كيف يُنتخب العلمانيون في بلاد المسلمين؟!

الرئيسية » بصائر من واقعنا » كيف يُنتخب العلمانيون في بلاد المسلمين؟!

العجيب المدهش ليس فوز الإسلاميين في تركيا للمرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة على التوالي، ولكن العجيب المدهش هو أن يَنتخبَ بعضُ الأتراكِ العلمانيين في مقابلة الإسلاميين.

لو افترضنا جدلًا أن المنهج الإسلامي الذي ينادي به الإسلاميون لا يصلح لإدارة أمور الحياة، وقد أمر الله به على الرغم من ذلك، وأن غير المنهج الإسلامي من المناهج العلمانية هي القادرة على الإدارة على أفضل وجه، لكان لزامًا على كل مسلم عاقل يسعى لمصلحته أن يؤيد المنهج الإسلامي وأربابَه؛ ذلك لأنه حينها يسعى لإصلاح حياته الآخرة التي تمتد لمليارات السنوات، في مقابل الحياة الدنيا التي لا تمتد لأكثر من مائة عام على الغالب.

العقل والمصلحة يستدعيان أن يعمل المسلم لحياته الأبدية، ولو ضحى في مقابلها بحياته الدنيا، فكيف وقد جعل الله في منهجه الإسلامي صلاح الدنيا قبل الآخرة، والمسلم حينما يختار منهج الله، ويختار القائمين عليه، فإنه يختار حينها ما يُصلح دنياه قبل أخراه، وكيف، وقد أثبتت المناهج العلمانية كلها فشلها في بلاد المسلمين، فلم تُصلح لهم عيشة، ولم تُقم لهم أوطانًا قويةً في مقابل أوطان العالم القوية الفتيّة.

المعادلة واضحة وبيّنة: كتب الله على أمة الإسلام التلازم الحتمي بين صلاح دنياها وأخراها، وهو ما لن يكون إلا في منهج الله السماوي، الذي أنزله في كتابه وفي سنة نبيه، وبغير ذلك لن يكون إلا الخسران في الدنيا والآخرة، وهذا ما لم يكتبه الله على الأمم الأخرى المعاصرة لأمة الإسلام، فالله يعطيها الدنيا إن هي أخذت بأسباب النجاح فيها، مع خسرانها للآخرة بلا شك.

أرض الإسلام في أمة الإسلام أرض ذات طبيعة خاصة، لا تُنبت إلا بذور الإسلام، وأية بذور أخرى غير بذور الإسلام لن تنبت فيها، فإن نبتت فلن تينع وتزهر، وإن أينعت وأزهرت فلن تُثمِر، وإن أثمرت فلن تنضج، وإن نضجت فلن تُطعم، وإن أطعمت فلن يكون طعمها إلا علقمًا وسُمًا، ليس فيه إلا المرارة والسّقم

وذلك من تمام رحمة الله بأمة الإسلام، فلو أعطاها الله الدنيا إن هي أخذت بأسبابها بعيدًا عن نهجه وشريعته، لأدى ذلك إلى بعدها جميعها أو غالبيتها عن الله ودينه ونهجه، وهو ما سيخسرها الآخرة، وهو ما لا يحبه الله لها.

إن الله يحب أمة الإسلام، ولو لم يكن يحبها لما أذِن لها بالهداية إلى دينه الحق، ومن تمام حبه لها أن يسدّ عليها دروب الدنيا كلها فلا تستطيع السير إلا من درب الإسلام، ويغلق عليها الأبواب كلها فلا يُفتح لها إلا من باب الإسلام، ومن خلف النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

يحب الله أمة الإسلام فيحب أن يختصها برحمته وجنته في الآخرة، ومن تمام حبه لها أيضًا أنه لم يجعل منهجه لكسب الآخرة فقط، بل لكسب الدنيا والآخرة معًا.

أرض الإسلام في أمة الإسلام أرض ذات طبيعة خاصة، لا تُنبت إلا بذور الإسلام، وأية بذور أخرى غير بذور الإسلام لن تنبت فيها، فإن نبتت فلن تينع وتزهر، وإن أينعت وأزهرت فلن تُثمِر، وإن أثمرت فلن تنضج، وإن نضجت فلن تُطعم، وإن أطعمت فلن يكون طعمها إلا علقمًا وسُمًا، ليس فيه إلا المرارة والسّقم.

وعندما نبحث في تعليل هذا العجيب المدهش الذي أشرنا إليه، من انتخاب بعض الناخبين للمرشحين العلمانيين وتقديمهم على الإسلاميين في بلاد المسلمين، فإن التعليل سيكون له أكثر من بُعد.

فبعض هؤلاء الذين يفضلون العلمانيين على الإسلامين هم علمانيون أقحاح، لعبت بهم العلمانية، ولعب بهم دعاتها وأربابها، حتى أصبحوا يفضلون أي منهج على منهج الإسلام، ويستجيبون لأي ناعق يرفض الإسلام دينا ومنهجًا وتشريعًا.

عداء هؤلاء في الحقيقة ليس للمنهج الإسلامي كتشريع، ولكنه عداء لدين الإسلام كله، بقناعة عقائدية ظاهرة أو مستترة، هي في حقيقتها كفر صريح بالإسلام برمته.

الذين يفضلون العلمانيين، جاهلون مخدوعون، يفضلونهم في الجانب السياسي، ولا ينكرون الدين في جوانبه الأخرى، وهم لا يعرفون أن حاكمية الإسلام هي من صميم الإسلام، وأن التفريط في هذه الحاكمية هو كالتفريط في الصلاة والصيام، وفي فرائض الإسلام التي لا يكون الإسلام إلا بها

وهؤلاء الذين يفضلون العلمانيين، جاهلون مخدوعون، يفضلونهم في الجانب السياسي، ولا ينكرون الدين في جوانبه الأخرى، وهم لا يعرفون أن حاكمية الإسلام هي من صميم الإسلام، وأن التفريط في هذه الحاكمية هو كالتفريط في الصلاة والصيام، وفي فرائض الإسلام التي لا يكون الإسلام إلا بها.

وبعيدًا عن الجدل حول هذه النقطة، وحول تكفير من لم يقل بحاكمية الإسلام، وحول العذر بالجهل والتأويل في المسألة، فإن الواجب على الإسلاميين السعي من أجل إعلام هؤلاء وإفهامهم، وإزالة الجهل والالتباس عندهم، وذلك من تمام واجب الدعوة المفروضة عليهم لهداية الناس.

وبعض من يفضلون العلمانيين، حاقدون حسادون لأرباب المشروع الإسلامي، فهم حين يعطون أصواتهم للعلماني في مقابل الإسلامي هم في الحقيقة يعطون أصواتهم لمنافس الإسلامي أيًا كان، فقد ملأ الحقد والحسد قلوبهم على الأفراد لا على المنهج.

والمؤسف أن من هؤلاء إسلاميين منافسين، بلغ خلافهم مع الإسلاميين المترشحين مبلغه، حتى وقفوا مع العلمانيين في مقابلهم، والخلاف بين الإسلاميين هنا ليس خلافًا في التوجهات والرؤى، ولكنه خلاف على توزيع الكراسي والمشاركة في الحكم، وإن كان الحقد يملأ قلوب بعض الإسلاميين غير المتحكمين على البعض الآخر المتحكم، فإن حب الاستئثار بالسلطة دون الآخرين يملأ هو الآخر قلوب الإسلاميين المتحكمين.

والمشروع الإسلامي يضعف حتى يكاد يضيع بين أبنائه، لاستئثار هؤلاء بالأمر دون أولئك، وحقد أولئك لذلك على هؤلاء، وبعض هؤلاء الذين يفضلون العلمانيين، يرون سلوكًا شائنًا في بعض الإسلاميين، كحب الاستئثار بالسلطة، والفساد المالي، فيسخط على التجربة الإسلامية برمتها، ولو أنصف هؤلاء لعلموا أن المنهج غير الأشخاص، ولو فسد بعض الأشخاص الحاملين للمنهج، فإن منهج الله يبقى صالحًا مصلحًا، والواجب حينها أن نبحث عن الأشخاص الصالحين المؤهلين لحمل المنهج الصالح المصلح.

على قدر النجاح في تطبيق المنهج، يكون الاختيار والتفضيل والتقديم، ولا مكان في بلاد الإسلام لينافس منهجَ الإسلام أيُّ منهجٍ آخر، ولا لينافس الإسلاميون غيرهم من غير الإسلاميين

منهج الإسلام هو أصلح منهج لإدارة شؤون الحياة، فهو المنهج الإلهي، الذي وضعه الله، ومَنِ الأعلم من الله بما يصلح الناس؟!

يقول تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122]، ويقول سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا} [المائدة: 50]، ويقول كذلك: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8]، والاختيار لا بد أن يبقى في إطار ذلك المنهج، بين رجاله الحاملين له، فإن فسد بعض الإسلاميين، فإن الأكثرين من الصالحين منهم، وإن كان منهم مستبدون، فإن أكثرهم عادلون منصفون غير مستبدين.

المنافسة في بلاد المسلمين لا بد أن تنحصر في الإسلاميين، ولينافس فيها الإسلاميون إسلاميين آخرين، كلهم يقتبسون من نهج الإسلام وشريعته، وعلى قدر الاقتباس، وعلى قدر التماثل بين الأقوال والأفعال، وعلى قدر النجاح في تطبيق المنهج، يكون الاختيار والتفضيل والتقديم، ولا مكان في بلاد الإسلام لينافس منهجَ الإسلام أيُّ منهجٍ آخر، ولا لينافس الإسلاميون غيرهم من غير الإسلاميين.

ليس ذلك احتكارًا لأشخاص دون أشخاص، ولكنه احتكار لمنهج دون كل المناهج الأخرى، فلا مكان في أرض الإسلام إلا للإسلام دينًا وشريعًة ومنهاجًا، وكل الذين يحاولون في غير ذلك هم جاهلون واهمون، ونحن ندعوهم للتعقل والتريث، فإن كانوا يريدون المنافسة على السلطة، لتقديم الأصلح فيها، فعليهم أن لا يصادموا دين الأغلبية ومنهجهم.

عليهم أن يقبلوا دين الإسلام ومنهجه، وليأخذوا منه على قدر فهمهم وتأويلهم، فإن أبوا فلا مكان لهم ولا كرامة، وبينهم وبين الإسلاميين الانتخابات؛ ليعرفوا قدرهم الحقيقي، ذلك إن خُلّي بين الناس وبينها، بحرية كاملة ونزاهة تامة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

من عوامل ثبات أهل غزة

قال تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم …