1. لا تسابق الزمَن، وانتبه لحُمَّى الإنجاز!
هل أنتَ على عجلة دائمة من أمرك؟ هل جربتَ أن تضع خطة ليومك، ثم بدل أن تسعى لاستثمار اليوم، إذا بك تدخل معه في سباق محموم؟ إن الشعور الدائم بضغط الوقت أمر لا يمكن أن تستثمر معه وقتك فعليًا، أو تعيش حياة مسالمة، أو تنجز بإتقان، فليس هدف الحياة هو أن نعبرها بأسرع وقت ممكن، وإنما بأحسن ما يمكننا، ونستفيد ونفيد ما استطعنا، ولن تستطيع مهما خططت أن تشكل الزمن ليلائم خططك ويسير وفق هواك، فمن قال إن الخطة وضعت لهذا؟
إنما الخطة لتحقق أكبر استثمار بأكبر رأس مال يمكن أن تمتلكه، وأذكرك مرة أخرى بأن خير وسيلة للتخفيف من الضغط والتوتر، هو ألا تحشد أهدافك؛ كي لا تأتي النشاطات التي يفترض أن تساهم في التخفيف من حدة الضغط النفسي بمفعول عكسي، إذا حاولت أن تمارسها وأنت في عجلة من أمرك.
الرحلة المقطوعة للوصول للهدف هي جزء لا يتجزأ من عملية الإنجاز، وبدل أن تُضطر لعودة أدراجك للوراء؛ لأن إحدى المراحل لم تُجتز بإتقان، سِر متمهلًا من البداية، بغير تكاسل أو استعجال
صحيح أنك تريد أن "تنجز"، وكلنا يريد ذلك، لكن الرحلة المقطوعة للوصول للهدف هي جزء لا يتجزأ من عملية الإنجاز، وبدل أن تُضطر لعودة أدراجك للوراء؛ لأن إحدى المراحل لم تُجتز بإتقان، سِر متمهلًا من البداية، بغير تكاسل أو استعجال، وتذكر أن الرحلة المقطوعة لبلوغ هدف هي معنيّة ومهمة كتحقيق الهدف ذاته، بل ولو لم تبلغ الهدف على ما كنت ترجو وتتخيل، ستكون كل خطوة في الطريق مثمرة بذاتها لأنها علمتك شيئًا وأكسبتك خبرة، ذلك إذا كنت منتبهًا ويَقِظًا كفاية لذلك.
لإطالة أوقاتك: لا تستعجل، بل عش بهدوء! إنها طريقة أشبه بالسحر للحصول على المزيد من الوقت، بهذه الطريقة ستعيش مِلء كل لحظة من حياتك؛ لأنك ستتصالح مع الوقت وتتحكم به، بدل أن تعيشا في صدام وخصام، فاحرص على تخير وترتيب أولويات نشاطاتك، لتستحق الوقت المنفَق عليها، وتحقق العائد المَرجُوَّ، والمتعة المنشودة من ورائها، قد تستطيع القيام بأي شيء في أي وقت، لكن ليس كل شيء في نفس الوقت.
ويكفي أن تتفكر فيما تفعل برَوِيَّة، بهذا تدرك أن أكثر الأعمال التي لا تستحق عناء فعلها، هي نفسها التي تُبَدد كل وقتنا! فضيق الوقت ليس هو المشكلة كما سلف، وإنما الطريقة التي يُدار بها الوقت، فالأشخاص الأكثر إنتاجًا ونشاطًا هم أولئك الذين يستثمرون وقتهم، فلا يشحنونه بالأعمال، ولا يهدرونه باللهو، بل يكتفون بنشاطات معينة، يتابعونها بإتقان، بدون الشعور بضغط الوقت، يمكنك أن تُمضي وقتك بطريقة ذكية، تمتعك وترتقي بك، أو بشكل مستهتر، يستنزف طاقتك ولا يرفّه عنك.
2. بين واجب الإتقان وفخ الكمال
تخيل أنك تطهو وجبة طعام: من ناحية ينبغي ألا تبالغ في إنضاج الطعام حتى يحترق، وكذلك ألا ترفع الطعام من على النار قبل أن ينضَج حتى الدرجة المناسبة، والدرجة المناسبة تعني الحذر من الوقوع في فخ "الكمال"
السعي للإتقان يعني أن تبذل أفضل ما لديك، في حدود ما يتوفر لديك، ولا يعني أبدًا أن تكلّف نفسك فوق طاقتها، والإتقان يختلف عن الكمال
إن السعي للإتقان يعني أن تبذل أفضل ما لديك، في حدود ما يتوفر لديك، ولا يعني أبدًا أن تكلّف نفسك فوق طاقتها، والإتقان يختلف عن الكمال، فالأول واجب في كل عمل تعمله، كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"، وذلك يشمل جوانب الحياة كلها، من أداء العبادات، والتعامل مع الناس، وانتهاء بالأنشطة المختلفة من دراسة وعمل وترفيه.
الإتقان يعني ألا تدخر جهدك "لوقت لاحق"؛ لأنك لا تدري إن كنت ستدرك وقتًا لاحقًا أم لا، ولا ضمانة لحصولك على فرصة ثانية في كل شيء، فالإتقان يعني أن تتعامل مع المَهمة التي أنت مكلف بها، كما لو كانت تلك فرصتك الأولى والأخيرة، إن هذا مبدأ رئيس لحياة مسددة بإذن الله؛ لأنه يحفظ كثيرًا من الفرص الفريدة أن تضيع عليك، لمجرد أنك لم تقدم أفضل ما لديك من المرة الأولى، فإذا اتخذت الإتقان قاعدة في كل ما تفعل، وجعلتها بصمة أعمالك، وعنوان شخصيتك، فلن يضيرك أبدًا ألا تحصل على فرصة ثانية إن شاء الله تعالى، فإن حدث وأُعطِيت فرصة ثانية، حينها ستجمع إلى جانب تقديم أفضل ما لديك كما فعلت سابقًا، الاستفادة من تجربة الفرصة الأولى، وتجنب تَكرار أخطائها، وإن لم تُعطَها، فقد أدّيت ما عليك، والله لا يضيع أجر المحسنين.
أما الكمال، فإنك تدرك مسبقًا أنك لن تصل إليه، الخطأ مُنافٍ للكمال، لكنه لا يناقض الإتقان، والإتقان لا يعني الأفضل على الإطلاق، بل أفضل ما لديك أنت؛ لأن لكل منا لمستَه الشخصية، وطريقته الفريدة، وسِحرَه الخاص.
3. الأوقات البينية
هل سمعتَ قبلًا بتعبير "الفراغات البينية" وأنت ترتب أثاث شقتك مثلا، فتسعى للاستفادة من تلك الفراغات في توسيع مساحة أو وضع شيء؟ ألا يُعد ذلك من التوفير المبدع والتصرف الذكي، دون أن يتطلب ذلك تكلفة إضافية على الإطلاق؟ ما رأيك لو قلت لك إن تخطيط وقتك مثل ترتيب أثاث منزلك؟ بالتأكيد لن يُغفِل أي منا القطع الكبيرة من الأثاث، كالكراسي والطاولات والدواليب، لكن الذكاء يكمن في استثمار تلك الفراغات البينية.
بالمثل، عندما تهتم بتخطيط وقتك بدل أن تمضي كل يوم كيفما اتفَق، ستتبين لك تلك الفراغات البينية بجلاء، فالأوقات البينية كنزٌ عظيم، خاصة حينما تجمعها على مدار الأسبوع والشهر والسنة، والنتيجة: وقتك يتسع لكل تطلعاتك، بشيء من التخطيط الواعي، وكثير من الاستثمار لفراغاتك.
من يستهين بنفع عشر دقائق أو يستصغر ساعة يوميًا، ما ذلك إلا لأنه لم يجرب هذا المفهوم، وإلا لانقلب الميزان تمامًا
4. الانقطاع
يأتي هذا البند في الختام لشديد أهميته في أية معادلة للتنظيم والإنجاز، والانقطاع يعني أن الوقت الذي ستقتطعه لأي عمل عامة - مهما صغر أو قل - ينبغي أن يكون خالصًا له ليس فيه أي شواغل أخرى، من رد هاتف أو متابعة رسائل وخلافها من آكلات الوقت وجودة الأداء، لذلك اجتهد حين تحدد أوقات فراغك أن تفرغ فيها حقًا.
ومن يستهين بنفع عشر دقائق أو يستصغر ساعة يوميًا، ما ذلك إلا لأنه لم يجرب هذا المفهوم، وإلا لانقلب الميزان تمامًا، فإنك حين تخصص وقتًا للتواصل الاجتماعي – مثلًا - تنقطع له فيه ثم لا تزيد عليه، سيمكنك أن تتواصل بعمق وثراء واستمتاع وتركيز، بغير استشعار ذنب الهارب من واجب آخر أو المتكاسل عن البدء في المهمة المحددة، فأن تكون بين بين يعني أنك تهدر وقتك وتشتت جهدك وتؤنب نفسك، جرب هذا في مقابل من يجلس لقراءة أو مطالعة أو دراسة، مع تلك المشتتات!
الانقطاع باختصار يعني أحسن استثمار لما هو متاح بالفعل من أوقاتك، وهذا الذي يجعلك تشعر ببركة الوقت ونمائه، لكن انتظار أن تتسع الأوقات من تلقاء نفسها لتفرغ فتعمل، هو انتظار لغائب لا يأتي.