1. الاستخـارة
- ابدأ بربك فأقبل عليه بكلّيتك كيفما كان حالك ومهما كان تقصيرك، ابدأ بخالقك الذي سوّاك فخَلَقَك فعَدَلك، والذي يعلم السرَّ وأخفى، والذي يجيب المضطر ويكشف السوء ويستر على العباد.
- واستَخِر استخارة صادقة تشعر فيها بالافتقار لتوجيه ربك لك، وتستحضر معنى طلب الخِيَرة والخير من الله تعالى، على عهد بالاطمئنان لحُكمه واليقين بحكمته تعالى.
2. الاستشـارة
- احرص على تحّري وتخّير من تستشير، فالعبرة ليست بكثرة الناصحين وإنما بجودة النصيحة.
- فرّق عند الاستنصاح بين استنساخ تجارب الآخرين والانتفاع بالنظر في حيثياتها.
- لا يمكن ولا يَحِقّ لأي ناصح أن يشير على صاحب الأمر بـ "القرار"، وغاية ما يقدّمه الناصح ذو الأهلية معالم للتفكير وأسس لاتخاذ القرار، فإن أشار برأي عملي كأن يقول: "لو كنت مكانك لفعلت كذا"، لا تأخذ النصف الثاني من الجملة وتطبّقه ناسيًا النصف الأول! فهو ليس مكانكَ على الحقيقة، وإن ارتضيتَ رؤيته واستصوبتَ القرار الذي كان ليطبّقه، تظل مسؤوليتك عن ذلك القرار في سياقك متعلقة بك وحدك.
- فلا تطلب النصح طلب من يبحث عن شماعة يلقي عليها بلائمة تبعات القرار، ولا تُكثِر من مراجعة الناصحين تبرّكًا بتعدد النصائح، بل ذلك باب تشتّت لا بد أن تحسمه في النهاية، فحدّد من تستشيره على أساس صحة العلم، وعمق الثقة، وحُسْن التفهّم.
نسق التصورات والمبادئ والمعايير التي تبني عليها موازناتك واختياراتك المختلفة، وتصدر عنها في فكرك وفعلك وأذواقك
3. الاستنـارة
- مبدأ كلّ قوة في اتخاذ أي قرار هو أن تكون على بيّنة من مرجعيتك، أي نسق التصورات والمبادئ والمعايير التي تبني عليها موازناتك واختياراتك المختلفة، وتصدر عنها في فكرك وفعلك وأذواقك ... إلخ، كلما كنت راسخًا في مرجعيتك، أي محدِّدًا وفاهمًا لها ومؤمنًا بها، كنتَ أقدر على الإقدام بثبات في معترك الحياة، تمامًا كمن معه بوصلة حاضرة تمكّنه من إيجاد القبلة أنّى توجّه، وغالب الذبذبة التي تنشأ عند مفترقات الاختيارات مردّها إلى خلل في المرجعية.
- وأساس المرجعية هو معارف العمران وعلوم الاضطرار الأساسية، ثم طلب العلم الشرعي والعرفي المخصوص بسياق اتخاذ القرار، مثل: كيفية اختيار التخصص أو البحث عن وظيفة أو معايير اختيار شريك الحياة أو التعامل بين الزوجين... إلخ.
- لا تحتمل قرارات الحياة منهجيّة تجربة كل المعروض ثم العودة لانتقاء الأحسن، بل إذا عزمتَ فتوكل على الله، ثم لا تلتفت ولا تتحسر، فالأمر كله لله وبيده أولًا وآخِرًا، وإنما أنت تتحرك حركة عبد لا إله.
"الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وإنْ أَصَابَكَ شيءٌ فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: "قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ"، فإنَّ لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ" [مسلم]
قد تختلف الإجابات والاختيارات وإن كانت ورقة الامتحان واحدة؛ لأنّ الإجابة قطعة من ذات صاحبها، وكلّ ذات مُلزِمة لصاحبها
4. خصوصية السياق
- مهما بدا لك أنك تخوض سياقًا مشابهًا لمن حولك، استحضر مسؤوليتك الشخصية عن ذاتك المخصوصة، ذلك أنّ الله تعالى لا يكلّف نفسا إلا ما آتاها، ولا يكلّف نفسًا إلا وسعها، فأنت مقصود بامتحانك، ومسؤول عن عملك وفق حيثيات ظروفك.
- وما يرتضيه فلان في سياق قد لا يرتضيه غيره في نفس السياق، فليست العِبرة بنفس السياق بل بنفس الممتحَن به، وقد تختلف الإجابات والاختيارات وإن كانت ورقة الامتحان واحدة؛ لأنّ الإجابة قطعة من ذات صاحبها، وكلّ ذات مُلزِمة لصاحبها.
- لذلك لا تجعل من موازينك في قراراتك كثرة المثبّطين أو قلّة المصفّقين، فالناس جاهزون بتصوّراتهم ومعاييرهم الشخصية، وإنّما نحن من يخطئ في حقّ نفسه حين نعيش حياتنا نحن بموازين الآخرين في حين أنّ كُلًّا يُحاسب فردًا، ويدفع ثمن حركته في حياته من عمره هو.
5. مسؤولية الارتضاء
- ينبني على ما سبق التحرر من شماعات لوم الظروف والواقع والضغط الخارجي، ودراما الضحية والرثاء للذات، والتحسر والندامة على صعوبة حالك مقارنة بحال غيرك... وتوجيه طاقاتك عوضًا عن كلّ ذلك لما يَعنِيك من أمرك، وما يُعينك على امتحانك، وما ينفعك في سياقك.
- وكما ذكرنا، فإن أيّة موازنة ستشتمل بالضرورة على محاسن ومعايب، وقد تنطوي على قدر من الضرر المتحقق في مقابل المصلحة المرجوّة، فالارتضاء لا ينفي أوجه المآخذ في الموازنة، لكنه يعني ضرورة تقبل وقوعها ومواجهتها بحكمة، كما ترحّب بالمحاسن وتستسيغها بسرور.
- ومن الارتضاء تأدية الحقوق والواجبات المُترتبة على خيارك دون مَنٍّ أو تَفَضّل.
- ولتستطيع أن تتحمل مسؤولية ما ارتضيت تحمّلًا جادًّا، لا بد أن تكون راسخًا في نفسك بمعاييرك ومفاهيمك ومرجعيتك، وفق ما ترتضي أن تُحاسَب عليه أمام الله.
تُحمَل العواقب بقدرها حتى لا تنقلب لعقارب! وذلك دون إفراط في الندامة والملامة، أو الاستعزاز بالرأي والانفراد بكلمة القرار في عناد غير مدروس
6. فرديّة تحمّل العواقب
- وتعني دفع ثمن التعلم والتجربة، بالبذل من نفسك لنفسك، ومن عمرك لعمرانك، ومن حق النفس على صاحبها تحمّل شأنها حيث أمكنها ووجب عليها حمله.
- والثمن مدفوع في كل قرار سواء كان إقدامًا أو إحجامًا، أخذًا أو تركًا، والعواقب تشمل منافع الصواب كما أضرار الخطأ.
- والفرديّة في التحمل لا تعني أنّ عواقب قرار أو خَيار تقع على صاحب القرار والخَيار فحسب، بل يمكن أن تشمل من حوله أو تؤثر على غيره في سياقه، ووقتها يكون تحمّل المرء لمسؤولية العواقب الواقعة على غيره بحسب موازين الشرع ثمّ موازين العُرف المعتبرة.
- المهم أن تُحمَل العواقب بقدرها حتى لا تنقلب لعقارب! وذلك دون إفراط في الندامة والملامة، أو الاستعزاز بالرأي والانفراد بكلمة القرار في عناد غير مدروس، بما يجور على حقوق الغير أو يعبث بمصالحهم.