الزواج المبكر عفة وصيانة وبركة (1-2)

الرئيسية » بصائر تربوية » الزواج المبكر عفة وصيانة وبركة (1-2)
الزواج المبكر عفة وصيانة وبركة (1-2)

حرص المسلمون الأوائل على الزواج المبكر لأنه هدي الأنبياء جميعًا، واتباعًا لهدي النبي ﷺ فقد قال: " يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ" (صحيح البخاري) والباءة اسم من أسماء الوطء أو المراد بها مُؤن النكاح، أيّ: من استطاع الزواج، ووجد كلفته ومؤنته فليتزوج.

وقال ﷺ: "مَن أحبَّ فِطْرتي فلْيَسَتَنَّ بسُنَّتي، ومِن سُنَّتي النِّكاحُ" (أخرجه أبو يعلى والبيهقي)

ولقد بلغ تيسير الزواج في صدر الإسلام مبلغه فكان صداق المرأة خاتمًا من حديد «اذْهَبْ فَالْتَمِسْ ولو خَاتَمًا مِن حَدِيدٍ» (صحيح البخاري)، ومن يسَّر الله له يزيد حسب استطاعته دون تكلف ولا مُغالاة.

ورَغّب الإسلام في الزواج للحد الذي جعله يُقدِّمه على فريضة الحج بالنسبة للشاب؛ فالزواج يحمي الشباب من الوقوع في الفاحشة، ويحفظ الأنساب، ويصون الأعراض، ويُكثر سواد المسلمين.

ومما حرص عليه المسلمون الأوائل:

• الزواج المبكر من أجل تحصيل العفة والصيانة.

• تعدد الزوجات، فلا تجد رجلًا إلا وتزوج من أكثر من امرأة.

• زواج الأرامل والمطلقات، فلا تطلق امرأة ولا تترمل إلا وتجدُ رجلًا يتقدم لخطبتها.

• عدم الاكتراث بفارق السن بين الرجل والمرأة عند الزواج.

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لو لم يبق من عمري إلا عشرة أيام لأحببت أن أتزوج لكيلا ألقى الله عزبًا"

وقال الحسن بن صالح: "أدركت جارة لنا جدة، بنت إحدى وعشرين سنة" (فتح الباري)

رَغّب الإسلام في الزواج للحد الذي جعله يُقدِّمه على فريضة الحج بالنسبة للشاب؛ فالزواج يحمي الشباب من الوقوع في الفاحشة، ويحفظ الأنساب، ويصون الأعراض، ويُكثر سواد المسلمين

أولًا/ نماذج من زيجات المسلمين في صدر الإسلام

إن المسلمين الأوائل إنما كانوا يحرصون على الزواج المبكر للشباب عامة وللإناث خاصة بُغية العفة وسدًا لذرائع الرذيلة، وتعارف المجتمع على ذلك.

عن المستورد بن شداد - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال: "من كانَ لنا عاملًا فليَكتسب زوجةً.." (صحيح أبي داود) أي: يحل له أن يأخذ من بيت مال المسلمين مقدار مهر زوجة من غير تبذير وإسراف، وذلك من أجر عمالته وراتبه.

وورد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أرسل مُناديًا يعلن للناس "من أراد أن يستعف فإنا سوف نساعده على ذلك".

• ولقد كان بعض الصحابة يُرغِّبون أبنائهم في الزواج ويعينونهم على ذلك

جاء في سنن البيهقي: "وتصدَّق أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - بداره بمكة على ولده فهي إلى اليوم، وتصدّق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بربعه عند المروة وبالثنية على ولده فهي إلى اليوم"

وفي سنن البيهقي أيضًا: "وتصدَّق الزبير بن العوام - رضي الله عنه - بداره بمكة في الحرامية وداره بمصر وأمواله بالمدينة على ولده فذلك إلى اليوم، وتصدق سعد بن أبي وقّاص - رضي الله عنه - بداره بالمدينة وبداره بمصر على ولده فذلك إلي اليوم"

وفي سنن البيهقي كذلك: "وتصدّق عمرو بن العاص - رضي الله عنه - بالوهط من الطائف وداره بمكة على ولده فذلك إلى اليوم، وحكيم بن حزام - رضي الله عنه - بداره بمكة والمدينة على ولده فذلك إلى اليوم"

إن المسلمين الأوائل إنما كانوا يحرصون على الزواج المبكر للشباب عامة وللإناث خاصة بُغية العفة وسدًا لذرائع الرذيلة، وتعارف المجتمع على ذلك

أما بالنسبة للنماذج فنذكر بعضها على النحو التالي:

1. لا يخفى علينا أن النبي ﷺ قد تزوج أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وهي بنت تسع سنين كما جاء في صحيح البخاري، ولكن ما قد يخفى علينا هو أن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - كانت مُسمَّاةً (مخطوبة) لجُبير بن مطعم بن عدي قبل أن يخطبها رسول الله ﷺ، وأن والدها الصديق - رضي الله عنه - تحلل من هذه الخِطبة لإصرار جُبير وأهله على الشرك.

جاء في تاريخ الإسلام للإمام الذهبي، قال: "فقالت - أي أم جُبير بن مطعم بن عدي - لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: لعلَّنا إن أنْكحنا هذا الفتى إليْكَ تُصبئْهُ وتدخلْهُ في دينِكَ" (إسناده حسن)

2. تزوج أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - من أم كلثوم بنت الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو في سنّ جدها، وأنجب منها زيد ورقية. كان عُمْر أم كلثوم - رضي الله عنها - 11 عامًا وكان عُمْر الفاروق - رضي الله عنه - قد قارب الخمسين عامًا.

3. تزوج الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - من السيدة فاطمة رضي الله عنها وهي فى سن 15 عامًا وقد توفيت السيدة فاطمة رضي الله عنها وهي في سن 28 عامًا بعد أن أنجبت خمسة من الأبناء.

4. تزوج "عبد المطلب" جد النبي ﷺ من صبيَّة صغيرة، وهي "هالة بنت وهيب" بنت عمّ "السيدة آمنة بنت وهب"، وكان عبد المطلب في سن جدها.

5. تزوج الصحابي الجليل عبد الله بن عامر بن كريز من هند بنت معاوية بن أبي سفيان وهي بنت 9 سنين، ولما دخل عليها امتنعت عنه وصرخت حتى صرخت الجواري في القصر.

جاء والدها "معاوية" حافيًا مُسرعًا ليرى ما حدث فقالت هند لأبيها بأن عبد الله بن عامر يريدها أن تمكِّنه من جسدها! فقال لها والدها أما سمعت قول الشاعر:

من الخفرات البيض أما حرامها :: فصعب وأما حلها فذلول

• المعنى أن الأبكار (جمع بكر) الكاملات صِعاب مُمتنعات عند الحرام، هيِّنات ذلولات عند الحلال.

خرج معاوية من عند ابنته وأمر زوجها عبد الله بن عامر بالدخول عليها فكانت من أبر النساء وكانت تتولى خدمته بنفسها.

الشريعة الإسلامية لم تحدد سنًا مُعينًا للزواج ولكنها وضعت شروطًا متى تحققت فالزواج صحيح

قاعدة: ما يجب أن نعرفه هو أن الشريعة الإسلامية لم تحدد سنًا مُعينًا للزواج ولكنها وضعت شروطًا متى تحققت فالزواج صحيح، وهذه الشروط هي:

• يُجيز الشرع زواج الصغيرة قبل سن البلوغ إذا كان في الزواج مصلحتها التي يُقدِّرها وليها "أبًا كان أو جدًا".

• وأن توافق الصغيرة على الزواج بدون إكراه.

• وأن تطيق الوطء ولا يسبب لها ضررًا.

ودائمًا ما تفرق الشريعة الإسلامية بين جواز العقد وجواز الوطء؛ فتجوز الخطبة ويجوز العقد في أي سن، ولكن لا يجوز الوطء أو النكاح إذا لم تكن المعقود عليها تطيق الوطء.

قال مالك والشافعي وأبو حنيفة: "حد ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن ولا يُضبط بسن، وهذا هو الصحيح"

وقال الشافعي في "كتاب الأم": "وزوَّج غير واحد من أصحاب رسول الله ﷺ ابنته صغيرة"

وجاء في التفسير الميسر: قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ{ [الطلاق: 4] والنساء المُطلقات اللاتي انقطع عنهنَّ دم الحيض؛ لكبر سنهنَّ، إن شككتم فلم تدروا ما الحكم فيهنَّ؟ فعدَّتهنَّ ثلاثة أشهر، والصغيرات اللاتي لم يحضن، فعدتهن ثلاثة أشهر كذلك.

وفي تفسير البغوي: (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) يعني الصغار اللائي لم يحضن فعدتهن أيضًا ثلاثة أشهر.

وفي تفسير القرطبي: (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) يعني الصغيرة فعدتهن ثلاثة أشهر.

وفي تفسير السعدي: (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) أي: الصغار، اللائي لم يأتهن الحيض بعد.

وفي التفسير الوسيط: (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) بعد لصغرهن، وعدم بلوغهن سن المحيض فعدتهن – أيضًا - ثلاثة أشهر"

إن هذه الأمثلة وهذا السرد ليس دعوة لغض النظر عن فارق السن بين الرجل والمرأة عند الزواج، فالتكافؤ بكل جوانبه مطلوب، ولكن سيقت هذه الأمثلة وهذا السرد لإيجاد القناعة بأمر أصبح مستهجنًا ومستقبحًا في زماننا!

الزواج المبكر لم يكن قاصرًا على المسلمين فحسب بل الأديان السماوية الأخرى والحضارات الأخرى قد نفذته بالفعل

ثانيًا/ الزواج المبكر في الأديان والحضارات الأخرى

إن الزواج المبكر لم يكن قاصرًا على المسلمين فحسب بل الأديان السماوية الأخرى والحضارات الأخرى قد نفذته بالفعل.

• يقول "مطر عايد العنزي" في مقال له بعنوان (الزواج والطلاق عند اليهود): "يُعد الزواج واجبًا في الديانة اليهودية، فعلى الشاب المُقتدر الإسراع في الزواج دون تردد، أو تباطؤ، أو تأجيل.

يبدأ الزواج من البلوغ، أي يزوج الشاب من الثالثة عشر، وتزوج الفتاة من الثانية عشر، بل يجوز تزويجهما قبل تلك السن إن بدت عليهما علامات النضج والبلوغ الجسدي، من بلغ سن العشرين ولم يتزوج فقد استحق اللعنة"

وفي العصر الحديث تشجع الجماعات اليهودية المتدينة الزواج المبكر، وكثرة الإنجاب؛ ليبقوا محافظين على الأغلبية العددية اليهودية.

• وجاء في اجتماع البابا شنودة في 5/ 3/1973م مع القساوسة والأثرياء في "الكنيسة المرقصية" بالإسكندرية: "يجب تشجيع الزواج بالسن المبكرة بتخفيض تكاليفه وذلك بتخفيض رسوم فتح الكنائس، ورسوم الإكليل بالكنائس الكائنة بالأحياء الشعبية".

• ويقول الفيلسوف والمؤرخ الشهير (ويل ديورانت) عن عصر الإيمان المسيحي: "كان الشاب في عصر الإيمان قصير الأجل، وكان الزواج يحدث فيه مبكرًا، وكان في وسع الطفل وهو في السابعة من عمره أن يوافق على خطبته، وكان هذا التعاقد يتم في بعض الأحيان ليسهل به انتقال الملكية أو حمايتها.

ولقد تزوجت "جراس صليبي" Grace de Saleby في الرابعة من عمرها بشريف عظيم يستطيع حماية ضيعتها الغنية، ثم مات هذا الشريف ميتة سريعة فتزوجت وهي في السادسة من عمرها بشريف آخر، وزوجت وهي في الثالثة عشرة بشريف ثالث.
وكان يستطاع حل هذا الرباط في أي وقت من الأوقات قبل سن البلوغ، وكان يفترض أن تكون هذه السن هي الثانية عشرة للبنت، والرابعة عشرة للولد (موسوعة قصة الحضارة)

إن ما يُمكن أن نَعُدّه زواجًا مبكرًا في زمان أو في مرحلة زمنية قد لا يكون كذلك في زمان آخر أو في مرحلة زمنية أخرى

• وفي سنة 1396م تزوج ريتشارد الثاني Richard II ملك إنجلترا من إيزابيلا Isabel ملكة فرنسا وعمرها 7 سنوات، وكان لهذا الزواج عظيم الأثر في إحلال الهدنة بين فرنسا وإنجلترا، واخماد الحرب التي دارت بينهما مئة عام.

• وتزوج الملك لويس السادس عشر (ملك فرنسا) من ماري أنطوانيت وهي في الرابعة عشر من عمرها وكان هو في الخامسة عشرة من عمره.

بعد هذا السَّرد اليسير نستطيع أن نقول إن ما يُمكن أن نَعُدّه زواجًا مبكرًا في زمان أو في مرحلة زمنية قد لا يكون كذلك في زمان آخر أو في مرحلة زمنية أخرى.

للحديث بقية في الجزء الثاني من نفس الموضوع إن شاء الله تعالى

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …