ابني المراهق أرهقني… فماذا أفعل! (1-2)

الرئيسية » بصائر تربوية » ابني المراهق أرهقني… فماذا أفعل! (1-2)
ابني المراهق أرهقني... فماذا أفعل! 1

عناد بلا حدود، تقليد أعمى، قرناء سوء، ملابس غير لائقة، تشدّق وتقعر في الكلام، عُزلة وانطواء عن باقي أفراد الأسرة، شجارٌ بلا مبرر، رفض للنصيحة، إهمال للدراسة، تقصيرٌ في العبادات، إتلاف المقتنيات، سوء استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، التبسط مع المحارم ومع أبناء وبنات العمومة والخؤولة، عدم التعاون في أعمال المنزل... إلخ!

إن كل ما سبق أمور يشتكي الآباء منها مُر الشكوى لوجود واحدة منها أو بعضها في أبنائهم المراهقين والمراهقات، وهنا يفرض السؤال نفسه: ما هو الحل الأمثل للتعامل مع المراهق/ـة مثل هذه الأمور؟

إن الإجابة عن هذا السؤال يمكن ذكرها في نقاط أساسية، وقبل الإجابة نذكِّر بهذا الموقف من السيرة النبوية المباركة لنعرف ضوابط الحوار ووسائل الإقناع مع هذا النوع من الشباب!

عن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن فتى شابًا أتى النبي ﷺ فقال: "يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مَهْ، مَهْ، فقال: ادْنه، فدنا منه قريبًا، فقال: اجلس، فجلس، فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وأحصن فرجه. قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء" (رواه الإمام أحمد في المسند، والبيهقي في شعب الإيمان، وصححه الألباني)

التربية تبدأ مبكرًا جدًا، ولا أكون مبالغًا لو قلت إن التربية تبدأ قبل الإنجاب، بحسن اختيار الزوجة

بعد ذكرنا لهذا الحديث وقبل ذكر أساليب العلاج يمكننا أن نقول:

• التربية تبدأ مبكرًا جدًا، ولا أكون مبالغًا لو قلت إن التربية تبدأ قبل الإنجاب، بحسن اختيار الزوجة.

• كل ما نمارسه من وسائل التربية ما هو إلا أخذ بالأسباب لتقديم الحجة أنفسنا أمام الله تعالى عن المسؤولية التي حمَّلنا إياها، مع اليقين أن الهداية بيد الله وحده.

• من المهم جدًا الأخذ بأسباب الوقاية وتحصين الشباب ضد ما يموج به المجتمع من مشكلات ولا ننتظر وقوع المشكلة كي نبحث لها عن حل.

• ضع في ذهنك أن ما يلي من نصائح يجب اتباعها مع المراهقين والمراهقات على حد سواء فإذا كانت تربية البنين أشق فإن تربية البنات أدق!

• اجعل مرجعيتك في كل مناقشاتك مع المراهق هي الشرع، وعلِّمه أن شرع الله أولى بالاتباع.

• ضع هذه الآيات نصب عينيك وأنت تتعامل مع المراهق (خصوصًا حال تقديم النصيحة وحال علاج المشكلات):

قال تعالى: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [البقرة: 269]

وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]

وقال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125]

اللوم يأتي بنتائج عكسية في الغالب، فيجب تجنبه؛ لأنه يحطم كبرياء النفس فلا تجد منها إلا جموحًا وتفلتًا

أما بالنسبة لأساليب العلاج فتتلخص في:

أولًا/ تجنب انتهاج اللوم كوسيلة لعلاج مشكلات المراهق، فاللوم يأتي بنتائج عكسية في الغالب، فيجب تجنبه؛ لأنه يحطم كبرياء النفس فلا تجد منها إلا جموحًا وتفلتًا.

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "خدمتُ رسولَ اللهِ ﷺ عشرَ سنينَ، فما قال لي أُفٍّ قطُّ، وما قال لي لشيٍء صنعتُه: لِمَ صنعتَه، ولا لشيٍء تركتُه: لِمَ تركتَه، وكان رسولُ اللهِ من أحسنِ الناسِ خُلُقًا..." (أخرجه البخاري) وكان من كلام الإمام علي - رضي الله عنه: "من لانت كلمته وجبت محبَّته"، ويقول المثل الصيني: "نقطة من عسل تصيد ما لا يصيده برميل من العلقم"

ثانيًا/ تجلية الأمور وتوضيحها وتقديم الأمر للمراهق مُجردًا لا لبس فيه ولا غموض وجعل الحوار مع المراهق واقعيًا وليس نظريًا لكي نساعده أن يعود إلى رشده، مثلما فعل النبي ﷺ مع الشاب الذي جاءه يستئذنه في الزنا.

ثالثًا/ الصبر والتريث وعدم اتخاذ قرارات نهائية وقاطعة تجاه المراهق؛ لأن ذلك يجعل المراهق يتخذ قرارات مضادة يصعب عليه الرجوع عنها فنكون بذلك قد خسرنا المراهق وفشلنا في إصلاحه! اترك للعودة سبيلًا وللمراجعة بابًا واعلم أن الوقت جزء من العلاج.

رابعًا/ ساعد المراهق في التوصل للخطأ بنفسه ثم اجعله يفكر في وضع حلول ليتخير من الحلول ما يناسبه، حينها سيكون أكثر حماسًا للعلاج؛ لأنه يشعر بأن الفكرة فكرته وليست مُملاة عليه.

خامسًا/ كن منصفًا مع المراهق واذكر له أشياء تميزه ولا تعصره عصرًا فييأس من إصلاح نفسه، ولقد كان هذا هو نهج النبي ﷺ مع الصحابة الكرام حتى جعل منهم شموسًا تضيء العالم وأقمارًا تبدد ظلامه.

لا تناقش المراهق وأنت غضبان؛ فالغضبان يكون أكثر حِدَّة وتهورًا وهاتان الصفتان لا تأتيان بخير

لكي يعين النبي ﷺ الصحابي الجليل عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - على قيام الليل، قال: "نِعْمَ الرَّجُلُ عبدُ اللَّهِ، لو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَكانَ بَعْدُ لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إلَّا قَلِيلًا" (صحيح البخاري)، إن قول النبي ﷺ "نِعْمَ الرَّجُلُ عبدُ اللَّهِ" تدل على أن الصحابي الجليل به من صفات الكمال الكثير والكثير وأنه لا ينقصه سوى ما أوصاه به النبي ﷺ.

سادسًا/ حاول أن تصحح الأخطاء الظاهرة ولا تفتش عن الأخطاء الخفية، وابدأ بعلاج الأخطاء القادحة في العقيدة الطاعنة في المروءة.

سابعًا/ التثبت والتريث وتقديم الظن الحسن؛ فقد يكون المراهق لا يعرف الحكم الشرعي لما يفعله وأنه إذا عرفه ارتدع من تلقاء نفسه ووفر علينا وقتًا طويلًا وجهدًا جهيدًا.

ثامنًا/ امدح المراهق على الصواب ولو كان قليلًا، يحبه ويزيد منه، وكلما زاد الصواب بداخله كلما انقشعت غيمة الخطأ بإذن الله تعالى.

تاسعًا/ لا تناقش المراهق وأنت غضبان؛ فالغضبان يكون أكثر حِدَّة وتهورًا وهاتان الصفتان لا تأتيان بخير.

عاشرًا/ تجنب اتباع أسلوب مقارنة المراهق بأقرانه ومن هم في سِنِّه واعلم أن السلوك الإنساني ليس فيه ما هو متفق عليه، وكذلك لا تدع المراهق يقارن نفسه بغيره فلكل وجهة هو موليها.

وللحديث بقية في الجزء الثاني من نفس الموضوع إن شاء الله تعالى

خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …