يقول الكاتب والفيلسوف الروسي (فيودور دوستويفسكي) في روايته (الأدب الروسي): "يُقال إنه في إحدى البلدات الفرنسية في القرون الوسطى، كانت النساء يحصلن على سُمِّ مُخفف ويضعونه في طعام الرجل صباحًا، وعند عودته في الليل تعطيه الزوجة المُضاد ليبطل مفعول السُّم الذي يسير في عروقه.
ولكن في حال عدم عودته إلى البيت، سيتأخر حصوله على الترياق وبالتالي سيصاب الزوج بصداع وغثيان وضيق تنفس بالإضافة لشعوره بالاكتئاب وكلما زادت فترة تأخره عن بيته سيتضاعف مفعول السُّم، وفور عودته للمنزل تعطيه زوجته المضاد بدون علمه فيتحسن حاله في غضون دقائق معدودة، كان الرجل يظن بأن بقاءه خارج منزله هو السبب بما حدث معه فيزداد تعلقه بزوجته وبيته.
أولًا/ بين يدي الموضوع
إن العلاقة بين الأزواج من الموضوعات التي قتلت بحثًا؛ فكم أُلِّفت فيها كتب وقدِّمت فيها نصائح وتوجيهات، وكم عُقدت من أجلها ندوات ومُحاضرات، وكم صِيغ فيها من أشعار وأدبيات، وكم تناولتها دراسات ونظريات وفلسفات، وكل يُقدِّم حُججه ويُدافع عنها ويُنافح، وكأن العلاقة بين الأزواج طريق بين الأدغال أو كأنها سرداب في مغارات الجبال، أو كأنها طريق في طبقات السماء أو في أعماق البحار.
أثناء الحديث عن العلاقة بين الأزواج تجد لكلٍ وُجْهةٌ هو مُوليها، هذه الوجهة تنبثق من نشأة قائلها وتربيته وما لديه من ثقافة وما يعتنق من أفكار وتوجهات ومعتقدات
وأثناء الحديث عن العلاقة بين الأزواج تجد لكلٍ وُجْهةٌ هو مُوليها، هذه الوجهة تنبثق من نشأة قائلها وتربيته وما لديه من ثقافة وما يعتنق من أفكار وتوجهات ومعتقدات.
- تجد من يريد أن يقدم نصيحة مُخلصة شافية كافية ولكنه ليس لديه الزاد الذي يؤهله لذلك.
- وتجد من لديه الزاد الكافي غير أن فطرته قد طمستها ثقافات وأفكار وتوجهات ومعتقدات ما أنزل الله بها من سلطان، هذه الثقافات والأفكار والتوجهات والمعتقدات تجعل صاحبها يلوي عنق النصوص ليًّا ويؤولها تأويلًا ليثبت صحة أفكاره وليخدم بها توجهاته ومُعتقداته.
- وتجد من اتخذ إلهه هواه في هذا الجانب فيقدم من النصائح السلبية والمُعتقدات البالية ما يُفسد العلاقات بل ويفسِّخها، ولا يسعد له قلب حتى يرى البيوت وقد اشتعلت نارًا واستحالت الحياة فيها.
- وتجد من رزقه الله تعالى من الفِطنة والحكمة والكياسة ما تجعله يتعامل مع الأمور تعامل النِّطاسي الذي يهوي بمبضعه على أصل الداء فيجتثه من جذوره فلا ترى له باقية.
إن النموذج الأخير هو الذي يهمنا، وهو الذي سنعرِّج عليه في حديثنا بإذن الله تعالى، مع التنبيه على تجنب النماذج الأخرى التي تزيد الطين بلة عن قصد أو دون قصد.
ثانيًا/ روائع العقلاء في نصيحة النساء
1- قصة السم الذي يقتل الأزواج
ذات مرة تعبت فتاة جميلة من حياتها الزوجية وأرادت قتل زوجها والتخلص منه للأبد، ولكنها لم تكن تعرف كيف تنفذ ذلك! توجهت الفتاة لأمها وصارحتها بما يدور في ذهنها، وأنها تعبت من زوجها ولم تعد قادرة على العيش معه، وأنها تريد أن تقتله ولكنها تخشى أن يُكتَشَف أمرُها وتقضي بقية حياتها في السجن، وطلبت من أمها النصيحة بخصوص هذا الأمر!
قالت الأم لابنتها إنه يمكنها مساعدتها ولكن، هناك مهمة صغيرة يجب عليها أن تؤديها، سألت الابنة أية مهمة؟ وقالت إنها مستعدة لتحمل أية مهمة للتخلص من زوجها، فقالت الأم: "حسنًا، سيكون عليك أن تتصالحي مع زوجك؛ كي لا يشك فيك أحد بعد أن تقتليه، وعليك الاهتمام بالزينة والنظافة فتبدين شابةً وتجذبينه إليك، وعليك أن تعتني به وبكل شؤونه جيدًا، كما يجب أن تكوني صبورة معه ومُحبَّة له، وأن تجالسيه وتسامريه وتمازحيه وتحسني الاستماع إليه، وأن تُقدِّري ظُرُوفَه، أنفقي من ماله بدون إسراف ولا إتلاف، ولا ترفعي صوتك بين يديه، ولا تظهري له غضبًا ولا تأففًا، كما يجب عليك أن تحسني معاملة أهله، فإذا قتلتِه لا يتجه شكَّهم نحوك، فهل تستطيعين فعل كل ذلك؟"
الرجال يا بنيتي ليسوا أشرارًا كما تعتقد معظم النساء، ولكن طريقة ارتباطنا بهم هي التي تحدد أسلوب معاملتهم لنا ومشاعرهم تجاهنا، أرجو منك يا بنيتي أن تكوني قد استوعبت الدرس جيدًا ليصفو لك زوجك ولتبتسم لكما الحياة
قالت الابنة: "نعم أستطيع"، هنا قالت الأم: "خذي هذا المسحوق إذًا وصُبِّي قليلًا منه في وجبته اليومية، وسوف يقتله المسحوق ببطء" نفذت الفتاة نصيحة والدتها التي أشارت بها عليها.
بعد شهر عادت الفتاة لأمها وقالت: "أمي، ليس لديَّ الآن أية نية لقتل زوجي أو التخلص منه، من الآن صرت أحبه؛ لأنه تغيَّر تمامًا، هو الآن زوج حنون فوق ما أتخيل، وفوق ما تتمنى أي زوجة من زوجها، ماذا يمكنني أن أفعل لإبطال مفعول السُّم الذي وضعته له في طعامه لمدة شهر!"
أجابتها الأم قائلة: "لا تقلقي يا ابنتي، ما أعطيتك إياه كان مُجرد مسحوق عاديّ لن يقتله أبدًا، في الواقع، كنت أنت السُّمَّ الذي يقتل زوجك ببطء بالتوتر والخلاف وافتعال المشكلات وتضخيمها، وعندما بدأتِ بتحسين معاملتك له، وإعطائه حقه عليك، وإكرامِه، وجدتِ منه تغيرًا جعلك تتمسكين به ولا تتمنين مفارقته، الرجال يا بنيتي ليسوا أشرارًا كما تعتقد معظم النساء، ولكن طريقة ارتباطنا بهم هي التي تحدد أسلوب معاملتهم لنا ومشاعرهم تجاهنا، أرجو منك يا بنيتي أن تكوني قد استوعبت الدرس جيدًا ليصفو لك زوجك ولتبتسم لكما الحياة"
2- ترويض الزوج أم ترويض القرد!
يُحكى أن امرأة كانت في شقاق وشقاء دائمين مع زوجها فذهبت إلى أحد الحكماء لتستشيره في أمرها وأمر زوجها، فاستمع الحكيم إلى قصتها وطلب منها أن تحضر له ثلاث شعرات من ذقن قرد لكي يقدِّم لها النصيحة التي تسعدها وتسعد زوجها، وأمهلها ثلاثة شهور.
احتارت المرأة وشعرت بأنه من المستحيل أن تستطيع إحضار الشعرات الثلاث التي طلبها ولكنها سُرعان ما ذهبت إلى حديقة الحيوان وسألت حارس القرد عن عادات القرد وطباعه، وعمّا يحب ويكره، وعن الطريقة التي تستطيع بها استمالته وترويضه، أجاب الحارس عن كل أسئلتها باستفاضة.
واظبت المرأة على الذهاب إلى القرد يوميًا تلاعبه وتقدم له ثمار الفاكهة وكل ما يشتهيه كي يألفها ويستكين لها إلى أن تم لها ما أرادت ونزعت ثلاث شعرات من ذقن القرد!
وفي نهاية المدة التي حددها لها الحكيم، ذهبت المرأة إليه ومعها ما طلب، فقال لها: خبِّريني بما صنعت؟ حكت المرأة كل ما فعلته طوال الشهور الثلاثة لكي تستميل القرد وتروّضه إلى أن وصلت إلى مبتغاها!
هنا ضحك الحكيم وقال لها: يا مسكينة! لو عاملت زوجك من البداية كما عاملت القرد لما وضعت نفسك في كل هذا العناء.
كثير من النساء يُضطررن إلى العيش مع أزواج حياتهم قائمة على الحدة والاستقواء على أمل أن يغير الزوج من نفسه وسلوكه، ولكن هذا وحده لا يكفي، بل يجب على الزوجة أن تغير من نفسها وتعدّل من سلوكها، وتطور من فهمها لمعاني كثيرة قد تغفل عنها مثل مفهومها للحياة الزوجية، ومفهومها للقوامة، ومفهومها للأنوثة، ومفهومها عن طباع الأزواج
ثالثًا/ ضوابط يجب على الزوجين مراعاتها
1. كثير من النساء يُضطررن إلى العيش مع أزواج حياتهم قائمة على الحدة والاستقواء على أمل أن يغير الزوج من نفسه وسلوكه، ولكن هذا وحده لا يكفي، بل يجب على الزوجة أن تغير من نفسها وتعدّل من سلوكها، وتطور من فهمها لمعاني كثيرة قد تغفل عنها مثل مفهومها للحياة الزوجية، ومفهومها للقوامة، ومفهومها للأنوثة، ومفهومها عن طباع الأزواج، إلى غير ذلك من المفاهيم التي تضمن استقرار العلاقة الزوجية واستمرارها.
2. إن الشرارة الصغيرة في الخلافات الزوجية إما أن تنطفئ في وقتها وإما أن تتحول إلى حريق هائل لا يُبقي ولا يذر، والزوجة العاقلة هي التي تسكب من بَرَد عاطفتها على نار غضب زوجها فلا تتركها إلا رمادًا.
3. لا بد أن تفهم الزوجة أن الله تعالى قد أودعها من المفاتن وسُبل إغراء الزوج ما يمكنها أن تجعل منه حَمَلًا وديعًا يربض بين يديها، وإن كانت طباعه طباع الوحش الكاسر، ومن لا تدرك ذلك فلا تلومن إلا نفسها.
4. على الزوجات أن يفهمن جيدًا أن الرجل في استطاعته تحمل جبالٍ من أعباء الحياة في سبيل تحقيق حياة هادئة مستقرة خالية من المشاكل ومن النكد الزوجي، فكما يُقال: "الرجل يحتاج عشر سنوات لترويض المرأة في حين تستطيع المرأة أن تروض الرجل بابتسامة واحدة"
5. على الزوجات أن يدركن أن شفرة قلب الزوج ليست بالمعقدة التي تحتاج إلى جهد مُضنٍ وليست بالسهلة التي يُستهان بها.
إن شفرة قلب الزوج أقرب ما تكون إلى شفرة قلب الطفل - وإن تظاهر بعكس ذلك - فيكفيه القليل ويُسعده التدليل، ويُدميه الفراق ويُدنيه العِناق.
إن قلب الزوج لا يحتاج إلا إلى زوجة تفهم معنى الأنوثة ومعنى الرجولة، وتعرف الفرق بين العقل والعاطفة فتسكب من هذا على ذاك بمقادير مُحددة وفي أوقات مُحددة وأماكن مُحددة، حينها يسلم لها الرجل مفاتيح قلبه فتتربع على عرشه وتتجول في أركانه وجنباته وقتما شاءت وكيفما شاءت؛ لأنه ليس أعز على قلب الزوج من زوجة تَعرف كيف تدفئ قلبه بشمس عقلها ولهيب عاطفتها.
6. على الزوجة أن تعبر عن حُبِّها لزوجها بالأسلوب الذي يحبه من مأكل ومشرب وملبس وهوايات واهتمامات وغير ذلك، وإن تعارض شيء من ذلك مع ميولها وهواها، فهل للحب معنى بدون تضحية! والزوج عليه مثل ذلك سواءً بسواء.
7. على الزوجين أن يحرصا كل الحرص على ألا يصل طرف منهما إلى مرحلة اليأس من صلاح الآخر؛ لأنه في هذه الحالة سيلجأ كل طرف إلى "الخرس الزوجي" أو إلى ما يُسمى "فقدان الشغف"، وإذا وصلت الحياة الزوجية إلى هذه المرحلة فلن تجد بين الزوجين إلا كرْهًا وصدودًا، حينها يصبح القرب والبُعد بين الزوجين سواء، بل يجد كلا الزوجان في البُعد متنفسًا للصعداء، وهذا ما يُحوِّل الحياة الزوجية إلى جحيم ويجعل العلاقة بين الزوجين على فوهة بركان.
8. وعلى الزوجين أن يعرفا أن الجفاء الروحي والبعد عن الله تعالى من أكبر مُنغصات الحياة الزوجية، فيعيش الزوجان "معيشة ضنكًا"، معيشة منزوعة البركة في كل شيء، فلا يتحقق الرضا ولا القناعة ولا التفاهم ولا الهداية للخير.
الخاسر هو من يقارن زوجته بأخرى أو من تقارن زوجها بآخر، فكل زوجة بداخلها من نقاط التميز ما إن تعهدها الزوج بالرعاية أسعدته وأغنته عن غيرها، كما أنه ما من زوج إلا وبداخله من نقاط التميز ما إن تعهدتها الزوجة بالرعاية أسعدها وجعلها ملكة مُتوجة
9. وعلى الزوجين أن يعرفا أن معظم الخلافات الزوجية سببها هو أن الزوج يريد من زوجته أن تفكر بعقله، والزوجة تريد من زوجها أن يفكر بعاطفتها، فيصطدمان، إن الأصل في الحياة الزوجية هو أن يمزج الرجل عقله بمزيد من العاطفة، وأن تمزج المرأة عاطفتها بمزيد من العقل، فيلتقيان.
10. وعلى الزوجين أن يعرفا أنه ليس هناك ما هو متفق عليه في المشاعر الإنسانية؛ فالقلوب ليست قوالب جامدة، وبصمات القلوب تختلف من زوج إلى آخر ومن زوجة إلى أخرى، فهناك من الزوجات من يُبهرها الذهب والماس بينما تجد أخرى لا تطلب سوى العاطفة الجياشة والحب والاحتواء والإحساس، كما أن هناك من الأزواج من يبهره من الزوجة جمالها وآخر يبهره من الزوجة حكمتها ورجاحة عقلها.
وأخيرًا أقول
إن الخاسر هو من يقارن زوجته بأخرى أو من تقارن زوجها بآخر، فكل زوجة بداخلها من نقاط التميز ما إن تعهدها الزوج بالرعاية أسعدته وأغنته عن غيرها، كما أنه ما من زوج إلا وبداخله من نقاط التميز ما إن تعهدتها الزوجة بالرعاية أسعدها وجعلها ملكة مُتوجة.
قال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131]
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا