ادخلوا عليهم الباب!

الرئيسية » بصائر الفكر » ادخلوا عليهم الباب!
الايجابية والمبادرة ادخلوا عليهم الباب أساسيات النصر والتمكين محمد صادق

إن التحرك الإيجابي، والمبادرة العاقلة، والمُباغتة المدروسة، من أساسيات النصر والتمكين ومن صفات المؤمنين الصادقين، قال تعالى: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]، وقال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 14]

‏‏توطئة

• لقد جرت سنة الله تعالى أن التمكين لا ينزل على (تنابلة) ينتظرون حدوث المعجزة في زمن انتهت فيه المعجزات!

• إننا لسنا أعز على الله تعالى من أنبيائه الذين لم ينزل عليهم التمكين إلا وهم في أقصى درجات البذل والتضحية والمعاناة!

• إن مرحلة للبيت رب يحميه، ونزول الطير الأبابيل كانت في زمان لم يكن فيه مُسلم مُوحد واحد على ظهر الأرض لذا تدخل الله تعالى ليحمي بيته وليهزم عدوه!

• إن الله تعالى لم يتدخل عندما انتُزِعَ الحجر الأسود وسُرِقَ من قبل القرامطة وظل الحجر الأسود بحوزة القرامطة مدّة 22 سنة في البحرين؛ كل ذلك لأن هناك مسلمين مُكلفين بالدفاع عن الإسلام ومقدساته!

• لا تحقروا من المعروف شيئًا، ولا تثبطوا أحدًا، ولا تعطوا لعدوكم أكثر من حجمه فإن كيده ضعيف وأوهن من بيت العنكبوت!

• إن أهل الباطل ما تجرؤوا على أهل الحق إلا بعد تخاذلهم وجعل غيرهم يتخاذل مثلهم!

• إن الحرمات والمقدسات قد انتهكت، والشرع عُطِّل، والحريات صودرت.

فماذا تبقى لكي يكون أهل الحق على قلب رجل واحد ويخلعوا عن أنفسهم ثوب الجبن وتبلد المشاعر، أم أنهم سينتظرون حتى يأتيهم الموت وهم على حالتهم من الذل والهوان فيحملون أوزارهم وأوزار من يأتون بعدهم؛ لأنهم يكونون بذلك قد سنوا لمن بعدهم سنة سيئة ليست من الإسلام في شيء!

عندما سأل أحد الصحفيين الدكتور الرنتيسي - رحمه الله - قبيل محاولة اغتياله الفاشلة في منتصف عام 2003م، هل أنت خائف من الموت؟ لم يتردد بالإجابة وقال: "إن الموت هو الموت سواء بالقتل أو بالسرطان.. نحن جميعًا ننتظر آخر يوم في حياتنا.. لن يتغير شيء.. سواء أكان بالأباتشي أو بالسكتة القلبية.. الموت واحد.. أنا أفضل الأباتشي"

التحرك الإيجابي، والمبادرة العاقلة، والمباغتة المدروسة، من أساسيات النصر والتمكين ومن صفات المؤمنين الصادقين

أولًا/ نماذج للتحرك الإيجابي والمبادرة العاقلة والمباغتة المدروسة

قلنا إن التحرك الإيجابي، والمبادرة العاقلة، والمباغتة المدروسة، من أساسيات النصر والتمكين ومن صفات المؤمنين الصادقين، وقد وردت العديد من النماذج في تاريخ أمتنا لتكون زادًا للأجيال يتزودون من معينها بالمحاكاة والتطوير بما يتناسب مع كل موقف وبما يتناسب مع كل زمان.

1. صانع الفيل من الطين

قال الإمام الطَّبري - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، فَأَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوبَ بأَنَّ الْإِلْقَاءَ بِالْيَدِ إِلَى التَّهْلُكَةِ هُوَ تَرْكُ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ.

وفي تفسير نفس الآية قال: "وقد بَلَغني أن عسكر المسلمين لما لَقِيَ الفرس نفرَتْ خيلُ المسلمين من الفِيَلة، فعمد رجلٌ منهم فصَنَع فيلًا من طين وأنَّس به فرسه حتى ألِفه، فلما أصبح لم يَنفُر فرسُه من الفيل، فحَمِل على الفيل الذي كان يَقدُمُها فقِيل له: إنه قاتِلُك، فقال: لا ضيرَ أنْ أُقتَل ويُفتح للمسلمين"

2. فدائي يوم اليمامة

وجاء في تفسير الطَّبري أيضًا: "ومثلما حدث يوم اليمامة؛ لما تحصَّنتْ بنو حنيفة بالحديقة، قال رجلٌ من المسلمين: ضعوني في الحَجَفة وألقُوني إليهم، ففعلُوا وقاتَلَهم وحدَه، وفتح الباب" (والحَجَفة: هي ترس يتخذ من الجلود)

3. صاحب النقب

كان مَسْلَمَة بن عبدالملك يُحاصِر ذات يوم حِصنًا، واستُعصَى فتحُ الحِصن على الجنود، فوقف مَسْلَمة يَخطُب بينهم ويقول لهم: "أما فيكم أحدٌ يُقْدِم فيحدث لنا نَقْبًا في هذا الحصن؟"، وبعد قليل تقدَّم جنديٌّ مُلثَّم، وألقى بنفسه على الحصن، واحتَمَل ما احتَمَل من أخطار وآلام، حتى أحدَثَ في الحِصن نَقْبًا كان سببًا في فتح المسلمين للحِصن، وعَقِب ذلك نادى مَسْلمة في جنوده قائلًا: "أين صاحب النقب؟"، فلم يُجِبْه أحد، فقال مسلمة: "عَزَمْتُ على صاحب النقب أن يأتِيَ للِقائي، وقد أمرتُ الآذِنَ بإدخاله عليَّ ساعة مجيئه"، وبعد حينٍ أقبلَ نحو الآذن شخصٌ مُلثَّم، وقال له: "استأذن لي على الأمير"، فقال له: "أأنت صاحبُ النقب؟"، فأجاب: "أنا أُخبِركم عنه، وأدلُّكم عليه"، فأدخَلَه الآذنُ على مسلمة، فقال الجنديُّ المُلثَّم للقائد: "إن صاحب النَّقْب يَشترِط عليكم أمورًا ثلاثة؛ ألَّا تبعثُوا باسمه في صحيفة إلى الخليفة، وألَّا تأمُرُوا له بشيء جزاءَ ما صَنَع، وألَّا تسألوه مَن هو"، فقال مَسْلمة: "له ذلك، فأين هو؟" فأجاب الجنديُّ في تواضع واستحياء: "أنا صاحب النقب أيها الأمير"، ثم سارَعَ بالخروج، فكان مَسْلمة بعد ذلك لا يُصلِّي صلاة إلا قال في دعائها: "اللهم اجعلني مع صاحب النَّقْب يوم القيامة"

4. محمد الفاتح يسيِّر السفن على قمم الجبال

عند فتح القسطنطينية؛ فوجِئَ المسلمون أن البيزنطِيِّين قد أغلَقُوا مَضِيق الدَّرْدَنيل بالسلاسل؛ لمَنْع أيِّ أسطول من العبور فَمَا كان من محمد الفاتح إلا أنْ أَمَر الجنودَ بإخراج السُّفُن التي تحمل الأسلحة والعتاد إلى الشاطئ، وقاموا بجَرِّها على الألواح الخشبية عبر المرتفعات والجبال، حتى تمكَّنوا من إنزالها مرة أخرى خلف السلاسل، وهنا حصل التِفاف وهجوم مفاجئ، مَكَّنَ المسلمين من فَتْح القسطنطينية بأقل الخسائر الممكنة.

إن من يمتلكون ملكة التحرك الإيجابي، والمبادرة العاقلة، والمباغتة المدروسة، هم الثَّرْوة الحقيقية لأيِّة أمة، وإنما تُقاس نهضة الأُمَم بما تمتلكه ممَّن لديهم هذه المَلَكة وهذه الكفاءة

5. السيدة ميسون "قدوة النساء في قص شعرها لإلهاب حماس المسلمين"

عندما دنَّس الصليبيون ديار الإسلام عام 607هـ وانطلقوا في البلاد كالجراد الذي يدمر الأخضر واليابس، اغتمت السيدة ميسون لذلك، ولكن ماذا يمكن أن تفعل امرأة في مواجهة هذه الجحافل! نعم.. امرأة وحدها لا تقوى على عمل شيء، لكنها امرأة صاغها الإيمان خلقًا آخر، فقلبت الموازين، وأدارت دفة الأمور، وغيَّرت مجرى الأحداث!

فقد جمعت النساء اللاتي حضرن يواسينها ويعزِّينها في وفاة أربعة من إخوتها وقالت لهن: "إننا لم نخلق رجالًا نحمل السيوف، ولكن إذا جبن الرجال لم نعجز نحن عن العمل، هذا والله شعري، أثمنُ ما أملك، أنزل عنه، أجعله قيدًا لفرس تقاتل في سبيل الله؛ لعلي أحرك به هؤلاء الأموات"، فجزت شعرها وصنعت منه لجامًا، فإذا بهذا الوقود ينساب إلى قريناتها فصنعن مثل صنيعها في مشهد عجز التاريخ أن يجود بمثله.
أرسلت النساء تلك الألجمة إلى خطيب الجامع الأموي - سبط ابن الجوزي - فحمله إلى الجامع لصلاة الجمعة، وقد عصفت به الحماسة، فلم يقر له قرار حتى اعتلى المنبر والألجمة بين يديه، ثم قام وخطب خطبة تفتتت لها الأكباد، وتزلزلت لها القلوب ثم نادى قائلًا: "يا أيها الناس، إنها قد دارت رحى الحرب، ونادى منادي الجهاد، وتفتحت أبواب السماء، فإن لم تكونوا من فرسان الحرب، فافسحوا الطريق للنساء يدرن رحاها، واذهبوا فخذوا المجامر والمكاحل يا نساءً بعمائم ولحى.. فإلى الخيول وهاكم لجمها وقيودها، يا ناس، أتدرون مم صُنِعت هذه اللجم والقيود؟

لقد صنعتها النساء من شعورهن؛ لأنهن لا يملكن شيئًا غيرها، هذه والله ضفائر المُخَدَّرَات (يعني النساء المستترات في خدورهن) لم تكن تبصرها عين الشمس صيانةً وحفظًا.. قطعنها؛ لأن تاريخ الحب قد انتهى، وابتدأ تاريخ الحرب المقدسة، الحرب في سبيل الله، ثم في سبيل الدفاع عن الأرض والعرض، فإذا لم تقدروا على الخيل تقيدونها، فخذوها فاجعلوها ذوائب لكم وضفائر، إنها من شعور النساء، ألم يبق في نفوسكم شعور؟!

ثم ألقاها من فوق المنبر على رؤوس الناس، وصرخ: "تصدعي يا قبة النسر، وميدي يا عُمُد المسجد، وانقضي يا رجوم، لقد أضاع الرجال رجولتهم"

وإزاء هذه الكلمات التي عصفت بكيان الحاضرين، صاح الناس صيحة لم يُسمع مثلها، وهبوا ونهضوا لنصرة دينهم كالليوث، وتوافدت قوافلهم التي تنشد إحدى الحسنيين إلى ساحة المعركة، فأجلت كتائب التوحيد جند الصليبيين إلى عكا. [القصة مقتبسة من كتاب: "قصص من التاريخ"/ للشيخ علي الطنطاوي (بتصرف)، وقد نبه الشيخ إلى أنه قد نظم هذه الخطبة بأسلوبه الخاص]

والنماذج على مر العصور كثيرة، أكثر من أن تُحصى، ومَعِين الإبداع لا يَنضَب، ولن يَنضَب - إن شاء الله تعالى - طالما وُجِدَ المؤمن الحريص على دينه، المشغول بنُصرته، والمهموم برفع رايته.

الإبداع من السُّنَن الحسنة والحسنات الجارية التي تُثقِل الموازين، والإبداع نعمة من الله تعالى، تَستوجِب شُكرَ المُنعِم سبحانه وتعالى عليها، وحين يعي الشخص المبدع ذلك لن نرى منه غرورًا ولا تَكبُّرًا، ولن يتوانى في إبداعاته؛ ليَقِينِه أنه المستفيد والمأجور الأول من صنيعه

ثانيًا/ واجبنا نحو النماذج الإيجابية المبدعة

إن من يمتلكون ملكة التحرك الإيجابي، والمبادرة العاقلة، والمباغتة المدروسة، هم الثَّرْوة الحقيقية لأيِّة أمة، وإنما تُقاس نهضة الأُمَم بما تمتلكه ممَّن لديهم هذه المَلَكة وهذه الكفاءة، ولذلك يَجِب مراعاةُ عدة نقاط مهمة حال تعاملنا مع هؤلاء:

1. البحث عن من لديهم هذه المَلَكة وهذه الكفاءة وحُسْن رعايتهم، وتنمية مهاراتهم، وتوفير كل الإمكانات المادِّية والمعنويَّة لذلك.

2. لا يجب أن نُثقل على مَن يتميَّزون في هذا الجانب بأمور يمكن لغيرهم فعلها، بل يَجِب أن نفرِّغهم لتتفتَّق أذهانُهم، وتنضُج إبداعاتهم.

3. عدم إهمال ما سبق من إبداعات المبدعين، بل يَجِب الاستفادة منها، وتطويرها بما يُواكِب العصر.

4. لا يُشترَط لمَن أتى بفكرة مبدعة أن نطالبه بتنفيذها، فنكون بذلك قد أثقَلْنا كاهِلَه فتَخُور قُواه وتَفتُر عزيمتُه، بل نُوفِّر له فِرَق العمل المُعاوِنة التي تُعينه على تنفيذ ما تفتقت عنه قريحته؛ فالذي جاء بفكرة الخندق لم يُطلَب منه حَفْرُه.

5. لا يجب علينا أن نُسفِّه فكرة مهما كانتْ؛ لأن أحلامَ اليوم هي حقائق الغد.

6. يجب أن نُوقِن أن أعداء الأمة لهم حِيَلهم وأساليبهم المُلتوِية والماكِرة للتنقيب عن المبدعين في أيِّ مكان وبأيِّ ثمن؛ للاستفادة منهم، وتسخيرهم لخِدمتهم، فيجب ألَّا نكون سببًا فيما يُسمَّى بـ "هجرة العقول" أو "نَزِيف الأدمِغة"

7. مهمة القادة هي العمل على الارتقاء بمستوى المبدعين، ونقلهم من مستوى الإبداع إلى مستوى العبقرية.

8. الإبداع من السُّنَن الحسنة والحسنات الجارية التي تُثقِل الموازين، والإبداع نعمة من الله تعالى، تَستوجِب شُكرَ المُنعِم سبحانه وتعالى عليها، وحين يعي الشخص المبدع ذلك لن نرى منه غرورًا ولا تَكبُّرًا، ولن يتوانى في إبداعاته؛ ليَقِينِه أنه المستفيد والمأجور الأول من صنيعه.

إن كل هذه النقاط وغيرها يجب أن نضعها في الاعتبار حتى لا يَجِف نهر العطاء، ولا يَنضَب مَعِين المبدعين، ولا تعدم الأمة عماد ثروتها من أصحاب التحرك الإيجابي والمبادرة العاقلة المدروسة.

أخيرًا أقول:

{ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]

وأقول:

{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 14]

الله أسأل أن يُنير بَصَرنا وبصيرتنا، وأن يأخذ بنواصينا إلى ما فيه الخير لأمتنا، وأن يستعملنا ولا يستبدلنا، وأن يبصرنا بعواقب الأمور حتى لا يطمع فينا عدو ولا يُساء بنا صديق.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …