صناعة الرموز وواجبنا نحوهم

الرئيسية » بصائر تربوية » صناعة الرموز وواجبنا نحوهم
صناعة الرموز وواجبنا نحوهم ما-هي-الصفات-التي-يجب-أن-تتوافر-في-القائد

إن الرموز بالنسبة لأي مجتمع ولأية دولة أو أمة ثروة لا يُستهان بها لذا يجب رعايتهم رعاية بالغة حسب طبيعة المرحلة وحسب متطلبات الفئة التي يمثلونها، ولا يجب التفريط فيهم ولا إهمالهم ولا التقصير في حق واحد منهم بأي حال من الأحوال!

والرموز يختلفون باختلاف طبيعة المرحلة وما يدور فيها من أحداث وباختلاف شرائح المجتمع وما يحتاجه الواقع من متطلبات.

والرموز لهم مُسميات وتصنيفات عديدة، فمنهم الرموز: (الدينية - التربوية - الإعلامية - الاجتماعية - السياسية - الحقوقية - الشبابية - الطلابية - الرياضية - رموز السوشيال ميديا)، والرمز من الممكن أن يكون ذكرًا أو أنثى!

وتكمن أهمية الرمز في أنه همزة الوصل بين الفئة التي ينتمي إليها وبين المجتمع بمختلف نخبه وطبقاته؛ فهو يتحدث بلسان حالهم ويُبرز احتياجاتهم لتلبيتها ويُصدِّر ما يواجههم من مشكلات لحلها.

ويمكننا - والحال كذلك - أن نقول بأنَّ هُدْهُدْ سُليمان كان رمزًا، والنملة التي حذَّرت قومها من سليمان وجنوده كانت رمزًا، والغراب الذي علَّم قابيل كيف يُواري سوأة أخيه كان رمزًا، وكلب أصحاب الكهف كان رمزًا، والواقع يقول إن الحاجة إلى الرموز تزداد كلما تشتت الجهود وتفرقت الأهواء وكثر الخصوم وتكالب الأعداء وزاد الهِياط والمِياط والزياط!

الرمز دائم اليقظة، شديد الحذر، سريع البديهة، لا يقبل الذوبان ولا تحتويه الأحداث كما تجعله يستعصي على التهميش

أولًا/ من هو الرمز؟

الرمز هو شخص لديه صفات مُميزة وقدرات خاصة وتأثير واضح، وما يُميز الرمز عن غيره هو دقة الفهم والرصد، ووضوح الغاية، واتزان ردود الأفعال وفق ضوابط ومعايير قد يغفل عنها كثير من الناس بينما لا يتجاهلها الرمز ولا يتخطاها.

وما يميز الرمز اتساع دائرة علاقاته وشعوره بالمسؤولية المُلقاة على عاتقه، وذلك يجعل الرمز دائم اليقظة، شديد الحذر، سريع البديهة، لا يقبل الذوبان ولا تحتويه الأحداث كما تجعله يستعصي على التهميش.

كما يميز الرمز أنه لا يرضى لنفسه أن يكون صفرًا على الشمال؛ فمكانه دائمًا في المقدمة والريادة والصدارة، والرمز لا يسمح أن يكون الاختيار الأخير لأحد، ولا أن يكون مُهمشًا كالهمزة، ولا منسيًا كعلامات الترقيم، ولا يُبنى للمجهول إلا تقديرًا وتفردًا، ويقبل الموت ولا يقبل أن يكون نكِرة.

والرمز يفهم الواقع جيدًا ويلم بما فيه من أحداث وتفاصيل وما يطرأ عليه من مُستجدات وما تعتريه من مشكلات، والرمز صاحب نفس طويل لا يعرف المستحيل، ولا يتطرق إلى نفسه يأس ولا قنوط، ولا يضعف أمام المُغريات، ولا يفت في عضده ما يُلقى في طريقه من شبهات.

والرمز هو الترجمة الحية للعقل الجمعي للمجتمع، يلم الأشتات المُبعثرة، ويستنهض الهمم الفاترة، ويضبط تحمس المُتحمسين، ويذكِّر بالغاية إذا نُسِيت، ويرد الناس إلى ما اتفقوا وتوافقوا عليه من ضوابط إذا حادوا عنها.

ثانيًا/ صناعة الرمز

إن الصناعة لم تعد قاصرة على مفهوم الصناعات الخفيفة ولا الصناعات الثقيلة بل تخطت ذلك كله إلى صناعة الحدث، وصناعة الخبر، وصناعة النجوم والرموز، وإن صناعة رمز واحد أفضل ألف مرة من صناعة آلة أو التوصل لاختراع، فالاستثمار في الإنسان أفضل بكثير من الاستثمار في البنيان، والمجتمعات والدول والأمم لا تنهض إلا برموزها المخلصين.

البحث والتنقيب عمّن يحملون صفات تؤهلهم للترميز ليس بالسهل ولا بالهين ولا يستطيع أن يؤدي هذه المهمة إلا من لديه فهم دقيق، ونظرة ثاقبة، وبصيرة نافذة، وحكمة بالغة، وصبر جميل

ومن أهم متطلبات صناعة الرمز

1. القاعدة القوية الصلبة التي تمثل الحاضنة الأساسية للرمز؛ فبها يسطع نجمه ويعلو شأنه ويذيع صيته وتتسع دائرة انتشاره ويكثر أتباعه، وبذلك لا يكون كالليث بن سعد - رحمه الله - الذي ضيَّعه أصحابه عندما لم يحملوه برغم أنه كان أفقه من الإمام مالك حسب قول الإمام الشافعي رحمه الله.

كان الليث بن سعد أحد أشهر الفقهاء في زمانه، فاق في علمه وفقهه إمام المدينة المنورة مالك بن أنس، غير أن تلامذته لم يجدّوا بتدوين علمه وفقهه ونشره في الآفاق، مثلما فعل تلامذة الإمام مالك، وكان الإمام الشافعي يقول: "اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَه لَمْ يَقُوْمُوا بِهِ"

2. الأحداث والظروف التي نادرًا ما تتكرر؛ فكثير من الرموز صنعتهم الأحداث الجسام التي لولاها ما ظهروا؛ فمثلًا:

- الأحداث والمواقف والغزوات والمعارك صنعت رموزًا من الصحابة والتابعين لا يُشق لهم غبار ولا تصل لهاماتهم الأبصار.

- احتلال الصليبيين للقدس هو الذي صنع صلاح الدين.

- غزو التتار لبلاد المسلمين هو الذي أخرج سيف الدين قطز.

- احتلال الصهاينة لفلسطين هو الذي أظهر عز الدين القسام، أحمد ياسين، الرنتيسي، صلاح شحادة، عماد عقل، خالد مشعل، هنية، الضيف، وغيرهم من الرموز الذين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

- وثورات الربيع العربي وما تلاها من انقلابات هي التي أفرزت رموزًا في مختلف المجالات.

3. البحث والتنقيب عن من يحملون صفات تؤهلهم للترميز، وتهيئة الأجواء لهم، وتلبية كل متطلباتهم وتعهدهم في كل مراحل عملهم.

ولنعلم أن البحث والتنقيب عمّن يحملون صفات تؤهلهم للترميز ليس بالسهل ولا بالهين ولا يستطيع أن يؤدي هذه المهمة إلا من لديه فهم دقيق، ونظرة ثاقبة، وبصيرة نافذة، وحكمة بالغة، وصبر جميل.

أمتنا لديها رصيدٌ لا يُستهان به من الرموز السابقين في سائر المجالات يمكن للشباب أن يقتدوا بهم ويقتفوا أثرهم ويسيروا على نهجهم ويُحيوا أمجادهم، وهذا على عكس الحضارات الأخرى التي تفتقر لهذا الرصيد

وإن شاهدنا في ذلك هو ما حدث عندما اختار النبي ﷺ بلالًا رضي الله عنه ليرفع الأذان بالرغم من أن الذي رأى رؤيا الأذان هو الصحابي الجليل عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - عن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - قال: "لمَّا أصبحنا أتينا رسولَ اللهِ ﷺ فأخبرتُه بالرُّؤيا فقالَ إنَّ هذِه لرؤيا حقٍّ فقم معَ بلال فإنَّهُ أندى وأمدُّ صوتًا منكَ فألقِ عليهِ ما قيلَ لَك ولينادِ بذلِك ..." [صحيح الترمذي]

قال أبو العتاهية:

وفرزُ النّفوس كفرزِ الصّخور :: ففيها النّفيس وفيها الحجر
وبعضُ الأنام كبعض الشّجر :: جميلُ القوامِ شحيحُ الثّمر
وبعضُ الوعودِ كبعض الغُيُوم :: قويّ الرعودِ شحيحُ المطر
وكمْ من كفيفٍ بصيرِ الفؤاد :: وكم من فؤادٍ كفيفِ البصر
وكمْ من أسيرٍ بقلبٍ طليق :: وكم من طليقٍ كواه الضّجر

إن ما يحول دون تحقيق كل ما سبق يتمثل في ثلاثة أمور أساسية، وهي:

أ. التعلل بالظروف والاستسلام للواقع.

ب. عدم الانتباه لمحاولات الأعداء في وئد الرموز وقتلهم نفسيًا ومعنويًا، والحيلولة دون التفاف الناس حولهم.

ج. ضيق الأفق، والتحيز الفئوي، والتعصب الذي يجعل البعض يفكرون في المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة وينظرون للأهداف قصيرة المدى على حساب الأهداف طويلة المدى.

إننا إذا أدركنا ما سبق عندها سيكون لدينا وفرة من الكوادر الصالحة لتكون رموزًا تحمل مَشعل الريادة وحينها سيبزغ فجر أمتنا من جديد، خصوصًا وأن أمتنا لديها رصيدٌ لا يُستهان به من الرموز السابقين في سائر المجالات يمكن للشباب أن يقتدوا بهم ويقتفوا أثرهم ويسيروا على نهجهم ويُحيوا أمجادهم، وهذا على عكس الحضارات الأخرى التي تفتقر لهذا الرصيد لذلك فهم لا يجدون بُدًا من صناعة رموز أسطورية خيالية وينسجون حولها هالة إعلامية تلفت الأنظار إليها.

ثالثًا/ بعض حقوق الرموز على كل من هم حوله

1. التأكد من وقوف الرمز على أرض صلبة من الفهم والإخلاص والتجرد وتعهد هذه الجوانب باستمرار ومراقبتها ودعمها؛ فمجرد الانطلاق من هذه الأرض الصلبة لا يكفي بل إن إستمرارية تعهدها ومراقبتها ودعمها أصل لا يجب التقصير فيه.

2. التأكيد على صقل الجانب الإيماني والمعنوي والنفسي للرمز؛ كي لا يتسرب إلى نفسه العجب بالذات، ولا الانبهار بالأضواء، ولا الغرور بكثرة الأتباع.

3. إحاطة الرمز بفريق عمل مؤهل وناضج فكريًا يتبنى عمل الرمز ويضبط إيقاع آدائه، ويوفر له الوقت والجهد ويُروِّج لنشاطه، ويدرك هذا الفريق أن المسؤولية تضامنية بينه وبين الرمز وأنه جزء لا يُستهان به من نجاح الرمز (عليك الأذان وعلينا البلاغ)، (إن لم تكن سبَّاحًا فكن صيَّاحًا)

4. رصد وتفنيد الشبهات التي تثار حول الرمز من خصومه، وعدم تركه وحده يصارع شبهات المُبطلين الذين يحاولون قتله نفسيًا ومعنويًا.

5. إنزال الرمز منزلته وتوفير الدعم المادي والمعنوي الذي يضمن له استمرارية العطاء.

6. إمداد الرمز دائمًا بالتغذية الراجعة ونتائج قياس الأثر لما يفعله ليكون ذلك دافعًا له على استمرارية العطاء والإبداع فيه.

علينا أن ننتبه لحيل إسقاط الرموز الفعليين عن طريق ما يسمونه "فن الصدمة" الذي يُسخِّر أعداء النجاح له كل منصاتهم وأبواقهم من أجل إثارة الشبهات حول الرموز الفعليين

7. أن يكون هنالك مرجعية يرجع إليها الرمز ويرجع إليها المُحبون للرمز والناصحون له ولا تُتْرَك الأمورُ خبط عشواء تؤثر على توهج الرمز فينطفيء بريقه ويخفت نجمه.

8. عدم إغفال الجانب الترفيهي للرمز والتأكيد على أنه لا يقل أهمية عن بقية الجوانب.

9. التأهيل المستمر للرمز والوقوف على كل المستجدات في مجاله أولًا بأول؛ كي لا يجف معينه ولا ينضب مداده.

10. التنسيق بين رموز المجال الواحد وبين رموز المجالات الأخرى في القضايا ذات الطابع المشترك لضبط الإيقاع وتعزيز الأثر وتعظيمه وعدم بعثرة الجهود؛ فالجزر المنعزلة لا تبني كيانًا مُتكاملًا ومُثمرًا.

11. التأكيد على الرمز أن يأخذ بزمام المبادرة وألا تكون أعماله مجرد ردود أفعال لما يفعله الغير.

12. التنبيه على الرمز بعدم الانجراف وراء الملهيات والقضايا الهامشية التي تلقى في طريقه.

13. عدم إغفال الوقفات التقيميّة لأداء الرمز على أن تكون بصفة دورية ثابتة.

14. تكليف الرمز بتبني الرموز الجديدة وصقل قدراتها والمشاركة في تأهيلها والترويج لها.

15. الحفاظ على أمن وسلامة الرمز والمحيطين به.

أخيرًا أقول:

علينا أن ننتبه لحيل التضليل الإعلامي في مجال صناعة الرمز الزائف، فهذه الحيل قائمة على الانبهار بالشكل على حساب المضمون حتى أصبحنا نرى الساقطين والساقطات يُقدَّمون للمجتمع على أنهم نجوم ورموز ونخب وخبراء، وهم في حقيقة أمرهم لا يختلفون كثيرًا عن عِجل السامري!
كما علينا أن ننتبه لحيل إسقاط الرموز الفعليين عن طريق ما يسمونه "فن الصدمة" الذي يُسخِّر أعداء النجاح له كل منصاتهم وأبواقهم من أجل إثارة الشبهات حول الرموز الفعليين حتى وصل الأمر إلى تأسيس صحف وإنشاء قنوات همها الأساسي هز الثقة بالرموز الفعليين وجعل الناس ينفضون من حولهم.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …