أولًا/ الأسرة في الإسلام
1. الأسرة المستقرة أساس بناء المجتمع:
يعدّ الإسلامُ الأسرةَ النواة الأولى في تكوين المجتمع، واللبنة الأساس في بناء الحياة الاجتماعية؛ ففيها تتحدد المعالم الواضحة لشخصية الإنسان وتتكيف اتجاهاته وتظهر ميوله، وهي في حقيقتها شركة تعاونية يسهم فيها كل فرد بما يستطيع من جهد لتمكينها من أداء رسالتها في خير الفرد والجماعة على السواء.
وقد جعل الإسلام من أهم مقاصد الزواج: تحقيق السكن النفسي الوجداني والمودة والرحمة بين الزوجين مما ينتج عنه أسرة مستقيمة يسودها الاستقرار والطمأنينة والسكينة ومن ثم تلقي بظلالها على المجتمع كله: {وَمِنْ آَيٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيٰتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، ولكي تكون أسرة مستقرة ضمن لها الإسلام الطمأنينة والاستقرار وأرسى أركانها وركز دعائمها وأعانها على رد كل التيارات الزاخفة التي لم تنل منها ولم تستطع زحزحتها ولا الوقوع بها.
ففي الأسرة سكن الإنسان وطمأنينته، ومستقره وراحته، وتتجلى أهمية الأسرة من خلال العلاقة الأسرية الزوجية، فقد وصف القرآن الكريم الزواج بالميثاق الغليظ في قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضٰى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيْثٰقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]
قرّر الإسلام قوامة الرجل على المرأة تبعًا لتعاليم الشريعة الإسلامية، لا تبعًا للأهواء، ولذلك أسباب من توزيع الوظائف والاختصاصات، والاستعداد والتكوين
2. القوامة والحافظية ميزة خاصة في الإسلام:
القوامة مسؤولية حماية المرأة وحماية الأسرة وصيانتها وجلب المصالح لها كيفما كانت نسبتها إلى الرجل وقرابتها منه.
والحافظية تحمل المرأة ما كلفها به الشرع، وهي لا تقصر على حفظ حقوق الزوج بل تشمل كل حقوق الله المكلفة بها الزوج، حافظية المؤمنة الصالحة لا تقتصر أيضًا على شغل بيتها وإرضاء زوجها.
ولكنها تنطلق من إرضاء الله عز وجل وترجع إليه، يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: "فالمراد: الحفظ التكليفي، ومعنى الملابسة أنهن يحفظن أزواجهن حفظًا مطابقًا لأمر الله تعالى، وأمر الله يرجع إلى ما فيه حق للأزواج وحدهم أو مع حق الله، فشمل ما يكرهه الزوج إذا لم يكن فيه حرج على المرأة، ويخرج عن ذلك ما أذن الله للنساء فيه)[محمد الطاهر بن عاشور: التحرير والتنوير، دار سحنون: تونس، 1997م، ج:5 / ص:41]
إن الحافظية التي أوجبها الله تعالى على المرأة، هي التي تقابل القوامة التي فرضها على الرجل، فهي وظيفة تجعل المرأة راعية ومسؤولة وحافظة للفطرة وحاضرة أقوى حضور في بيتها ومجتمعها كما كانت الصحابيات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست كمّا مُهْمَلًا ولا إنسانًا عاجزًا.
لكننا نلاحظ أن في أغلب الأسر في الدول العربية والإسلامية نجد أن الرجل هو الآمر الناهي، وله الكلمة الأولى والأخيرة وبيده العصمة وهو متكفل بتوفير الرزق والطعام لعائلته، وهذا إفراط.
وفي المقابل نجد في الأسرة الغربية أن الزوجين يتقاسمان القوامة، والعمل داخل البيت وتوفير المال اللازم للعيش وقد تكون القوامة والعصمة بيد الزوجة وذلك حسب الاتفاق قبل الزواج، وهذا تفريط.
والحل في دين الإسلام (دين الوسطية والاعتدال) هو "قوامة الرجل وحافظية المرأة"، وقد قرّر الإسلام قوامة الرجل على المرأة تبعًا لتعاليم الشريعة الإسلامية، لا تبعًا للأهواء، ولذلك أسباب من توزيع الوظائف والاختصاصات، والاستعداد والتكوين.
الأسرة المسلمة، متمثلةً في الأب والأم، تتكفل بتربية أبنائها إلى أن ينتقلا إلى عش الزوجية وفي الغالب تستمر التربية بعد الزواج متمثلة في النصائح المستمرة وتربية الأحفاد
ثانيًا/ وسائل تهديم الأسرة
إذا نظرنا نظرة سريعة إلى الفروق البيّنة بين الأسرة في الإسلام والأسرة في الغرب، نلاحظ جميعًا الفرق الشاسع بين الأسرتين؛ فالأسرة في الإسلام متكافلة متماسكة تحكمها عادات حميدة، والأسرة في الغرب متفككة غير مترابطة تحكمها المادة أساسًا.
ومن جهة أخرى نجد أن الأسرة المسلمة، متمثلةً في الأب والأم، تتكفل بتربية أبنائها إلى أن ينتقلا إلى عش الزوجية وفي الغالب تستمر التربية بعد الزواج متمثلة في النصائح المستمرة وتربية الأحفاد، أما بالنسبة للأسرة الغربية فهي تربي أبناءها إلى أن يصلوا إلى سن الثامنة عشرة تقريبًا ثم يُطلب منهم الاعتماد على أنفسهم في جمع المال والسكن والأكل وكل مستلزمات الحياة.
لذلك عمد الغرب خاصة إلى تهديم الأسرة المسلمة بوسائل خبيثة، نذكر منها:
- التقليل من مكانة الأم، ودورها الأساسي في التربية والاحتضان.
- تحطيم صورة الأب التاريخية، إذ لم يعد الأب الشخص القوي والملهم لصغاره، بل قل احترامهم له وأصبح الأبناء خارج السيطرة الأبوية ليكون الشارع هو الحاضن والمربي.
- افتعال الخلافات المستمرة وضعف الروابط العاطفية بين الزوجين والتأثير الكبير على شخصية الأبناء وعدم إشباع حاجاتهم.
- تفقير المجتمعات المسلمة؛ لكي يسود العجز المادي في أغلب الأسر، فيكثر الطلاق والهجر.
- تفكيك الأسرة حتى تصبح فاقدة لكل أهلية ورمزية، ولكل قيمة وقوامة.
- التفكك المادي والمعنوي والذي ساهمت فيه بصفة كبيرة التكنولوجيات الحديثة.
- تغييب المبادئ والأخلاق والقيم العليا وتغييب السلوكات الإيجابية؛ لكي يصبح سوء الخلق أمرًا عاديًا وطبيعيًـا عند المسلمين.
يسعى الغرب جاهدًا إلى تأسيس نمط حياة حسب هواه، عن طريق "المنظومة الدولية لحقوق الإنسان" متخذًا من هيئة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها أداة لفرض تلك المنظومة القِيْمِيَّة
ثالثًا/ المواثيق الدولية وتهديم الأسرة
مع اجتياح العولمة الغربية للخصوصيات الثقافية والقيمية للإنسانية عامة، وللمجتمعات المسلمة خاصة، ومع هيمنة الغرب على المؤسسات الدولية، بدأ اعتداء الغرب على حرمات الأسرة المسلمة، وانتهاك مقدسات منظومة قِيَمِهَا التي وضعها الإسلام، حتى أصبح هجوم الغرب على حصن الأسرة المسلمة مسألة "معركة الهوية"؛ والغرض "إحداث خلل في مؤسسة الأسرة من أجل تفكيكها والقضاء على مقوماتها"
كما تعد هذه الاتفاقيات كل مخالفة لهذه الأدوار أو التشريعات التي قررتها بين الرجل والمرأة، تمييزًا وعنفًا ضد المرأة، وتدعو إلى إطلاق الحريات الجنسية من شذوذ وزنا، في مقابل التضييق على الزواج ورفع سنه.
ويسعى الغرب جاهدًا إلى تأسيس نمط حياة حسب هواه، عن طريق "المنظومة الدولية لحقوق الإنسان" متخذًا من هيئة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها أداة لفرض تلك المنظومة القِيْمِيَّة، والمصادمة لكل القيم الدينية، محل منظومة القيم الإسلامية في مجال الأسرة خاصة، فإن هذه الاتفاقيات تدعو إلى التساوي المطلق بين المرأة والرجل في جميع الميادين: السياسية والاقتصادية والثقافية والمدنية، سواء في الأدوار أو الحقوق أو التشريعات، متخذا شعارات؛ "المساواة" و"الحرية و"حقوق الإنسان".
أحكام الشريعة الإسلامية تحمي الأسرة من أسباب الضعف، وفيها ما يكفل لها الصلاح والاستقرار والمودة والرحمة، والسعادة في الدنيا والآخرة لكل أفرادها
خاتمة:
لقد رفع الإسلام من قيمة الأسرة وأعلى من شأنها على أسس سليمة وبناها على دعائم قوية من القداسة والأمن والأمان، فأنصف الأسرة وجعل لها كيانًا مستقلًا، ثم ربط علاقة أفرادها برباط المودة والمحبة، والألفة واجتماع الكلمة.
لكن إذا قارنّا بين رؤية المواثيق الدولية للمرأة والطفل ورؤية ميثاق الأسرة في الإسلام لعدد من القضايا الأسرية المهمة، فسيظهر لنا حجم المؤامرة على الأسرة داخل المواثيق الدولية، وقد تغلغلت المرجعيات اللادينية حتى غدت منافسًا قويًا لمرجعية الإسلام، ويرجع السبب إلى انحسار الفهم الصحيح للإسلام وتراجع قيمه في حياة الشعوب.
وأحكام الشريعة الإسلامية تحمي الأسرة من أسباب الضعف، وفيها ما يكفل لها الصلاح والاستقرار والمودة والرحمة، والسعادة في الدنيا والآخرة لكل أفرادها.
لذلك ندعو إلى صياغة ميثاق الأسرة في الإسلام؛ ليكون دليلًا ومرجعًا للمجتمعات الإسلامية وحكوماتها، ومنظماتها الأهلية والإقليمية، ميثاق يحفظ للأسرة كرامتها، وللمجمعات المسلمة عزتها، وللقيم الإنسانية مقوماتها.
ويمكن بنـاء مواد هذا الميثاق وبنوده من شريعتنا الثابتة بصريح الكتاب والسنة، والاختيار والانتقاء من تراثنا الفقهي الضخم بمذاهبه من لدن الصحابة والتابعين ثم المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها، مع تجنب كل ما هو غريب ومرجّح من الأقوال والآراء إذا ضعف سنده أو كان مبنيًّا على عرف زمانه ثم تغير إلى عرف مستحدث لم يسبق له حكم.
والله المستعان.
* الدكتور أحمد الادريسي: عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
كتب ذات صلة بالموضوع
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين