نعم لأردوغان.. رغم كل الاتهامات والتحفظات!

الرئيسية » بصائر الفكر » نعم لأردوغان.. رغم كل الاتهامات والتحفظات!
image-105-1140x815

الانتخابات التركية تجري اليوم، وصخب هذه الانتخابات يدوي في تركيا، والوطن العربي، والعالم أجمع.

ويرجع هذا الدوي إلى وجود الإسلاميين في المشهد الانتخابي التركي. والإسلاميون هناك يعنون للوطن العربي الخوف المرعب من قِبل الأنظمة الحاكمة من نجاح الإسلاميين في هذه التجربة السياسية، حتى لا يتطلع الإسلاميون في بلادهم للنجاح كذلك، ونجاح الإسلاميين في بلاد العرب معناه خسارة الأنظمة الحاكمة لكراسيها ومقاعدها.

والإسلاميون في تركيا يعنون للعالم أجمع تجربة إسلامية إن نجحت فإن لها ما بعدها في العالم الإسلامي، فإن تكررت التجربة في بلاد العرب والمسلمين فإن هذا إيذان بعودة الإسلام كإمبراطورية غالبة ودين حاكم، والعالم كله يعادي دين الإسلام من منطلقات عقائدية فكرية، ويعادي إمبراطورية الإسلام من منطلقات سياسية واقتصادية.

والإسلاميون في تركيا يعنون للأتراك معاني مختلفة باختلاف الخلفيات، فهم يعنون لعموم الشعب التركي المسلم نَفَس الإسلام الذي خفت طويلا على يد متطرفي العلمانيين من لدن أتاتورك إلى اليوم، ويعنون في الآن ذاته خلاص تركيا والأتراك من فساد العسكر وفساد طغمته الحاكمة، والآمال الكبيرة التي بدأت تلوح في أن تتبوأ تركيا مكانتها التاريخية في العالم، سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

ويعنون في المقابل بالنسبة لعلمانيي تركيا العدو الأكبر، فعلمانيو تركيا يمثلون بالنسبة لبقية علمانيي العرب والمسلمين التطرف الأكبر للعلمانية. فهي علمانية لا تكتفي برفض الحاكمية الإسلامية، وعلاقة الإسلام بالحكم والسياسة فقط، وإنما ترفض في حقيقتها الإسلام كله، كعقيدة وعبادة وأخلاق، فضلا عن مرجعيته السياسية والاقتصادية والعسكرية.

والدوي الذي يُحدثه الإسلاميون في المشهد الانتخابي التركي، هو من ناحية راجع لمجرد وجود الإسلاميين، ومن ناحية أخرى أكبر لنجاح الإسلاميين في الحكم هناك لأكثر من عشرين عام، منذ أن وصل حزب العدالة والتنمية الإسلامي للحكم، ومن ناحية ثالثة -ربما تكون هي الأكبر- لوجود أردوغان ذلك القائد ذي الشخصية الكاريزمية الفذة، والذي أصبح وجوده هاجسا مرعبا لعلمانيي تركيا، ولأنظمة الحكم العربية، وللعالم الغربي المسيحي، وللعالم الشرقي كذلك.

أردوغان شخصية فذة، قلما يجود الزمان بمثله، ولذلك فالحقد عليه كثير وكبير من كل الخصوم في الداخل والخارج

ولما أن كانت لأردوغان هذه الكاريزمية التاريخية، ولما أن كان له هذا النجاح في إدارة دفة الحكم التركي منذ عشرين عاما، ولما أن كانت له هذه الخلفية الإسلامية السياسية، ولما أن كان له هذا الحضور والتأثير في قضايا المسلمين شرقا وغربا، ولما أن كان له ذلك الدعم للإسلاميين المستضعفين والمطاردين والمهجرين من كل مكان، ولما أن كانت له تلك المواقف التاريخية في دعم القضية الفلسطينية، قضية المسلمين الأولى والمحورية.

لما أن كان لأردوغان كل ذلك، وجب على كل إسلامي، وعلى كل مسلم مهتم بمستقبل دينه، وعلى كل كاره للديكتاتوريات العسكرية والعلمانية الفاسدة، أن يعلنها بكل وضوح: نعم لأردوغان. وأن يكون ذلك الإعلان إعلانا مع تعقيبه: نعم لأردوغان.... رغم كل الاتهامات والتحفظات!

فأردوغان رغم حديثنا عن كاريزميته التاريخية ونجاحه التاريخي، ليس نبيا ولا ملاكا. هو بشري، له إيجابيات وسلبيات، وله نجاحات وإخفاقات، ولا تستحيل عليه الفتنة، ولا يستحيل عليه الفساد، وليس يستحيل عليه الحيد والزيغ؛ اليوم أو غدا أو بعد غد، وليس يستحيل عليه الرضوخ للضغط الداخلي والخارجي؛ اليوم أو غدا أو بعد غد.

أردوغان ليس نبيا ولا ملاكا. هو بشري، له إيجابيات وسلبيات، وله نجاحات وإخفاقات، ولا تستحيل عليه الفتنة

خصوم أردوغان يرمونه بالاستبداد والاستئثار بالسلطة، ومن خصوم أردوغان أسلاميون يرمونه بذلك. وهذا ليس مستحيلا ولا مستبعدا على أردوغان، والسلطة شهوة، إن تمكنت من القلوب والعقول، فمن الصعب جدا السلامة منها، على الرغم من صلاح صاحبها.

ويعني ذلك، أن الرجل الصالح، ربما يصل إلى السلطة، فتتمكن شهوة السلطة من عقله وقلبه، فيتمسك بها تمسكا يجعله يستبعد أي منافس أو حتى مشارك، ويبقى مع ذلك على صلاحه وإصلاحه.

تلك هي نظرية المستبد العادل التي يتكلم عنها الناس، مستبد لأنه يستأثر بالسلطة ولا يريد منافسا له فيها ولا حتى مشاركا، وعادل لأنه في حقيقته صالح مصلح.

والمتفق عليه في قصة أردوغان هنا أنه صالح مصلح، والمختلف عليه أنه يريد الاستبداد والاستئثار بالسلطة، حتى دون رفقائه الإسلاميين.

ورغم ذلك، وحتى لو كان استبداده واستئثاره بالسلطة صحيحا، فيجب أن ندعمه جميعا ونقف معه، لأن البديل له: تلك العلمانية المستبدة المتطرفة في علمانيتها، المدعومة بالخلفية العسكرية الفاسدة، وما ماضي الدولة التركية عنا ببعيد!

المستبد الإسلامي خير وأفضل من المستبد العلماني، وما لا يُدرك كله لا يُترك كله، والمنافس لأردوغان ليس مجرد علماني متطرف، بل هو من أنصار الاستبداد السياسي، وكل العلمانيين كذلك، مستبدون إذا وصلوا للحكم، وفاسدون ظالمون، مع علمانيتهم المتطرفة الوقحة.

المستبد الإسلامي خير من المستبد العلماني، إلى أن نصل لما نريده ونصبوا إليه: ذلك الإسلامي العادل غير المستبد، الذي يسعى لمشاركة الجميع من أبناء المشروع الإسلامي له في الحكم.

واستبداد أردوغان_ إن كان_ فهو محكوم بصناديق الانتخاب، وهو ما نشهد لأردوغان فيه بأنه لا يسعى لتزوير الانتخابات، أو لشراء الذمم، وبالتالي فما دام الأمر معروضا على الشعب ليختار فيه بحرية ونزاهة، فهو استبداد مقبول.. استبداد تأتي به الديمقراطية، والاختيار الحر النزيه لجماهير الأمة.

فكرة أن تكون للحاكم مدة زمنية للحكم لا يجوز له أن يحكم بعدها، وأن يتقدم للترشح فترتين أو ثلاثة ولا يجوز له التقدم أكثر منها، فكرة ديمقراطية بالغة في التطرف الديمقراطي.

ودعاة الديمقراطية يقولون أنها من أهم دعائم الديمقراطية، حتى لا يستبد أحد بالحكم، لبقائه فيه لمدة طويلة، تجعله يستأثر به دون البقية، ويرفض تركه لغيره من بعد. وتلك فكرة صحيحة، والعاصم فيها الانتخابات الحرة النزيهة التي تجرى كل حين.

والأفضل أن يبقى الأمر متاحا دائما لاختيار الأمة، فإن أعادت اختيار أحد لأكثر من فترة، فلا مانع، على أن تجدد اختيارها له، في تنافس ديمقراطي حر مع غيره، أو حتى تجدد له هذا الاختيار، في استفتاء ديمقراطي حر.

المهم، من وجهة النظر الإسلامية، عرض الأمر على جماهير الأمة كل حين، أو عرضه على أهل الحل والعقد فيها، بحيث تبقى الأمة قادرة على عزل حاكمها واستبداله في أي وقت وحين.

رفقاء أردوغان الذين تخلوا عنه أمثال عبد الله غول وأحمد داوود أوغلو، تخلوا عنه بسبب استئثاره بالسلطة دونهم، ومن الوارد أنهم لم يختاروا الابتعاد من تلقاء أنفسهم، وإنما قام أردوغان بنفسه بإقصائهم. كل ذلك وارد، وليس مستحيلا، فأردوغان ليس ملاكا ولا نبيا.

ولكن على الرغم من كل ذلك، تبقى المعركة واضحة، ولا لبس فيها: معركة بين الإسلامية ممثلة في أردوغان وحزبه، وبين العلمانية المتطرفة ممثلة في خصومه.

معركة بين الإسلاميين ومن ورائهم أمة الإسلام، وبين العلمانيين ومن ورائهم أعداء أمة الإسلام والمغيبين من أبناء الإسلام، مع الحاقدين والشانئين.

من الممكن أن تكون الغُصة التي في حلوق رفقاء أردوغان -من الإسلاميين الذين أقصاهم، أو الذين اختاروا الابتعاد عنه لاستبداده بالأمر دونهم- غصة كبيرة، تبرر ابتعادهم عنه، ومنافستهم له بحزب إسلامي آخر، لكنها لا تبرر مطلقا وقوف بعضهم مع خصومه العلمانيين المتطرفين في هذه المعركة.

هي معركة بين الإسلامية والعلمانية المتطرفة، ولو كانت علمانية معتدلة، لربما قبلنا حينها الكلام، أما وأنها علمانية متطرفة، فلا كلام ولا نقاش. نعم لأردوغان.. رغم كل الاتهامات والتحفظات!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …