أنا شاب ثلاثيني؛ ناجح جداً في مجال عملي وعلاقاتي، متزوج ولدي أطفال وزوجة رائعة وأعمل في المجال الذي أحبه وأكمل دراساتي العليا حالياً؛ لكن هناك خصلة مزعجة في شخصيتي وهي أني أشعر بالضيق إن رأيت شخصاً حقق نجاحاً في محيطي؛ فالتحاق شقيقي ببرنامج الدراسات العليا أزعجني ربما لشعوري بأنه سيكون مثلي يوما ما؛ وتضايقت عندما تزوجت شقيقة زوجتي من رجل غني رغم أني ميسور الحال ولا أقصر بشيء تجاه منزلي وزوجتي؛ وحصول ابن عمي على وظيفة مرموقة أسعدني ولكن لم أشعر اني مسرور لذلك.
أنا لا أكره أحدا ولا أتمنى زوال النعمة عن أحد لكن أنزعج كلما شعرت أن احدهم سيكون مثلي أو أفضل مني يوما ما؛ كيف أربي نفسي لأحب للآخرين ما أحب لنفسي حقيقة وليس مجرد كلام.
يزعجني الشعور الذي ينتابني كلما سمعت خبراً جميلاً لأحدهم، أشعر وكأن في داخلي خصلة نفاق أتمنى لو أتخلص منها لأرتاح أنا، أخشى أيضا أن أكون حسوداً بسبب هذا الشعور؛ فما توجيهكم؟
____________________________________________________________
الإجابة: د. مروان محمود العمايرة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فإن من المعلوم بالفطرة أن الإنسان مجبول على حب نفسه، ويعمل جاهدا للحصول على الخير لنفسه دون غيره، ودوما يبحث عن التميِّز والتفرّد، وفي هذا يقول الله تعالى مبينا حب الإنسان الخير لنفسه: "ويحبون المال حُبًّا جَمًّا" ويقول الله سبحانه وتعالى مؤكدا على أن الإنسان يحاول ألا يكون الخير لغيره: "إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا *إلَّا المًصَلِّين".
ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية أن صفة الحسد موجودة في نفس كل إنسان حيث يقول: "لا يخلو جسد من حسد، ولكن المؤمن يخفيه، والمنافق يبديه" فهذه الخصلة من الفطرة التي يتصف بها السائل الكريم وهي عدم قبول نفسه حصول الخير للغير دونما تمني زوالها عنهم، هي أول درجات الحسد جاء الإسلام لتشذيبها وتقويمها ولذلك أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى نبذها والعمل على تنمية حب الإنسان الخير لغيره.
فقد روى الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما عن سيدنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، ففي هذا الحديث يُبيِّن النبي صلى الله عليه وسلم أن من أهم عوامل رسوخ الإيمان في القلب، أن يحب الإنسان للآخرين حصول الخير الذي يحبه لنفسه، من حلول النعم وزوال النقم، وبذلك يكمل الإيمان في القلب.
ولقد بين الاسلام السبيل إلى مقاومة الشعور الذي تحدث عنه السائل الكريم، فكان الطريق إلى دفع ذلك الشعور في عدم حب الخير للغير هو إخفاء ما في نفسه، ومقاومته والدعاء لمن يشعر أنه لا يحب الخير لهم كما ذكرنا ذلك آنفاً عن ابن تيمية -رحمه الله-.
ومن أهم الطرق التي يتم فيها دفع الحسد وعدم محبة الخير للناس هي المداومة على الصلاة بخشوع فهي تحفظ الإنسان من عدم منعه للخير وتؤمنه من الحسد والهلع، كما ذكر الله ذلك في آيات من سورة المعارج التي ذكرنا آنفاً ثم نُذكر السائل الكريم بطريقة ارشدنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي ذكر الله وان تقول إذا أعجبك أي شيء لك أو لغيرك فيك أو فيهم: ما شاء الله وتبارك الله، أو بارك الله لك. فقد روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي أمامة أن النبي قال للذي أصاب أخاه المسلم بعينه: "عَلامَ يَقتُلُ أَحدُكم أَخاه؟! أَلا بَرَّكتَ! اغتَسِل لَه".
وعليك اخي الكريم أن تتعوذ بالله من شر الحسد ومن شر الحاسد المداومة على قراءة المعوذتين فقد روى النسائي عن أبي سعيد الخدري أن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ: "كان يتعوَّذُ من عينِ الجانِّ، وعينِ الإنسِ، فلما نزلتِ المُعوِّذتانِ، أخذ بهما، وترك ما سوى ذلك".
وعلى السائل أو من ابتُليَ بما ابتُليَ السائل أن لا يتمنى ما بيد الناس ولا ينظر إلى ما أصابه من خير وأن يسأل الله من فضله، فقد قال الله سبحانه: "وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" وعليك أن تداوم على مدافعة الحسد حتى لا يتحول إلى غيبة أو أذية وإن تدرك مدى حقارة الدنيا، وأنها لو أعطيت لشخص واحد لما كان بها غنيا، لأنها تفنى، ولا تساوي عند الله جناح بعوضة فقال الله سبحانه: "وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: (وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا).
فوطن نفسك على معرفة ما سبق والالتزام به وعوّد نفسك على مساعدة الغير وقضاء حوائجهم وإدخال السرور إلى قلوبهم فإنه مدعاة لتطهير نفسك من كل ما تشعر به فإن بعض الأخلاق قد تُكتسب بالتعوّد والاستمرار والتكرار حفظنا الله وإياكم ونسأله تعالى أن يُنقيَ قلوبنا من الغلِّ والحسد وأن يجعلنا من أهل الخير والإحسان.