للدكتور محمود أمين كتاب بعنوان (ماذا حدث للمصريين)، يتحدث فيه عن التغيّرات الاجتماعية والثقافية والأخلاقية، تلك التي حدثت للمصريين في نصف قرن، في الفترة ما بين عامي 1945م و 1995م.
وقد حدثت بالفعل تغيّرات كبيرة في المجتمع المصري في هذه الفترة، التي انتقل فيها المصريون سياسيًا من الملكية الوراثية الديمقراطية الرأسمالية إلى الجمهورية العسكرية الديكتاتورية الاشتراكية، ويا للمفارقة: الملكية الوراثية كانت هي الديمقراطية الحرة، والجمهورية كانت هي الديكتاتورية المستبدة.
والتغيرات الاقتصادية والسياسية تُحدث بالضرورة تغيرات اجتماعية وثقافية وأخلاقية؛ فالتلازم بين الأبعاد السياسية والاقتصادية من ناحية، والأبعاد الاجتماعية والثقافية والأخلاقية من ناحية أخرى تلازمٌ يكاد يكون حتميًا، ذلك كما يقول علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع.
لكن، وبعد مضي الزمن، وبعد أن رأينا ما رأيناه بعد ذلك، فإننا نجزم بأن التغيّر الكبير الذي حدث للمصريين في العشر سنوات الأخيرة، في الفترة ما بين عامي 2010م و2020م، هو التغير الأكبر، في كافة المناحي، وهو التغير المذهل، الذي يأتي إذهاله من كونه سريعًا مهرولًا، ومن كونه عامًّا وشاملًا كذلك.
وهذا التغيّر لم يأت على مصر فقط، بل جاء على أكثر البلاد العربية.
التلازم بين الأبعاد السياسية والاقتصادية من ناحية، والأبعاد الاجتماعية والثقافية والأخلاقية من ناحية أخرى تلازمٌ يكاد يكون حتميًا، ذلك كما يقول علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع
يقولون: العرب ينظرون لأنفسهم على أنهم محور العالم، والصحيح: أن العرب والمسلمين هم محور العالم حقًا، بل هم محور الكون كله.
فإذا كانت هناك كائنات أخرى في الكون في كواكب أخرى غير الأرض، فالعرب والمسلمون حينها هم محور عالمنا الأرضي فقط، وإذا لم تكن هناك حياة أخرى إلا على الأرض، فالعرب والمسلمون هم محور الكون كله، المسقوف بسمائنا الدنيا؛ ذلك لأن الله لم يخلق الكون إلا لعبادته، وبالتالي فمحور وجود الكون هو عبادة الله وعُبّاد الله، ولولا هؤلاء العبّاد المؤمنين، لدمر الله الكون بما فيه.
وهذا هو الذي يحدث في يوم القيامة، عندما يبعث الله ريحًا طيبة تقبض أرواح المؤمنين، فلا يبقى حينها على الأرض إلا شرارَ الناس من الكفار بالله، وعندها يأمر الله السماء أن تتشقق، وأن تقع على الأرض، وأن تنفجر الأرض بمن فيها، وأن تشب البحار بالنار، وتتحطم الكواكب.
فإذا لم يكن هناك مؤمنون عابدون لله في الأرض، فلا سبب حينها لوجودها، والفناء لها سيكون حتميًّا، وبالتالي فإن بقاء الحياة الدنيا مرهون ببقاء المسلمين، فهم محورها، وسبب وجودها وبقائها.
إذا لم يكن هناك مؤمنون عابدون لله في الأرض، فلا سبب حينها لوجودها، والفناء لها سيكون حتميًّا، وبالتالي فإن بقاء الحياة الدنيا مرهون ببقاء المسلمين، فهم محورها، وسبب وجودها وبقائها.
ولذلك، فإن التغيير الذي حدث للعرب والمسلمين في هذه العشرية، هو تغيير لمحور الأرض كلها، ولسبب وجودها، وهو ما يكون أثره وضجيجه في كافة الأرض، شرقها وغربها.
وأكبر حادث في هذه العشرية، هو ثورات الربيع العربي، التي أسقطت الأنظمة العربية الحاكمة، وأعطت بارقة أمل لدى الشعوب، في امتلاك زمامها ومصيرها، وبناء مشروعها الإسلامي القومي، الذي هو أكبر موعود منتظر في هذا الزمن، موعود الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، الذي جاء في الحديث الشريف الصحيح.
ثم جاءت من بعد هذه الثورات الشعبية، ثورات الأنظمة المضادة، التي قمعت هذه الثورات الشعبية، وانقلبت عليها، بل وأعادات الشعوب إلى أسوأ مما كانت عليه قبلها، وذلك هو القمع الأكبر، الذي – ربما - يسبق الانفجار الأكبر، والذي سيكون بعده الموعود الأكبر، الذي ذكرناه آنفا.
في هذه العَشرية، انتشرت وسائل التواصل الحديثة (فيسبوك وتويتر)، فأصبحت الشعوب أكثر تعبيرًا عن تطلعاتها، وأكثر اعتراضًا على أوضاعها الراهنة، وأصبحت الأنظمة أكثر عجزًا عن قمع حركات المعارضة، وأكثر عجزًا - كذلك - عن إخفاء فسادها وفشلها، كما أصبحت الشعوب أكثر تحررًا أخلاقيًا، وأكثر تحررًا فكريًّا وعقائديًّا.
عادت الأنظمة العربية أكثر تصميمًا على الاستبداد والقمع، وأصبحت الشعوب العربية في حالة من حرية التعبير، أتاحتها لها وسائل التواصل الحديثة، ولن يستطيع أحد كبحها والسيطرة عليها
عادت الأنظمة العربية بعد هذه العشرية أكثر تصميمًا على الاستبداد والقمع، وأصبحت الشعوب العربية في حالة من حرية التعبير، أتاحتها لها وسائل التواصل الحديثة، ولن يستطيع أحد - مهما كانت درجة قمعه واستبداده - كبحها والسيطرة عليها.
وفي هذه العشرية، ظهرت الكثير من الأنظمة العربية، في الغاية القصوى للخيانة والعمالة والانبطاح لإسرائيل والغرب، فوقّعت هذه الأنظمة اتفاقيات سلام وتطبيع مع الكيان الصهيوني، كما أن بعضها بالغَ في كسر القيود الاجتماعية والأخلاقية في بلاده، بحفلات الاختلاط والمجون؛ ليعطي إشارة للغرب بأنه منفتح وغير متعصب كي يقبل به الغرب، ويرضى بتوليه الحكم، وإقصائه لذويه الذين ينافسونه عليه.
وفي المجمل نقول: إن الأنظمة العربية الحاكمة وصلت في هذه العشرية إلى منتهى الاستبداد والقمع للداخل، ومنتهى الخيانة والعمالة للخارج، أو منتهى الاستسلام والانبطاح له، وكذلك وصلت لمنتهى البعد عن دينها وأعرافها.
وفي المشهد الفلسطيني، بالغ الاحتلال الصهيوني في استبداده وقمعه، ووصل لذروة احتلاله واستبداده، باقتحامات الأقصى التي لا تتوقف، والتي هي - في رأيي - ذروة ما سيصل إليه ذلك الاحتلال الغاشم في ظلمه وجبروته؛ لأنه لن يصل - بعون الله وفضله – إلى غايته الكبرى من هدم المسجد وبناء هيكله المزعوم، وبالتالي فإن المشهد الفلسطيني - كما المشهد العربي العام - وصل لذروته ومنتهاه.
وفي المشهد العالمي، نجد ذروة المشهد كذلك، حيث الصراع البارد الذي حدث بين العالمين الغربي والشرقي، والذي وصل لذروته الباردة، ثم لذروته الساخنة بالحرب المباشرة في أوكرانيا، والتي جعلت العالم على أعتاب الحرب العالمية الثالثة.
كما أن الصراع الصيني التايواني صراع ساخن كذلك، ومن الممكن أن يجر العالم لهذه الحرب العالمية الثالثة، والتي هي - في رأيي - حتمية تاريخية.
المشهد بلغ ذروته، سواء في المشهد العربي الإقليمي، أو في المشهد الفلسطيني - الصهيوني، أو في المشهد العالمي العام، الذي بلغ ذروته، وليس بعد الذروة إلّا الخلاص منها
العشرية الأولى من 2010م إلى 2020م، حدث فيها ذلك الذي حدث، وكان فيها ذلك الذي كان، والعشرية الثانية التي نحن بصددها، والتي هي من 2020م إلى م2030، سيحدث فيها ما سيحدث، وسيكون فيها ما يكون.
وفي رأيي، فإن هذه العشرية ستكون فارقة في التاريخ الحديث؛ لأن المشهد بلغ ذروته، سواء في المشهد العربي الإقليمي، أو في المشهد الفلسطيني - الصهيوني، أو في المشهد العالمي العام، الذي بلغ ذروته، وليس بعد الذروة إلّا الخلاص منها.
وفي هذه العشرية - التي نحن بصددها اليوم - نحن أمام ثلاثة منعطفات تاريخية:
أولًا/ منعطف نهاية الصراع الفلسطيني - الصهيوني
وقد أتت النبوءات الفلسطينية والصهيونية لتؤكد على أننا في نهاية ذلك الصراع حقًا.
ثانيًا/ منعطف الحرب العالمية الثالثة
التي باتت أقرب إلينا من أي وقت مضى، والتي تعدّ - كما أسلفنا - حتمية تاريخية.
ثالثًا/ منعطف ظهور مُجَدِّد أمة الإسلام
والذي نحن في عصره قطعًا، والذي قد يكون إمامًا في الدين، أو زعيمًا وقائدًا، أو جماعة وحركة