في الجزء الأول من هذه السلسة تكلمنا عن النمو العاطفي بشكل عام، ثم بدأنا الحديث الخاص عن النمو العاطفي في مرحلة من الولادة وحتى عمر السنة
وفيما يلي سنكمل ما بدأنا.
مرحلة قبل المدرسة من ثلاث إلى خمس سنوات
في هذه المرحلة يستطيع الأطفال تعلم استراتيجيات التنظيم، لكن بالطبع ما زلنا في مرحلة التدريب فلا نتوقع منهم تنظيمًا كاملًا.
يخلط بعضهم بين التطور المعرفي والتطور العاطفي
فلو وجدوا أن الطفل يفهم ما يقال له ويجيب بشكل صحيح، يتوقعون منه أن يستجيب بشكل صحيح للمواقف العاطفية المختلفة، قد يفهم الطفل أنه لا شيء مخيف في الغرفة وأن الوحوش غير موجودة، لكنه يبقى يخاف منها، قد يفهم أن هناك طرقًا سلمية للتعبير عن غضبنا، لكن عندما يغضب فإنه يتصرف بعنف.
الطفل الذي لا يجد تعاطفًا من والديه مع مشاعره، سيتولد عنده شعور آخر بأنه غير مهم، أو سيصبح الطفل أقل تعاطفا مع الآخرين
في هذه المرحلة كما في غيرها، يتأثر النمو العاطفي بشكل كبير بردات أفعال الوالدين والمربين على مشاعر الطفل، وتبرز في هذه المرحلة بشكل أكبر المشاعر الثانوية، مثلًا لو استهزأ الوالدان أو الإخوة الكبار من خوف الطفل، فإنه لن يتوقف عن الخوف بل سيضيف إلى الخوف مشاعر أخرى ألا وهي الشعور بالعار، أو الشعور بعدم الكفاءة، وبالتالي يزداد الطين بلة كما يقال.
والطفل الذي لا يجد تعاطفًا من والديه مع مشاعره، سيتولد عنده شعور آخر بأنه غير مهم، أو سيصبح الطفل أقل تعاطفا مع الآخرين.
تدريب الطفل على الذكاء الاجتماعي العاطفي
من المهم أن يدرب الطفل عندما يكون هادئًا، أو حين يكون قليل الانفعال، وليس في حالة المشاعر الحادة، وأن نضع في اعتبارنا أن تدريبه هو عملية طويلة المدى وتمر بارتفاعات وانخفاضات، قد يمسك نفسه في بعض المواقف وينهار في غيرها.
يمر تدريب الطفل بثلاث مراحل أساسية:
المرحلة الأولى/ تسمية المشاعر التي يمر بها
يتعلم الطفل أسماء المشاعر أما بالإرشاد المباشر من الوالدين، عبر مواقف الحياة، أو ربما من القصص، إضافة إلى تسمية المشاعر، مهم أن نلفت نظر أولادنا إلى التغييرات الجسدية المرافقة للمشاعر مثل تغير ملامح الوجه أو لونه، شد الكتف، تسارع دقات القلب.
المرحلة الثانية/ معرفة مصدر هذه المشاعر
من المهم أن يتعرف الأطفال على المواقف التي تسبب لهم هذه المشاعر؛ كي يتعاملوا معها بشكل صحيح فإما أن يتجنبوها، أو يكونوا على استعداد للتعامل مع المشاعر الناتجة عنها.
نعلم أطفالنا أن مشاعرهم مقبولة، لكن السلوك يجب أن يكون منضبطًا، وأننا موجودون لنساعدهم في تنظيم مشاعرهم لا لكي نلومهم عليها
المرحلة الثالثة/ استخدام استراتيجيات لتنظيم هذه المشاعر
نعلم أطفالنا أن مشاعرهم مقبولة، لكن السلوك يجب أن يكون منضبطًا، وأننا موجودون لنساعدهم في تنظيم مشاعرهم لا لكي نلومهم عليها، مثلًا مقبول أن يشعر بالغضب لأي سبب كان، لكن من غير المقبول أن يضرب أو يكسر أو يتكلم بألفاظ نابية، وبالتالي نعلمهم بعض استراتيجيات تنظيم المشاعر.
هذه الاستراتيجيات تختلف في تأثيرها من شخص لآخر، لذا نعرض على أولادنا العديد من هذه الاستراتيجيات ونجرب معهم العديد من الاستراتيجيات كي نتوصل إلى أفضلها بالنسبة لهم، مع ملاحظة أن ما يمكن أن ينفع مع الطفل قد لا ينفع مع أخيه، وما ينفع مع طفل في مرحلة ما أو في ظرف ما قد لا ينفع في ظرف آخر.
ولنبدأ مما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم
• الحركة أثناء الغضب: لكن حركة هادئة وليس بسرعة
عن أبي ذر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع"
والحركة تنفع أيضًا في حالة الحزن والإحباط وهبوط المزاج، والأفضل أن تكون مشيًا في الهواء الطلق.
• الأفكار والمشاعر مرتبطة ببعضها، لذا فإن التفكير يؤثر في تنظيم المشاعر
من الأسئلة التي يمكن أن نسألها لأولادنا وتفيدهم:
- ماذا حدث؟
- برأيك لماذا حدث هذا؟
- كيف شعرت عندما فكرت بذلك؟
- كم قوة شعورك، صغير مثل حبة عنب أو متوسط مثل كرة تنس، أو كبير مثل كرة قدم؟
- هل هناك أسباب أخرى لما حدث، دعنا نفكر معًا؟
- كيف تغيّرت مشاعرك عندما فكرت بأسباب أخرى؟
من المهم أن يكون الطفل واعيًا بحقيقة أنكم تساعدونه على تنظيم مشاعره كي يستجيب لكم، لذا اتفقوا معه مسبقًا على تنفيذ هذه الطريقة
• استراتيجية تشتيت التفكير
وهذه الاستراتيجية تنفع حين تكون شدة مشاعر أولادنا متوسطة، وليس في حال الغضب الشديد أو التوتر الشديد، نعلم الطفل أن يتأمل المكان حوله، وينتبه إلى ثلاثة أشياء لونها أحمر، أو خمسة أشياء قاسية، أو أشياء تبدأ بنفس الحرف... وهكذا؛ كي ينقل تركيزه من بيئته الداخلية لبيئته الخارجية، لكن من المهم أن يكون الطفل واعيًا بحقيقة أنكم تساعدونه على تنظيم مشاعره كي يستجيب لكم، لذا اتفقوا معه مسبقًا على تنفيذ هذه الطريقة.
لكن أريد التأكيد على أننا كوالدين نحتاج أن نتدرب على التواصل العاطفي الصحيح مع أطفالنا؛ لأن قلة منا من تدرب على ذلك، لذا فلنعط أنفسنا وقتًا، وبنفس الوقت يحتاج أطفالنا إلى مدة طويلة كي يتدربوا على هذه الطرق ويحسنوا تنظيم مشاعرهم.
حق الانزعاج
عندما نرفض لأطفالنا طلبهم، وقد نكون محقين برفضنا وهو رفض واقعي، بالرغم من ذلك ينزعج أولادنا ويبدو عليهم الغضب أو الحزن، في الغالب نؤنبهم على انزعاجهم؛ لاعتقادنا أنهم يجب ألا ينزعجوا، مع أنه في الواقع من حقهم الانزعاج وإن كان رفض الوالدين منطقيًا وعادلًا، لكن المهم أن يتصرف الأولاد باحترام مع والديهم وإن كانوا منزعجين.
وهكذا نكون قد أنهينا هذه المرحلة
وسنكمل في المقالة القادمة بقية المراحل إن شاء لله