قلنا في المقالتين السابقتين من هذه السلسلة إن البيئة الخارجية وتعامل الوالدين يؤثران بشكل كبير في النمو العاطفي والذكاء العاطفي عند الأطفال وهذا التأثير يزداد بشكل كبير في مرحلة المراهقة؛ لأن المراهق نفسه خلال هذه الفترة يتعرض لتغييرات جسمانية وهرمونية كبيرة تؤثر على استقراره الانفعالي، كما يتعرض المراهق إلى عدم الاستقرار في تحديد هويته؛ فهو لم يعد يشعر بأنه ينتمي لعالم الأطفال وفي نفس الوقت يجد أنه غير مرحب به في عالم الكبار، والوالدان – أيضًا - في معاملتهما لهذا المراهق يشعران بعدم استقرار، فلم يعودا يستطيعان رؤيته كطفل ويحتملان أخطاءه، ولا يثقان به أن يتصرف ككبير.
اقرأ أيضا:
يظن الوالدان أن مرحلة المراهقة هي مرحلة قطف ثمار تربية وتعب ما يقارب عشر سنوات سابقة، لذا فإنهما ينتظران من المراهق أن يكون على أفضل حال، وفي الواقع فإن المراهق ليس ناضجًا وإنما يسير في طريق النضج، وتكون هذه الفترة أكثر صعوبة من سابقتها ولاحقتها، يمكنني أن أشبهها بحالة جرح، عندما يقترب من الشفاء فإنه يتسبب بحكة شديدة وإزعاج شديد، وهكذا هي مرحلة المراهقة قد تتسبب للمراهق ولأهله بحالة من الإزعاج التي تسبق النضج، ليس بالضرورة أن يمر كل المراهقين بهذه الشدة، لكن غالبًا تظهر بعض سماتها.
يظن الوالدان أن مرحلة المراهقة هي مرحلة قطف ثمار تربية وتعب ما يقارب عشر سنوات سابقة، لذا فإنهما ينتظران من المراهق أن يكون على أفضل حال، وفي الواقع فإن المراهق ليس ناضجًا وإنما يسير في طريق النضج
قلنا إن المراهق يشعر بعدم استقرار؛ لذلك فإنه يلجأ لجماعة الأصدقاء، التي يشعر نحوها بالانتماء أكثر وبالاستقرار أكثر، بينما قد يستقل أكثر عن والديه، فلا يشاركهم أحداث يومه كما كان يفعل، ويجلس وحده في غرفته، يحاول حل مشكلاته بنفسه.
يشعر بعض الأهل بالأسى عند محاولة المراهق الاستقلال، ظنًا منهم أن المراهق قد استغنى عنهم، لكن علينا أن ندرك طبيعة كل مرحلة عمرية، وأن هذه الفترة مؤقتة، يكمن التحدي في تحقيق توازن بين السماح للمراهق بالاستقلالية مع وجودنا بجانبه.
كيف يمكن أن نحقق التوازن للمراهق؟
يمكن أن نحقق التوازن للمراهق باتباع ما يلي:
1. نراقب المراهق، بدون تدخل مباشر، وطالما أن الأمور تحت السيطرة، نتركه يحلها بنفسه.
2. نخبره أننا موجودون بقربه في حال احتاج إلى مساعدة منا.
3. ألا نلومه إن أخطأ، وإن كنا قد نبهناه إلى الخطأ سابقًا، وهذا لا يعني أن ندعه يخطئ، بل يعني أن نوجهه إلى طريقة إصلاح خطئه لكن بدون لوم، أو لنقل بدون لوم كثير (تكفي بضع كلمات) سمعت جملة أعجبتني: "تأثير المحب على المراهق أكبر من تأثير المحق"
تشير الأبحاث إلى أنه كلما استطاع المراهق تحديد وإدراك الفروق بين المشاعر الصعبة أكثر، كلما استطاع إدارتها بشكل أفضل، مثلًا المراهق الذي يقول أنا أشعر بالحزن، أو أشعر بالانزعاج، أو بالإحراج أو بالإحباط ويحدد نوع الشعور بشكل دقيق، يستطيع التعامل معه أفضل بكثير من ذلك المراهق الذي يقول فقط: أنا أشعر بالضيق، تحديد الشعور يعني أنه استطاع تحديد مصدره غالبًا وتحديد الاستراتيجيات التي سيتعامل معها ثانيًا.
بعد أن يدرك المراهق الفرق بين المشاعر، نصل للجزء الصعب، والذي يحتاج تعليمًا نظريًا، إضافة إلى دعم وتدريب، في هذه المنطقة تأتي المهمة الأهم للوالدين
يمكن أن نُعلّم المراهق التفريق بين المشاعر كما يلي:
ورد في موقع: (Psycology today) أن تحديد الشعور يبنى على ما يركز عليه الإنسان في هذه الحالة، مثلًا:
الخوف = التركيز على الخطر
الألم = التركيز على الإصابة
الحزن = التركيز على الخسارة
الغضب = التركيز على الانتهاك
الإحباط = التركيز على عدم وجود حل
بعد أن يدرك المراهق الفرق بين المشاعر، نصل للجزء الصعب، والذي يحتاج تعليمًا نظريًا، إضافة إلى دعم وتدريب، في هذه المنطقة تأتي المهمة الأهم للوالدين، فعلى الرغم من أن المشاعر هي حامل رسالة جيد جدًا، إلا أنها يمكن أن تكون مستشارًا سيئًا للغاية.
يعني أن الله تعالى جعل المشاعر تحمل لنا رسالة أن هناك شيئًا يجري حولنا وعلينا الانتباه له، أو يجري بداخلنا وبتفكيرنا، وهي بذلك تؤدي رسالتها بصدق وعلينا عدم تجاهل هذه الرسالة، لكن قد تنصحنا بردة فعل غير مناسبة، تتسبب لنا بمزيد من المشاكل، أو تحجب عنا بعض المنافع، فمثلًا:
- يمكن للغضب أن ينصح "بالانتقام" ، بدلًا من إيجاد طريقة بناءة لمعالجة الخطأ لتحسين الأمور.
- يمكن للخوف أن ينصح "بالهرب" بدلًا من الاستعداد ومواجهة التهديد لتحسين الأمور.
- يمكن للعجز أن ينصح "بالاستسلام" بدلًا من الاستمرار في المحاولة لتحسين الأمور.
- يمكن للخجل أن ينصح "بالصمت" بدلًا من التحدث لتحسين الأمور.
ما نحتاج إلى تعليمه للمراهق، أن ينتظر قليلًا من الوقت، حتى تتنحى المشاعر ويعود العقل للعمل، وفي هذا الوقت بالذات يحتاج المراهق دعمًا لا لومًا، نذكره بأن يتريث قبل اتخاذ القرار، وإذا أخطأ باتخاذ ردة فعل بناء على مشاعره، نناقشه في ردة فعله ليكتشف أن ردة الفعل الأولية غير صحيحة، بدلًا من لومه عليه، مما يجعله يبتعد أكثر وتتعاظم الانفعالات عنده أكثر.
إذا كان المراهق منخرطًا في سلوكيات ضارة مثل الانسحاب من المجتمع أو مصادقة رفاق السوء، أو التدخين، فيجب أن يحصل على نوع من المساعدة النفسية
قد يختار المراهق الصمت لفترة بدل الحديث، ولا بأس في ذلك؛ فإن ما يحتاج الآباء إلى تقييمه هو:
• قدرة المراهق على التحدث عما يجري
• طول المدة التي تستغرقها هذه التغيرات.
• السلوكيات التي تتسبب فيها.
إذا لم يتحدث المراهق عما يجري لقترة طويلة، أو إذا استمرت الحالة العاطفية الصعبة لأكثر من عدة أشهر، أو إذا كان المراهق منخرطًا في سلوكيات ضارة مثل الانسحاب من المجتمع أو مصادقة رفاق السوء، أو التدخين، فيجب أن يحصل على نوع من المساعدة النفسية.
ولنتذكر أن مرور المراهق بتقلبات نفسية وعاطفية ومزاجية قوية هو أمر طبيعي قد نجده في بعض الأحيان في قمة سعادته وبعد دقائق يتحول إلى قمة الحزن كما قد يصبح أكثر حساسية لبعض الأمور التي لم يكن ينزعج منها في الماضي، حتى مشاعره الدينية تصبح أشد، ويميل للمثالية خاصة أن فترة المراهقة تترافق غالبًا مع البلوغ وبداية المحاسبة الدينية، وهو يحتاج منا دعمًا في هذه الحالة وليس لومًا، وأعود لأقول إن الدعم لا يعني تركه بلا توجيه ولا تربية، بل يعني عدم لومه وتفهّم أن وضعه طبيعي في مرحلته العمرية، وليس لسوء في ابننا خاصة.