محمد عبد الرحمن صادق
تحدثنا بفضل الله تعالى في الجزء الأول من هذا الموضوع وقلنا إن المسلمين الأوائل عملوا بهدي الإسلام فحرصوا على الزواج المبكر درءًا للفتنة وسدًا للذرائع وتحصيلًا للعفة... الخ.
وقلنا إن بعض الصحابة كانوا يُرغِّبون أبنائهم في الزواج ويعينونهم على ذلك.
كما تحدثنا عن:
• بعض النماذج من زيجات المسلمين في صدر الإسلام.
• الزواج المبكر في الأديان والحضارات الأخرى.
وسنتحدث في هذا الجزء -إن شاء الله تعالى- عن:
الزواج المبكر أحفظ لأخلاق الشباب وأدعى إلى شعورهم بالمسئولية وهو أفضل لصحة الزوجين وللزوجة بصفة خاصة
ثالثًا/ فوائد الزواج المبكر
إن الزواج المبكر للشباب عامة وللإناث خاصة له فوائد جمَّة جمعها الإمام الغزالي - رحمه الله - في قوله: "إن للزواج فوائد عدة وهي: الولد، وكسر الشهوة، وتدبير المنزل، وكثرة العشيرة"، ويقول الشيخ الشعراوي رحمه الله: "الزواج المبكر أقرب طريق لإنجاب أب - وليس ابن - يرعاك في طفولة الشيخوخة"
ويقول الدكتور مصطفى السباعى رحمه الله: "إننى من أنصار الزواج المبكر نسبيًا، فالزواج المبكر أحفظ لأخلاق الشباب وأدعى إلى شعورهم بالمسئولية وهو أفضل لصحة الزوجين وللزوجة بصفة خاصة"، ويقول "البروفيسور هاردن" أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد الأمريكية: "إن الزواج المبكر لا يضر كما يعتقد البعض وخاصة بين طلاب وطالبات الجامعة؛ فالطالب المتزوج يدرك قيمة مستقبله"
ونفصِّل فوائد الزواج المبكر فيما يلي:
• الزواج المبكر أغض للبصر وأحصن للفرج.
• تهذيب الرغبات في إطار شرعي "فَهَلَّا بكْرًا تُلَاعِبُهَا وتُلَاعِبُكَ"
• صون الشباب من الانحراف وصون المجتمع الإسلامي من الآفات والأمراض.
• تحقيق الاستقرار النفسي الذي يساعد على التركيز لتحقيق أهداف مستقبلية.
• تعزيز القدرة على تحمل المسؤولية.
• تحصيل العون الإلهي والبركة في البدن والرزق. "ثلاثةٌ حقٌّ على اللَّهِ عونُهُم: المُجاهدُ في سبيلِ اللَّهِ، والمُكاتِبُ الَّذي يريدُ الأداءَ، والنَّاكحُ الَّذي يريدُ العفافَ" [صحيح الترمذي]
• توطيد العلاقة بالأبناء والاستمتاع بهم والاعتماد عليهم مُستقبلًا.
• الزواج المبكر يُقلل من وطأة مشكلة صراع الأجيال لكون أن الفارق العمري بين الآباء والأبناء ليس كبيرًا.
• تقوية وتعزيز الأواصر الاجتماعية.
• نيل ثقة المجتمع وتقديره.
• تكثير المجتمع الإسلامي في الدنيا والآخرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلودَ، فإني مُكَاثِرٌ بكم الأنبياءَ يومَ القيامةِ" [أخرجه أحمد والطبراني]
إن كل ما سبق يُحتم علينا أن ننظر للويلات التي تعاني منها دول الغرب بعين الحذر والاعتبار، ويكفينا أن نعرف أن هناك دراسة أجرتها النقابة القومية للمدرسين البريطانيين أكدت هذه الدراسة على انتشار ظاهرة الطالبات الحوامل وأعمارهن أقل من ستة عشر عامًا، كما أثبتت الدارسة تزايد معدل الجرائم الجنسية والاعتداء على الفتيات بنسب كبيرة.
فلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معًا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعِّبه وتؤخِّره
رابعًا/ معوقات الزواج المبكر في العصر الحديث والآثار المترتبة على ذلك
حتى أقل من نصف قرن مضى كنا نرى أن الرجل لا يبلغ الأربعين حتى يصبح جدًا والمرأة لا تبلغ الثلاثين حتى تصبح جدة، وذلك للعرف السائد في ذلك الوقت بتشجيع الزواج المبكر للشباب عامة وللإناث خاصة مثلما كان يفعل السَّلف، وهذا العرف كان يتبسط في تكاليف الزواج؛ فقد كان بيت العائلة يؤوي الجميع، لكل فرد متزوج غرفته الخاصة ولا يطمح لأكثر من ذلك!
جاء في كتاب "فقه الأسرة وقضايا المرأة" للعلامة يوسف القرضاوي - رحمه الله - قال: "وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معًا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعِّبه وتؤخِّره"
دار الزمان دورته فتغيَّرت الأعراف الموروثة والقوانين الموضوعة وسادت في المجتمع أعراف وثقافات وقوانين للزواج مُغايرة تمامًا لما كان عليه الأجداد!
كل ذلك كان وراءه من يُروِّجون له ويُشجعونه من خلال:
• الهجوم على ظاهرة الزواج المبكر للإناث ويعدون ذلك اغتيالًا للطفولة - حسب زعمهم.
• اتهام من يزوج ابنته في سن مبكرة بأنه يتاجر بابنته ويتربَّح من تزويجها.
• البحث عن حالات فردية شاذة تضررت من الزواج المبكر وتسليط الضوء عليها ليثبتوا صدق ادعاءاتهم.
من ينتقدون الزواج المبكر يغضون الطرف عن انتشار ظاهرة الزواج العرفي والشذوذ الجنسي وعشرات المشكلات التي نتجت عن تأخير سن الزواج والتي تهدد استقرار المجتمع
• إرهاق الشباب بقيود تتمثل في المغالاة في تأثيث بيت الزوجية ومؤخر الصداق وقائمة المنقولات ومراسم حفل الزواج... الخ.
• غرس مفاهيم مغلوطة غيَّرت مفهوم الشباب عن الزواج كما غيَّرت أولويات حياتهم، وهنا كانت الطامة الكبرى على الجميع!
هذه الطامة الكبرى نقول بلا خجل ولا مواربة أنها تمثلت في:
• ارتفاع نسبة الجرائم وخاصة الجرائم المُخلة بالشرف.
• زيادة عدد اللقطاء أبناء العلاقات غير الشرعية.
• زيادة نسبة الإجهاض بين غير المتزوجات.
• لجوء الفتيات المراهقات إلى تناول حبوب منع الحمل.
• محاربة تعدد الزوجات فهم يعدونه هضمًا لحق المرأة.
• ارتفاع نسبة العنوسة.
• زيادة أعداد المُطلقات والأرامل.
• انتشار أوكار الرذيلة في المجتمع وعلى منصات التواصل الاجتماعي.
إن الحقيقة المرة هي أن من ينتقدون الزواج المبكر يغضون الطرف عن انتشار ظاهرة الزواج العرفي والشذوذ الجنسي وعشرات المشكلات التي نتجت عن تأخير سن الزواج والتي تهدد استقرار المجتمع.
الواقع الذي تعيشه المجتمعات يشير إلى أن الدول يجب عليها النزول بسن الزواج؛ لضمان عفة الشباب وتفرغه لتحصيل العلم والإنتاج، ولضمان استقرار المجتمع
خامسًا/ القانون الوضعي ومحاربة الزواج المبكر
من بين الأمور التي يحارب من خلالها الزواج المبكر في زماننا إرتفاع سن الزواج بالنسبة للجنسين عامة وللإناث خاصة، فإن الحقيقة المُرة تقول إنه في الوقت الذي تقلل فيه بعض الدول الغربية سن الزواج بالنسبة للإناث ليصل إلى 14 سنة في فنزويلا والمكسيك، و15 سنة في معظم الدول الإفريقية، و16 سنة في الأرجنتين والنمسا ورومانيا وبريطانيا، نجد أن الدول العربية والإسلامية ترفع سن الزواج للإناث ليصل إلى 18 سنة في مصر والسعودية والكويت والأردن وتونس، و20 سنة في ليبيا.
إن القانون الوضعي في الدول العربية والإسلامية يعد الأنثى طفلة مهما بلغت درجة بلوغها ونضجها طالما لم تصل للسن القانوني الذي وضعته الدولة، وإن الواقع الذي تعيشه المجتمعات يشير إلى أن الدول يجب عليها النزول بسن الزواج؛ لضمان عفة الشباب وتفرغه لتحصيل العلم والإنتاج، ولضمان استقرار المجتمع.
قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "تحدُث للناس أقضية بمقدار ما أحدثوا من فجور"، نفهم من هذا القول أنه كلما شاع الفجور كلما كان لزامًا على القانون والأعراف والثقافات أن يراعوا ذلك ويطالبوا بتعجيل الزواج.
إن الدول العربية والإسلامية التي تسن القوانين والتشريعات التي ترفع سن الزواج تضع مبررات وتروج لأفكار من بينها أن البنت لا تتزوج إلا بعد الانتهاء من التعليم الذي تنتهي رحلته في الفترة من 18 وحتى 22 سنة وقد تطول الفترة إذا كانت تدرس الطالبة في إحدى كليات القمة.
هنا نقول:
• ما الذي يربط بين الزواج وانتهاء التعليم؟
• وما ذنب البنت التي لم تكمل تعليمها أو لم تلتحق بالتعليم من الأساس؟
• ولماذا تنتظر الفتاة التي لم تلتحق بالتعليم حتى تبلغ سن 18 سنة حسب القانون وهي تصل لسن البلوغ والنضج قبل ذلك بسنوات؟
لا يكفي مجرد النصح لحماية الشباب من فورته وإلحاح الجنس عليه، بل لابد من تنفيذ إصلاحات اجتماعية واسعة المدى، وأول هذه الاصلاحات إزالة الحواجز المتعددة للزواج المبكر
في دراسة للدكتور فهد السنيدي - أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أشار إلى أهمية الزواج المبكر، وعدم تأخير الزواج بحجة الدراسة، فالجمع بين الزواج والدراسة يحقق مطلبين شرعيين في آن واحد، فالزواج رغَّب فيه الشارع وحث عليه، فهو حاجة فطرية للإنسان، كما أن تحصيل العلم مطلب شرعي، ولم يأت من الشارع ما يمنع الجمع بينهما، ما دام الوقت مُتسعًا لهما معًا، فهما كأداء الصلاة والزكاة والصيام في الوقت المُتسع لها جميعًا.
ويضيف الدكتور فهد قائلًا: "إن الزواج أمر فطريٌّ ومطلب شرعيٌّ، يُخشَى بسبب تركه أو تأخيره حدوث الفتنة، بخلاف الدراسة فلا ضرر في تأخيرها، ولا شك أن درء المفاسد مُقدم على جلب المصالح، ولعل في الجمع بين الدراسة والزواج استغلالًا لأفضل مراحل العمر في تحقيق ما لا بُدَّ منه على أفضل وجه ممكن، وكذلك توظيف لقدرات الشخص الجسمية والعقلية والفكرية في آن واحد، وإشباع كل منها في مجالاتها"
وجاء في كتاب "التربية الجنسية" لـ (سيرل بيبي): "لا يكفي مجرد النصح لحماية الشباب من فورته وإلحاح الجنس عليه، بل لابد من تنفيذ إصلاحات اجتماعية واسعة المدى، وأول هذه الاصلاحات إزالة الحواجز المتعددة للزواج المبكر كعدم كفاية الأجور، وأزمة السكن، والتعنت من جانب الوالدين وأصحاب العمل إلى غير ذلك"
ويقول الدكتور "فريدريك كهن" في كتابه (حياتنا الجنسية): "كان البشر في الماضي يتزوجون باكرًا، وكان ذلك حلًا صحيحًا للمشكلة الجنسية، أما اليوم فقد أخذ سن الزواج يتأخر؛ فالحكومات التي ستنجح في نص قوانين تسهِّل بها الزواج الباكر ستكون الحكومات الجديرة بالتقدير؛ لأنها تكتشف بذلك أعظم حل لمشكلة الجنس في عصرنا هذا"
الحكومات التي ستنجح في نص قوانين تسهِّل بها الزواج الباكر ستكون الحكومات الجديرة بالتقدير؛ لأنها تكتشف بذلك أعظم حل لمشكلة الجنس في عصرنا هذا
سادسًا/ قصة مأساوية
أقدم شاب في المرحلة الثانوية على اغتصاب فتاة في الصف الأول الثانوي (16 سنة) من إحدى قرى محافظة الدقهلية بمصر، وعندما حملت الطالبة وأنجبت طفلة أنكر الشاب فعلته، لجأت الطالبة (الأم) للقضاء فلم ينصفها، فقامت بعمل تحليل DNA لتثبت أن الطفلة هي ابنة الشاب، وهذا ما أظهرته التحاليل بالفعل، وعندما قدمت الأم للقضاء التحاليل التي تثبت أن الشاب هو والد الطفلة حكمت المحكمة بحبسه عامًا واحدًا، وذلك بعد اجراءات تقاضي استمرت لمدة 4 سنوات.
في مثل هذه الحالات يتشبث المحامي بثغرة قانونية هي أن سن المُغتصبة أقل من 18 سنة وبذلك فهي في نظر قانون الدولة طفلة، وكأن الفتيات الأطفال في بلاد المسلمين إماء في سوق النخاسة.
أخيرًا، نختم بما قاله (رجب أبو مليح) الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بماليزيا: "في بداية عملي في كلية الشريعة والقانون العامرة في ماليزيا كانت تأتيني الطالبة لتأخذ الإذن بالغياب عن حضور المحاضرات بسبب الوضع، ولولا أن الطلاب في الغالب لا يمزحون مع الأساتذة لظننت أنها تمزح، أو أنها غير صادقة في الادعاء، فإن سنها وجسمها لا يتخيل معه أحد أنها متزوجة أو يمكن أن تتزوج في هذا الوقت، وفي كل الحالات كنت أحيلها للإدارة، وأقول لها لو وافق العميد أنا ما عندي مانع.
ولما ناقشنا الأمر مع الإدارة تأكدنا من صدق هؤلاء الطالبات، وأن الواحدة منهن تأتي من المستشفى ما يؤكد قولها، وربما يكون هذا المولود الثاني أو الثالث، لو كانت في درجة الليسانس، أو يكون السابع أو الثامن إن كانت في مرحلة الماجستير أو الدكتوراة.
ولما اقتربنا من الطلاب والطالبات وجدنا أن الكثير منهم يتزوج في بداية الدراسة، ويعيش معها في حجرة في بيت أهلها، أو تعيش معه في حجرة في بيت أهله، ويستمر هذا الوضع سنوات حتى يحصلوا على بيت خاص.
أما المهر فيختلف من ولاية إلى أخرى وفي الغالب يكون في حدود 100 دولار، والذهب يكون خاتمًا صغيرًا، والأثاث مَرتبة على الأرض أو على سرير في أحسن الحالات.
ولأن كلهم أو جلهم يأكلون من المطاعم، فلا وقت ولا خبرة في الطبخ، ولا يحتاجون لشيء من أدوات الطبخ أو الثلاجة، أو غيرها.
صحيح أن هذه الأشياء في الغالب تُشترى لاحقًا، لكن ليست شرطًا لبداية الحياة الزوجية، والذي يعينهم على هذا أن الحكومة تعطي لهم قرضًا للدراسة الجامعية، هذا القرض يكفي للدراسة والإعاشة المتواضعة جدًا، ويُسدَّد هذا القرض من عمل الطالب بعد التخرج، ويُعفى منه المتفوقون"
اللهم زوِّج شباب المسلمين وقدِّر لهم العفة والصيانة والرزق الوفير.