إلى التوهم برؤية الله وانكشاف الحجب، والثاني/ الكلمات غير المفهومة مهما كان ظاهرها جميلًا؛ فهي تشوش القلب وتدهش العقل وتحيّر الذهن.

وأختم بمقولة الشيخ في كتابه: "بقدر المعرفة الشعورية لله يكون الالتزام بأمره، وبقدر ما تعرف أن لكل شيء فعله تتحقق بالتوكل، وبقدر ما تعرف أن ما سواه فانٍ، يكون الإخلاص له، وبقدر ما تعرف جلاله تخشى معصيته، وبقدر ما تعرف من جماله تطيعه، وهذه بعض مهمّات الشيوخ"

ببلوغرافيا الكتاب:

العنوان/ تربيتنا الروحية

المؤلف/ سعيد حوّى

الناشر/ دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة – القاهرة، مصر.

تاريخ النشر/ الطبعة السابعة ، 2004م – 1425هـ.

الصفحات/ 270 صفحة (من القطع الكبير)

 

كتب ذات صلة بالموضوع

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة فلسطينية من قطاع غزة، تحمل شهادة البكالوريوس في علوم المكتبات والمعلومات، وعدة شهادات معتمدة في اللغات والإعلام والتكنولوجيا. عملت مع عدة قنوات فضائية: الأقصى، القدس، الأونروا، الكتاب. وتعمل حالياً في مقابلة وتحرير المخطوطات، كتابة القصص والسيناريو، و التدريب على فنون الكتابة الإبداعية. كاتبة بشكل دائم لمجلة الشباب - قُطاع غزة، وموقع بصائر الإلكتروني. وعضو هيئة تحرير المجلة الرسمية لوزارة الثقافة بغزة - مجلة مدارات، وعضو المجلس الشوري الشبابي في الوزارة. صدر لها كتابان أدبيان: (وطن تدفأ بالقصيد - شعر) و (في ثنية ضفيرة - حكائيات ورسائل).

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …