حاذر من هذه الآفات في منهج طلب العلم (1-2)

الرئيسية » بصائر تربوية » حاذر من هذه الآفات في منهج طلب العلم (1-2)
حاذر من هذه الآفات في منهج طلب العلم ج 1

أولًا/ غائية الطلب:

وتعني تحوّل طلب العلم من "وسيلة" للعمل به إلى "غاية" بحدّ ذاته، فيتّخذ المتعلم مجرّد تلقي العلم عملًا، ويظّن أنه بمجرّد "حضور" مجالس العلم و"سماع" الدروس يتعلم، بدون أن يبذل جهدًا تفاعليًّا مع المادّة الدّاخلة إليه بالتفكّر والتدبّر والتلخيص والمراجعة، فيمضي المتعلم مُنتشيًا ب"حالة" العلم وأجوائه لكنه لا يتعلّم حقيقة، وبرغم تقدّمه في المراحل العلمية تظل الأساسات عنده عمليًّا هَشَّة مخلخلة، فلا ينعكس "الكمّ" الذي يحصّله على بنيته الفكرية، ولا يتشكّل عنده بالتالي ما ذكرناه في بند الآفات من اللُّحمة المعرفية البنائية.

ويتفرع عن عدم ضبط النية ووضوح المقاصد عند المتعلم، أن ينجرف وراء شهوة العلم بسهولة، فيكون كمن يشرب ويشرب ويشرب، فلا هو يرتوي بشربه حقيقة ولا هو بقادر على التوقف عن التعبئة! فللعلم والمعرفة شهوة أكيدة لا جدال، خاصة في عصر عدادات المتابعين ونجوم الجماهيرية، والانبهار السريع بكل قادر على قراءة صفحة كاملة في اليوم!

وإذا كان مجال التعلم هو علوم الدين، تأتي الصبغة "الشرعية" لتزيّن شهوة العلم والمعرفة أكثر في النفوس الساعية للالتزام بالإسلام، وتخدعهم عن حقيقة أنها تظل شهوة وهوى من أهواء النفس، والانجرار وراءها بغير انضباط ومنهجية آفة ينبغي علاجها، وإلا ستؤدي لعكس الهدف المُعلَن.
يُخشى على من لا يجد الله إلا حال "طلب" العلم، أنه لا يجد الله حقيقة، بل يجد هواه هو في الاقتصار على الطلب بدون العمل بالمطلوب!

لا حاجة لرفع شعارات رنانة طنانة لا يقصدها صاحبها حقيقة، وإنما تَبَنّاها مع زُمرة من رفعوها لأنفسهم، ويكون ثانيًا بالالتزام الدقيق بأَوْلى الأولويات في التعلم والصبر على الرسوخ فيها، كما سيلي توضيحه

وتصحيح هذا الإشكال يكون أولًا بمصارحة المتعلّمِ لنَفسِه في مقاصدها في التعلم، على ما ذكرنا في اسم الله (الواحد) من الصدق في تعيين النوايا، ليمكنه بناء نهج تعلم وخطة دراسة متوافقة مع مقاصده وأهدافه، فلا داعي ولا حاجة لرفع شعارات رنانة طنانة لا يقصدها صاحبها حقيقة، وإنما تَبَنّاها مع زُمرة من رفعوها لأنفسهم، ويكون ثانيًا بالالتزام الدقيق بأَوْلى الأولويات في التعلم والصبر على الرسوخ فيها، كما سيلي توضيحه.

ثانيًا/ قصور الطلب:

وذلك بالاقتصار على مجرد التلقي الغافل بدون التفاعل مع المادّة المُتلقّاة، خاصة ممن يرى التعلّم التزامًا مفروضًا عليه من خارج نفسه وليس مدفوعًا إليه من داخل نفسه، فيتعجّل الخلاص من الواجبات والقراءات والسلام ليُضيفها لقوائم المُنجزات الذهبية، ويريح بذلك صوت المسؤولية فيه، ويخدع ضميره بما يجمع من كراريس ودفاتر "توحي" بجهد مبذول، وما يُكوِّم من دورات مُكلِّفة على أسطر الشهادات ومعرفة جامدة على رفوف العقل، بدون أن يشعر أنه مَعْنِيّ حقًّا بما جمع وكَوَّم في النهاية، ولا بحاجته لتحصيله من البداية أصلًا لتجويد حياته!

