تحدثنا في الجزء الأول من هذا الموضوع عن:
• بعض المشكلات التي تصدر من الشباب والتي تكدر صفو البيوت ويشتكي منها الآباء مُر الشكوى.
• ذكرنا موقف النبي ﷺ مع الشاب الذي جاء يستئذنه في الزنا ورأينا كيف تعامل معه النبي ﷺ بأسلوب جعل الشاب يخرج من مجلسه وليس في صدره ما هو أبغض إليه من الزنا.
• وضعنا بعض الأسس التي يجب على الآباء مراعاتها أثناء علاجهم للمشكلات التي تصدر عن أبنائهم في سن المراهقة.
واستكمالًا لما بدأناه في الجزء الأول سنتحدث في هذا الموضوع عن:
حادي عشر/ يجب أن نعين المراهق على نفسه وشيطانه ولا نعينهما عليه، ولا يكون ذلك إلا بالرفق، واستخدام الأسلوب اللين في إصلاح الخطأ.
جاء في صحيح البخاري أن النبي ﷺ قال: "إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا"، فلماذا لا نستخدم السحر الحلال في معالجة الأخطاء كما استخدمه النبي ﷺ مع الأعرابي الذي بال في المسجد، ومواقف أخرى عديدة!
الرفق بالمخطئ يجعله يشعر بأن له كيانًا يُقدِّره من حوله، وهذا يجعله حريصًا على ألا يخذلهم وألا يُشعرهم بأنه أقل مما يتصورون ويتوقعون
إن الرفق بالمخطئ يجعله يشعر بأن له كيانًا يُقدِّره من حوله، وهذا يجعله حريصًا على ألا يخذلهم وألا يُشعرهم بأنه أقل مما يتصورون ويتوقعون.
عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أن النبي ﷺ قال: "إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شَيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شَيءٍ إلَّا شانَهُ" (صحيح مسلم)
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: "إني أرى صفة رسول الله ﷺ في الكتب المتقدمة أنه ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح"
وذكر ابن قتيبة - رحمه الله - في "عيون الأخبار" قال: "دخل أحد الناس على هارون الرشيد فقال: يا هارون الرشيد، ائذن لي أن أقول لك كلامًا؟ قال: قل. فرفع صوته وأغضبه، وقال: إنك ظلمت وجُرت وفعلت وفعلت، فغضب هارون الرشيد حتى احمرَّ وجهه، ثم قال: يا هذا، أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، فـقـال له تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]
ثاني عشر/ داوم الاقتراب من قلب المراهق قبل بدنه، وتعهده بالنصيحة الحانية والتوجيه الذي يستميل قلبه ويشعره أنه محل ثقة واحترام من حوله.
ثالث عشر/ اعلم أن خطأ المراهق أمرٌ طبيعيٌّ؛ لما يطرأ على جسمه من تغيرات بيولوجية وفسيولوجية، وثق بأن الخطأ جزء من التعلّم، هذه ليست دعوة للمزيد من الأخطاء، لكن إن وقع المراهق في الخطأ سهوًا أو جهلًا فعلينا أن نعلمه كيف يتجنب الوقوع فيه مرةً أخرى، وبهذا يكتسب الخبرة بالحياة وتقوى بصيرته فيقدر على تمييز الخطأ مستقبلًا، كجهاز المناعة الذي يتعرف على الميكروب الذي أصابه من قبل فيكون له بالمرصاد كي لا يعتل الجسم مرة أخرى.
خطأ المراهق أمرٌ طبيعيٌّ؛ لما يطرأ على جسمه من تغيرات بيولوجية وفسيولوجية، والخطأ جزء من التعلّم، وإن وقع المراهق في الخطأ سهوًا أو جهلًا فعلينا أن نعلمه كيف يتجنب الوقوع فيه مرةً أخرى
رابع عشر/ اختيار الوقت المناسب لنصيحة المراهق وتهيئته نفسيًا لقبول النصيحة، ومراعاة قدرته على استيعاب النصيحة.
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود - رضي الله عنه - أنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ مَسْعُودٍ قالَ: "ما أنْتَ بمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إلَّا كانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً" (صحيح مسلم)
خامس عشر/ استثارة المراهق ليُنصت للنصيحة مثلما فعل الله تعالى مع المشركين؛ فقد وضع الحروف المقطعة في بدايات بعض سور القرآن الكريم ليتغلب على إعراضهم وصدودهم وليستثير فضولهم وهم أرباب اللغة وساداتها.
سادس عشر/ البعد عن الأساليب النمطية والتقليدية للنصيحة التي يملها المراهق ولا يُعِيْرُها اهتمامًا، بل لا بد من مراعاة سِنَّه وثقافته وميوله وتقديم النصيحة بالأسلوب الذي يجعله يتقبلها بصدر رحبٍ وامتنانٍ، لذلك قيل إن من آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: العلم قبله والرحمة معه والصبر بعده.
سابع عشر/ إذا تعذّر التعامل مع المراهق من قِبل والديه يمكن لهما الاستعانة بالمقربين إلى قلبه من أقرانه أو أقاربه، على أن يكون هذا آخر علاج؛ كي لا تأخذه العزة بالإثم ويعد ذلك تشويهًا لصورته وطعنًا في شخصه.
ثامن عشر/ ثق أن عملية التربية تراكميّة فما غرسته في مرحلة الطفولة تجني ثماره في مرحلة المراهقة، فلا تترك الولد أو البنت بدون تقويم، بحجة صغر السن أو بحجة أنهم يفعلون مثلما يفعل أبناء جيلهم.
تاسع عشر/ التضرع بالدعاء للمراهق حتى يشعر أنك تكره الخطأ ولا تكره شخصه، وتود التخلص من المشكلة وليس التخلص منه!
ألا ترى أن النبي ﷺ نهى الصحابة - رضي الله عنهم - أن يزجروا الشاب الذي جاء يطلب الإذن بالزنا أو ينهروه! وأن الشاب خرج من عند النبي ﷺ وليس هناك أبغض إلى قلبه من الزنا!
عملية التربية تراكميّة فما غرسته في مرحلة الطفولة تجني ثماره في مرحلة المراهقة، فلا تترك الولد أو البنت بدون تقويم، بحجة صغر السن أو بحجة أنهم يفعلون مثلما يفعل أبناء جيلهم
اجتهد الفضيل ابن عياض في تربية ابنه ولكن الأمر صعب عليه فدعا الله تعالى قائلًا: "اللهم إني اجتهدت أن أؤدب عليًا فلم أقدر على تأديبه، فأدبه لي"، فاستجاب الله تعالى لدعاء الفضيل حتى أصبح الفتى عونًا لأبيه على التقى والزهد والورع وكل أبواب الطاعات والخيرات إلى أن توفيا.
قال ابن المبارك: "خير الناس الفضيل بن عياض وخير منه ابنه علي"، وعن سفيان ابن عيينة قال: "ما رأيت أحدًا أخوف من الفضيل وابنه"
عشرون/ ثق أن الهداية بيد الله وحده وأنك لو أخفقت في تقويم ابنك أو ابنتك فإنه ليس عليك وزر طالما استنفدت الجهد وأخذت بكل الأسباب، وما مثال ابن نبي الله نوح عليه السلام بخفي على أحد.
أخيرًا أقول:
لا تيأسوا من صلاح الأبناء، ولا تنفضوا أيديكم منهم، ولا تكفوا عن محاولات استيعابهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تقطعوا كل الأحبال بينكم، واتركوا باب العودة مفتوحًا، وثقوا أنكم - في كل الأحوال - مأجورون؛ فقد قال الإمام الغزالي في الإحياء: "وقال بعض السلف: من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الغم بالعيال"
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍۢ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا