ذكرنا في الجزء السابق 5 مفاتيح لتستفيد مما تقرأ
وهي:
- وضع خطة قراءات متدرجة
- تحديد حاجتك مما تقرأ
- لا تقرأ كل الكتاب بنفس الطريقة وبنفس السرعة
- القراءة الاطلاعية التصفحية
- الاستخلاص
ونستكمل في هذا الجزء 5 مفاتيح تالية:
6. التأمل والتفكر في استخلاصاتك
خطوة الاستخلاص هي لب وثمرة القراءة، والتفكر هو السبيل لتكوين النسق الفكري المتكامل، في مقابل فوضى الأفكار المتناثرة، فالقراءة السلبية بغير تفاعل لا تصنع مفكرًا وإنما صاحب أفكار منثورة، وهي بحد ذاتها ليست هي البديل عن الفكر؛ لأنها لا تمد العقل إلا بمواد المعرفة، لكن التفكير هو الذي يجعل ما نقرؤه ملكا لنا، القراءة تهيئ لعقولنا المادة التي ستقوم بتشكيلها، إذ لا يمكن لطاحون أن تصنع شيئا دون وجود شيء تطحنه.
مع الممارسة الواعية، تتكون لديك مَلكة الاستشعار المعرفي التي تمكنك من تقييم الأفكار وتثمين الكتب، وتحديد مدى حاجتك إليها أو إلى جزء منها
لذلك لا بد لأي مدخلات جديدة أن تأخذ وقتها في عقلك، فتقلبها على وجوهها وتتفكر فيها: باستخلاص الأفكار الرئيسة فيما تقرأ، وتدوين ما يخطر لك حول ما جمعت، والربط بين ما تقرأ وما تسمع وما ترى، هذه الوصفة هي بمثابة تهيئة للأرض البكر، كي يزرع فيها التفكير المستقل، فبمرور الوقت يبدأ عقلك تلقائيا في تشكيل نسقه الفكري الخاص، وتطويره كلما ورد عليه جديد، ومع الممارسة الواعية، تتكون لديك مَلكة الاستشعار المعرفي التي تمكنك من تقييم الأفكار وتثمين الكتب، وتحديد مدى حاجتك إليها أو إلى جزء منها، وقد تشعر بالحاجة للعودة لكتاب قرأته أو صعُب عليك في مرحلة ما هضمه، فتجد أنك تقرؤه بعقلية أنضج ومدارك جديدة، بل لعلك تقدر على الإضافة إليه أو الاستكمال عليه.
إن القراءة النافعة والعلم الباقي جهد من طرفين لا من طرف واحد، القراءة الإيجابية تعني تدوير الثقافة وليس استهلاكها فحسب، أي العزم على القراءة بنية الإضافة والإفادة.
7. الحفظ عنصر لازم لمن رامَ بناء راسخا
فالعلم كان وسيظل دائما في بطون الكتب، وإنما العبرة بالعلم الذي يَقَر في صدرك، فيكون لك عونا في التطبيق والتبليغ، والحفظ نوعان:
• حفظ النصوص أو حفظ الرواية
وهذا محله الأساسي النصوص الدينية وعلوم الاختصاص، وما تدوّنه من الشوارد والفوائد التي تصلح استشهادات، كالمقولات والنوادر وأبيات الشعر.
• الحفظ الفكري أو حفظ الرعاية
يلزم دائما أن تكون قادرا على التعبير عن خلاصة ما قرأت بعرض منطقي وبيان واضح، ومن أتقن كتابًا، فإنه يكون بهذا الفن أحسن ممن قرأ عدة كتب ولم يتقنها
أي تشرّب الأفكار وفهمها فهما منطقيا يفضي بعضه لبعض، والقدرة على التعبير عنها بصياغة محكمة بيّنة، للبناء عليها لاحقا، فلا يلزمك دائما حفظ كل كلمة أو مَتن فيما تقرأ، لكن يلزم دائما أن تكون قادرا على التعبير عن خلاصة ما قرأت بعرض منطقي وبيان واضح، ومن أتقن كتابًا، فإنه يكون بهذا الفن أحسن ممن قرأ عدة كتب ولم يتقنها، ولهذا قيل: "صاحب الكتاب يغلب صاحب الكتب"، فالعبرة ليست بالكم ولا بكثرة الكتب لكن بما يرسخ عندك أنت، فتستفيد وتفيد به.
8. المراجعة الدورية لغنائمك العلمية
بقاعدة المداومة والأوراد الدورية، فلا بد من تخصيص وقت دوري لمراجعة ما تجمّع لديك، وغربلة حصيلة ما أفدت؛ كي لا يُنسى ويتفلت فتفقد بذلك المنهج البنائي، ويفضل أن تكون المراجعة أسبوعيا أو شهريا، تخصص يومين أو عدة أيام لا تستزيد فيها وإنما تركز على المراجعة والتدبر والتفكر.
9. التدرب على الشرح والتعليم
ولو حتى بتخيل طلبة أو جمهور تشرح لهم خلاصة ما استفدت بعد تمام المادة، فكثير من الناس فرّغوا طاقاتهم للطلب (مرحلة الغرس)، ولم يتعودوا على التعبير والبيان (مرحلة الإنبات) فلما احتيج لما علّمهم الله، وجاء وقت التبليغ والتعليم، إذا بهم على امتلاء إنائهم لا يعرفون كيف يفيضون منه على من حولهم.
شتان بين من يناقش ليتعلم ويبني نفسه، ومن شُغله الشاغل الهدم في فكر من حوله
10. اختيار صحبة إن أمكن
لفتح باب الحوار والنقاش، فإنه أعون على طرد الملل وقدح الذهن وثبات العلم بمذاكرته ونقاشه، لكن احذر الإسراف في حوارات ومناظرات وحلقات نقاشية تأكل من رأس مال فقير أصلا لم يتكون بعد، بل وتُكِسب صاحبها شعورا زائفا بأنه عالِم، فيحسب أنه بمجرد القدرة على الرد مرة أو مرتين – ربما لعجز مُحاوِرِه ليس لقوة حُجّته هو – قد تمكن من المادة وحاز العلم من أطرافه!
إنما الصحبة للتعلم والمذاكرة، لا للتعالم والتباهي – وسيأتي تفصيل ذلك في الآفات، وحذار من طول الجدل والمناظرات في معارك فكرية وهمية وأنت لم تبلغ أساس العلم بعد، وشتان بين من يناقش ليتعلم ويبني نفسه، ومن شُغله الشاغل الهدم في فكر من حوله.
• ملخص أهم خطوات القراءة الواعية البنّاءة
1. تحديد الحاجة للمادة ووضع التساؤلات التي ترجو إجابتها منها.
2. التخطيط والتعليق على الهامش أو في ورق خارجي.
3. تنقيح الهوامش والتعليقات والخلاصات بعد الانتهاء لتثبيت الصورة الكاملة التي أفدتها.
4. تثبيت غنائمك من المادة بالتلخيص الشفهي أو الكتابي للأفكار الرئيسة.
5. حفظ الرواية وحفظ الرعاية.
6. المراجعة الدورية.