وتلك الحال أشبه بجسم حَسَن البنية والهيئة بعد أن خلا من روحه التي بها يحيا، فلم يَعُد لحُسنه معنى ولا لبِنيَته جدوى!

وتصحيح ذلك يكون أوّلًا بشخصنة المتعلم لما يتعلّمه من تلك المعارف، أي أن يجعل المتعلم مما يتعلم مسألة شخصية تَخُصّه وتَعنِيه، ويكون هذا ميزانه في تقييم جدوى ما يتعلّم واختيار تعلّم ما يجدي.

وثانيًا باتّباع منهجية المراحل الأربع: [للمزيد من التفصيل عن كيفية القراءة والاستخلاص، يراجع الفصل الخامس من كتاب (إضاءات على طريق بناء الذات) للمؤلفة]

1. استقبال المادّة:

وهي مرحلة تلقيها من مصدرها المسموع أو المرئي أو المقروء، ويدخل فيها تفريغ المادّة العلمية وتدوينها ونسخها، وكلّ هذه الخطوات وظيفتها تمهيد تشرّب الكيان الإدراكي للمادّة العلمية، فالتوقف عندها بحدّ ذاتها لا يعني التعلم، بل "البدء" في التعلم.

2. استضافة المادّة:

وهذه أولى خطوات دخول المادة في الكيان الإدراكي، بالانتباه لما يتلقّاه، ويستوعبه بتأنٍّ، والاستفهام عما يُشكِل، ومراجعة الفهم مع مُعلّم أو متعلّم نابه سابق في مرحلة التعلّم، للتحقق من صحّة الفهم وحُسن الاستيعاب.

3. التفاعل مع المادّة:

أي تدارسها وإعمال الكيان الإدراكي بشِقّيْه فيها:

- الشِّق الذهني العقلي: بالتفكير والتحليل والربط والاستنتاج والتلخيص والصياغة... إلخ، وكما أنّ تحريك العضلة لا يكون إلا بتحريكها فعليًا، فكذلك إيقاظ ملكات الذهن يكون بممارستها ذهنيًّا.

- الشِّق الوجداني القلبي: بالتفكر والتدبر، ومكاشفة المتعلم لنفسه مكاشفة صادقة عن موقفه مما تعلم، ولا بدّ لطالب إصلاح نفسه أن يواجهها مواجهة صريحة، ويَصدُق في توصيف إشكالاتها وصياغة آفاتها وتعيين محاسنها؛ لأنّ ذلك قوام معرفة نفسه، وإلا كيف يمكن أن تعرف شخصًا يتستّر وراء قناع؟ وإذا كنا سنتكلم عن مهارة أو فنّ، فتحويل ما تتعلم لأسئلة تفكرية فن واجب، مثلًا: أين أنا مما تعلمت؟ كيف يمكن الإفادة مما تعلمت؟ ما جدوى الاستمرار في تعلمه؟ هل له علاقة بمجال آخر؟ وهكذا.

المفتاح الرئيس لرأب الصّدع بين العلم والعمل هو: التفكر والتدبر، هما مفتاح استنارة أي متعلم بما يتعلم على الحقيقة، والجسر الذي يُتَوصّل به لمعرفة النفس وبنائها، وبدونه تجد العلم يتكدس والمتعلم ينتكس

وفيما يلي تفصيل كيفية التفاعل الوجداني خاصة:

• التفكّر والتدبر والتذكّر

لا بدّ من وقفة هنا نبيّن فيها خطر هؤلاء الثلاثة، وأثر حركتهم في الكيان الإنساني ذهنًا ووجدانًا على نضج الكيان وسداد حركة صاحبه به، بداية، يستهين الكثيرون بتلك المفاهيم الثلاثة، خاصة التفكر، ويعتبرونها مرادفًا لحديث النفس أو خواطرها، والحق أنّ التفكر وأخَوَيْه يمتازون على حديث النفس العابر أو خواطرها الواردة بأنّ صاحبهم هو فاعلهم وليس المفعول لهم، فالتفكر والتدبر والتذكر يتطلبون أن يُقلِّب صاحبهم فكرَه عَمدًا – لا عَرَضًا أو شرودًا - في أمر معيّن، بتركيز، وبتكرار دوريّ، بما ينعكس بالتأكيد على سلوكه ويؤثر في مَسلكه تلقائيًّا، وهذا كله بخلاف الحال مع الخواطر العابرة وحديث النفس غير المدروس، وسيأتي تفصيل ذلك في تحليل الوقر والتصديق تاليًا.

والمفتاح الرئيس لرأب الصّدع بين العلم والعمل هو: التفكر والتدبر، هما مفتاح استنارة أي متعلم بما يتعلم على الحقيقة، والجسر الذي يُتَوصّل به لمعرفة النفس وبنائها، وبدونه تجد العلم يتكدس والمتعلم ينتكس، وتأمّل كيف أنّ كتب التزكية ومصنفات علم النفس تملأ أركان الوجود حرفيًا، ومع ذلك عدد الفاهمين لنفوسهم – لا لعلوم النفس عامة – محدود جدًا؛ لأنّ فهم المرء لنفسه لا يتأتى إلا من عناية المرء بفهم نفسه، ودقة توصيفه لإشكالات النفس ودهاليزها لا تكون إلا من متابعته لإشكالات نفسه هو ودهاليزها، بل إنّ براعة تصانيف السلف في المجال كانت الثمرة الحقة لمكابداتهم مع نفوسهم أولًا، أمّا نحن، فنُقبل على مطالعة تجاربهم لنسقطها على غيرنا!

"اليقظةُ تستخرجُ العِلمَ مِن غيرِ مَظانِّهِ، والغَفلةُ تقتلُ العِلمَ وهو مُتَجَلٍّ" [الشيخ محمد محمد أبو موسى]

الإيمان الحقيقي والحيّ الذي يمكن أن يخوض به حَيٌّ مخاضة الحياة هو بِنية متكاملة تُبنى وتُتعهد على مدار العمر، وليس انفجارات لحظيّة أو محطّات مؤقتة

وأما خطر التذكرة والذّكرى، فقد سبق القول بأنّ الإيمان الحقيقي والحيّ الذي يمكن أن يخوض به حَيٌّ مخاضة الحياة هو بِنية متكاملة تُبنى وتُتعهد على مدار العمر، وليس انفجارات لحظيّة أو محطّات مؤقتة، وتشكيل هذه البنية يعتمد على تأصيل مبادئ العقيدة ومفاهيم الديانة في الوعي المسلم وبنيته الفكرية والوجدانية، وهذا يتطلب دوام التكرار لها ودوريّة تذاكرها وتذكّرها، ومن هنا تدرك حكمة نهج تكرار مبادئ العقيدة في القرآن المَكيّ خاصة على مدى ثلاثة عَشَر عامًا: مقاصد الخلق، طبيعة الحياة، مفهوم المجاهدة، صعوبات الرحلة، العواقب والجزاء، التشديد على غفران الله تعالى للذنوب وعدم القنوط من رحمته تعالى، وأنّ الله مع عباده المؤمنين... إلخ، هذا التَكرار المتتابع في كتاب يُتلى مِرارًا بشكل دوريّ مقصود ومطلوب لتأصيل الأصول في وعي المسلم وغرسها في بِنْيَتِه الإدراكية وإشرابه إياها وجدانيًّا وتهيئته لتَبِعاتها نفسيًّا من البداية فلا ينتهي للنهايات السوداوية والأوهام الخرقاء التي سادت غالب تصوّرات المسلمين اليوم.

إن العقيدة التي يؤمن بها المرء هي بذور من القناعات، تُغرس في فكره وتُورِق في وِجدانه فتثمر في حركته، فالمؤمن الذي يبتغي العمران بالإيمان، لا بد أن يعتصم بالصبر ويتسلح بدوام التذكرة، لأنّ في التكرار عبرة، وفي كل عبرة جِدَّة، وفي كل تأمل وتدبر فرع جديد يورق في الوجدان، بذلك فقط تصير العقيدة حيّة في نفس صاحبها، ويغدو إيمانه مُزهرًا متجدّدًا، أمّا الذي يستعجل صور الحركة قبل وَقْر البذرة، فهو كمن يريد أكل الخبز قبل أن يختمر العجين! والسرُّ وراء بُهتان أفعالنا وتذبذبها أننا لا نتعاهد عقيدتنا مفاهيمًا ووعيًا وقناعة وعقلًا وتدبرًا، وبالتالي يكون الجيشان الإيماني دائمًا فورة مؤقتة بحسب السياق الذي هَيَّجها ثم تَخمُد، وكم ممّن شاخ إيمانهم في شباب عمرهم لعدم تعهده، أو تعجّل ثماره قبل حسن غراسه!

وأما عن كيفية تطبيق التفكر عمليًا، فله تفصيل حَسَن في كتاب "باطن الإثم" للبوطي، نورده هنا كاملًا ليكتمل الفهم في هذا المقام:

"والفكر حركة العقل في الفؤاد، فمن دونه لا يغني العقل شيئًا، والفكر هو الذي يحرر العقل من سلطان النفس وأهوائها وعقدها، فمن دونه لا يستبين الإنسان الفارق بين دلائله العقلية وإيحاءاته النفسية، ولذلك يختم الله تعالى كثيرًا من آياته الكونية وأوامره الإلهية بقوله: لعلكم تتفكرون، إنّ في ذلك لآية لقوم يتفكرون، أفلا تتفكرون؟

أدعوك الى أن تسلك أي سبيل تحرر فيه فكرك مما قد يتسلل إليه في غفلة منك من وحي العصبية أو دوافع المصالح الزائفة المحرمة أو دواعي العقد النفسية المختلفة، حتى تملك الاطمئنان إلى أنك تسير وفق منهج من التأمل العقلي الحر

"ولذلك كانت الركيزة العظمى في حياة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مؤمنًا وداعيًا ومجاهدًا، إنما هي الفكر الدائم، وما كان عبثًا أن يلهمه الله تعالى الابتعاد عن ضوضاء الناس وحياتهم ومفاسدهم ليخلو إلى عقله مفكرًا ومتدبرًا ومتأملًا، في غار حراء، مدة طويلة من زمن، وكلما كان التفكر في نجوة عن الناس وضوضائهم وملهيات الدنيا وأهوائها، فإنّ نتيجته تكون أصدق وأدق، إذ النفس الإنسانية تستقبل ما يردها من الدوافع والإيحاءات عن طريق نوافذ كثيرة كلها مفتحة عليها، فمنها العقل والمنطق الصافي، ومنها الأهواء والشهوات المركوزة في كيان الإنسان، ومنها ردود من مشاعر النقص أو دوافع الكبر أو السلطان العصبية، ومنها عقد أوجدتها الضغائن والأحقاد والمنافسة على حطام الدنيا وزخرفها الكاذب، وليس الشأن أن يحسن الإنسان الإصغاء الى هذه الأصوات كلها، إنما الشأن كل الشأن في أن يحسن الإنسان الإصغاء إلى صوت العقل وحده متميّزًا من بين هذه الأصوات كلها! ويحصل ذلك بساعات منظمة من الخَلوة أو العُزلة، يجعل الإنسان لعمره نصيبًا منها، يتجرد فيها لعقله المستقل الحر يسأله عن مصيره وعن حقيقة كل هذا الذي يضج ويتراقص من حوله، مستعيناً بذكرى كلام الله تعالى وبالغ عظاته وكلام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعظيم إرشاده.

"ولست أدعوك بهذا الذي أقول إلى الانعزال عن المجتمع، والعيش بعيدًا عنه في كهوف جبال أو بطون أودية، فليست هذه فطرة الإنسان ولا هي وظيفة المسلم، ولكنني أدعوك إلى أن تخلو إلى عقلك كلما رجعت إلى حساب صندوقك، أي فأنا أدعوك لمثل ما يفعله التاجر الذي يعيش عمره بين صخب الناس وضجيج الأسواق، إن ذلك لا يمنعه من أن يخلو إلى نفسه في غرفة من غرف داره، بين كل حين وآخر، متجردًا حتى عن الأهل والولد والمؤنس، ويعكف مستغرقًا على دفاتره وأوراقه وحساباته، ولولا اهتمامه بمثل هذه الساعات في عمره لما قدَّم له متجره الذي يغصّ بالغادين والرائحين إلا الندامة والخسران! لذلك أدعوك الى أن تسلك أي سبيل تحرر فيه فكرك مما قد يتسلل إليه في غفلة منك من وحي العصبية أو دوافع المصالح الزائفة المحرمة أو دواعي العقد النفسية المختلفة، حتى تملك الاطمئنان إلى أنك تسير وفق منهج من التأمل العقلي الحر، وقد كانت هذه الوسيلة في حياة سيدنا محمد - عليه السلام - هي أخذ النفس بساعات من الخلوة والابتعاد عن الناس، وما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك إلا تعليمًا وتشريعًا لأمّته"

التفكّر المثمر وثمرة التفكّر تتأتّيان من تقليب النظر وإعمال الفكر لمقدار من الزمن، وليس عَرَضًا خاطفًا

الفكر بمثابة الحطب الذي بدونه لا تكون نار، والتفكر هو الكبريت الذي يوقد الجَذوة، فيتفاعل الفكر والوجدان ومن ذلك تبعث شرارة اليقظة وبوادر الهمة، فمن داوم على التفكّر انقدح فيه نور الإيمان وحرارة الاعتقاد على بصيرة.

ونختم بالتنويه على أنّ التفكّر المثمر وثمرة التفكّر تتأتّيان من تقليب النظر وإعمال الفكر لمقدار من الزمن، وليس عَرَضًا خاطفًا مثلًا، مَن لا يجد في نفسه شيئًا مما ينبغي من الاتعاظ حين يفكّر في الموت والحساب أمام الله، فذلك لأنه في الغالب تعامل مع الموت بوصفه "فكرة" لا "فكرًا"، فمجرد "خطور" فكرة الموت على البال ليس كافيًا لتحريك كوامن الإيمان في المؤمن، بل لا بد أن يقف عند الفكرة زمنًا، ليتفكّر أي يقلّب الفكر والنظر فيها:
ما معنى الموت عندي؟ كيف حالي إذا وقفتُ أمام ربي؟ بماذا أجيب عند مساءلتي عن إنفاق وقتي؟ وهل يرضيني حقيقة أن أجيب هذا الجواب؟ وإذا كان لا يرضيني فماذا أفعل إذن؟ كيف يمكن أن أعدّل من جوابي؟

وهكذا تتسلسل التساؤلات التفكرية وإجاباتها، ومن هذا التتابع والتجاوب الجادّ يكون أثر التفكّر على المتفكّر، ولنضع في الحُسبان أن الأثر درجات، فمجرد تحريك الراقد وتنبيه دواعي الإيمان، بل مجرد البدء بخطوة مساءلة النفس وتعلّم صياغة الأسئلة، كل هذه آثار بنائيّة معتبرة، طالما ثابر صاحبها وداوم حينًا بعد حين.

  •  المراجعة الدوريّة للمادّة:

وذلك بالحرص على أخذ "استراحة محارب" من اكتساب العلم، لتراجع الغنائم وتنقّح الفوائد وتقيّد الشوارد، وتقوّم انتفاعك إجمالًا مما تعلّمت ورشاد منهجيتك في تعلمه، وهذه الاستراحة تنفع كذلك من حيث كونها فترة "اختمار"، يستقرّ فيها ما تعلمت وينضج في نفسك، ليتاح له أن يتجلّى في تطبيقك شيئًا فشيئًا، وهذا النهج المدروس خير ألف مرة من تكديس العلم والمعلومات نظريًّا، على أمل التفرّغ لاحقًا للتفكّر والتطبيق، والمحصّلة التي يَجنيها أصحاب هذا النهج غالبًا صفر مُكعَّب لا مُدَوَّر! فلا هم حازوا الجانب النظري بمجرد التكديس، ولا ترقّوا في التطبيق بمجرد التمنّي، ولا وصلوا لمحطة التفرّغ المُنتظَر لإصلاح الجبهتين! بل وجمعوا لكلّ ذلك الخسران والنقصان التوتّر والضغط النفسي، بسبب تراكميّة المماطلة وطول التسويف، بغير داعٍ ولغير جدوى، وما كان أغناهم عن كل تلك البلوى بشيء من التأني، وبعض من الجدّية، وكثير من الصدق في ابتغاء وجه الله، ومراعاة الاشتغال بطلب صلاح الذات قبل إصلاح الآخرين!

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • كتاب: إضاءات على طريق بناء الذات - هدى عبد الرحمن النمر
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …