اتركوا التشريع للخالق كي تسمو حياتنا وآخرتنا

الرئيسية » بصائر تربوية » اتركوا التشريع للخالق كي تسمو حياتنا وآخرتنا
اتركوا التشريع للخالق كي تسمو حياتنا وآخرتنا 1

تقول إحدى الأمهات: "بينما كنت أفسّر لطفلي معنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1]

أخبرته بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج بأكثر من أربع نساء، فاستنكر الأمر جدًا وسأل: كيف يتزوج أكثر من امرأة، ألا يغضبهن ذلك؟ وهنا توقفت لبضع ثوان قبل أن أجيبه: لا، كيف يغضبن وهذا شرع الله تعالى الذي أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كانت حياته كلها طاعة لله تعالى، كما أن جميع زوجاته كُنّ يتمنين شرف الزواج بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تزوجهن ليعلِّمنا الكثير من أحكام الزواج، ولكي ينشر الدين الإسلامي، فما الذي سيغضبهن؟"

عندما ناقشتني الأم في الأمر قبل أيام، كان لا بد لي من وقفة جادة مع هذا الأمر، فآثرت أن أقدم شيئًا من الأسباب ومقترحات التصحيح في هذا المقال.

لا يخفى على أحدٍ كمُّ الهُجُوم والتشويه الذي بات يتعرض له الدين الإسلامي، بتعاليمه، وقوانينه الّتي تُيسر الحياة، سواء في موضوع الزواج وتعدُّد الزوجات أو غيره  مع أن الأمر يكون صعبًا على نفسية المرأة إلا أنه الحل السليم – الوحيد رُبّما أحيانًا – المناسب للبشر، فهو أغضُّ للبصر، أحصَنُ للفَرْج، وأسلم للمجتمع كما نصّت الآيات والأحاديث وأثبتت التجربة عبر الزمن.

تصرفات بعض المسلمين اليوم لا يعني تعميم التصرف على الإسلام كدين، ومن هنا تعوّدوا إبراز الصُّورة المُشرِقَة والمُشرِّفة للإسلام المعتدل بعيدًا عن مظاهر التطرف، الإرهاب، التعدي ونبذ العنف والابتذال

أما القوانين الوضعية التي ترضي نفسية المرأة، غرورها، وكبرياءها أيضًا.. فقد هدمت القيم مقابل مطلب أناني جدًا (أريد أن أكون زوجته الوحيدة) مع إباحة إطلاق البصر، وزيادة النظرات الزائغة، وبالتالي الخيانة، ثم تَهَتُّك الأسر!

ومع أن إطلاق البصر والنظرات الزائغة ليس مضمونًا القضاء عليها أو السيطرة على أسبابها في ظل غياب الوازع الديني للرجل، والتحرر الزائد للفتيات في الشوارع والأماكن العامة أو أماكن العمل أيضًا، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي ظل الانفتاح التكنولوجي وإمكانية الانتشار الفيروسي لأية فكرة مغلوطة أو صورة مثيرة أو مقطع مُصوّر.

اقرأ أيضًا:  كيف يصوّر الإعلام الغربي الإسلام والمسلمين

بين التشريع بالهوى واتباع الفطرة

ثوابت الدين التي يفترض أن يغرسها الوالدان في عقل الطفل خلال تنشئته والتي لا يجوز المساس بها بحال من الأحوال:

1. حرمة الدم والمال والعرض: من أهم أوليّات الإسلام المحافظة على العرض والدم والمال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام دمُه ومالُه وعِرْضُه"

2. إن تصرفات بعض المسلمين اليوم لا يعني تعميم التصرف على الإسلام كدين، ومن هنا تعوّدوا إبراز الصُّورة المُشرِقَة والمُشرِّفة للإسلام المعتدل بعيدًا عن مظاهر التطرف، الإرهاب، التعدي ونبذ العنف والابتذال.

3. انتقوا الكلمات بحذر: الكلمة أمانة/ المجلس أمانة/ العقل أمانة، فإن الكلمة سلاح خطير ذو حدين/ والكلمة تبني وتعمر بالخير إن كانت صادقة وأمينة، أو تهدم وتدمر بالشر، إن كانت فاسدة وباطلة .

وفي الحقيقة، فإن التطاول الذي يحصل اليوم ينم عن هجمة شرسة لم يعُد خفيًا غرضها بل واضح وضوح أنياب الوجوه المتسترة، ومن مظاهر هذه الهجمة:

1. التطاول على العلماء والتحريض ضدّ أي شيء ينشرونه بدون البحث إن كان الاعتراض موضوعيًا وفي محله أم مجرّد تشويش.

2. تشويه صورة أحكام الإسلام، وفرائضه، بالرغم من التصفيق لما يشبهها من التقليعات الغربية وصيحات الموضة.

3. إيذاء المسلمين في أية مناسبة أو فرصة متاحة.

4. تشويه صورة المسلم المتدين، وتصويره دومًا وكأنه مراءٍ أو يمثّل التدين أو مثاليّ أكثر مما يلزم.

5. وهمُ العادات والتقاليد الذي أثّر على حياتنا بالسلب، وتغليبُ أهميتها والتعامل معها وكأنها أهمّ من الدين.

6. تأخير الدين إلى المرتبة الأخيرة في كل شيء: كاختيار الزوج والزوجة، التوظيف، وكل المجالات، مع أن الفطرة السوية تجعله في المرتبة الأولى.

التعامل مع تعاليم الإسلام بعشوائية يشوه صورة الدين الإسلامي في عقول الجيل وينقل صورة خاطئة عن حقيقة المشهد، الإسلام عالَم كامل وليس دينًا مشوهًا ممسوخًا، وهو رباني صرف

7. مظاهر التغريب والتقليد الأعمى لكل ما هو آت من الغرب، ولا نغفل التطبيع ودعاوى العلمنة تحت شعار: "الدين لله والوطن للجميع" ودعاوى أخرى باطلة وغير عادلة – أو على الأقل غير صادقة أو مخلصة – بل محشوّة بسموم الفكر والهدف.

8. القوميات والعنصرية ودعاة تحرير المرأة الذين يدركون تمامًا منذ بدء عهد التبشير والاستشراق أن المجتمع سيهدم تمامًا إذا زرعت فيه الفتنة وإذا تحررت المرأة "على طريقتهم" وهم يعلمون تمام العلم أن في ذلك منافاة للعقل وليس الفطرة وحسب؛ لأن اتباع الهوى – ولو لوقت قصير – يُلهي عن الحق ويصدّ عنه ويعمي البصيرة ويغوي المرء حتى يصبح ويمسي لا يرى في عمله إلا خيرًا مهما احتوى عملُه من الشرّ وكان مجانبًا للحق والصواب.

9. دسُّ السُّم في العسل، كالذي يقول: "غايتي أن تعيشو بسلام وترتاحو في حياتكم" ويطرح بين ما يطرحه من حلول يرقد فيه السّم والتفرقة وتغليب العادة على الدين وتجنيب الصواب إلى جانب كل ما سبق من صور تشوّه الحقيقة والفطرة.

اقرأ أيضًا: قراءة في كتاب تربيتنا الروحية للشيخ سعيد حوى

اتركوا الشرع للخالق حتى تسمو حياتنا و آخرتنا

التعامل مع تعاليم الإسلام بعشوائية يشوه صورة الدين الإسلامي في عقول الجيل وينقل صورة خاطئة عن حقيقة المشهد، الإسلام عالَم كامل وليس دينًا مشوهًا ممسوخًا، وهو رباني صرف.

وربما كان الصديق الجاهل/ أو المغرض أخطر بكثير على الإسلام من العدو الواضح مهما كان مثقفًا، لذلك فإن العدو الذي كنا نخشاه على مفاهيمنا وقيمنا وعقول أبنائنا تحول اليوم إلى وجهة أخرى، فقد اصطاد الصديق الجاهل وغير المبالي ليوكل إليه مهمة التشويه، ونحن نعلم أن الجهل مع الفقر – للأسف – يمنحان تربة خصبة لزراعة أية فكرة مشوهةً سواء باستثارة العاطفة أو بتقديم ملاليم معدودة! 

وللأسف فإن الهوى واتباعُه يورث الضلال، وشيئًا فشيئًا يجد الإنسان نفسه ضائعًا، مصابًا بوعكة أخلاقية وقيمية ليس سهلًا التخلص منها.

يجب الوعي بكل ما يُدس في عقول أبنائنا وبناتنا وبذل الوالدين لمزيد من الجهد التربوي لكي يساعدوا في تنمية وعي أطفالهم

فيما يلي أسوق بعض الحلول المقترحة للسيطرة – ولو بعض الشيء – على هذا المدّ المُضلّل:

1. الانتصار للدين من قِبَل أبنائه المخلصين في كل موقف متاح، ونشر ثقافة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدون خجل أو خوف من تعليقات المجتمع الذي يدّعي التمدّن.

2. الاستعانة بأخصائيين تربويين يؤمنون بالرسالة يعيدون الناس إلى التعامل بالفطرة السليمة لتتصدر أخلاق وسلوكيات الناس وتعاملاتهم.

اقرأ أيضًا: التربية بين فوضى العادات وعدل تعاليم الإسلام

3. عدم التعاطي مع شعارات العلمنة والتغريب – ولو بالسلب – لأن هذا الأسلوب للأسف في وقتنا الحالي وعبر وسائل التواصل الاجتماعي هو طريقة لنشر الفكرة المسمومة انتشارًا فيروسيًا، بينما إغفالها وعدم الحديث عنها إطلاقًا هو الحل الوحيد لكي تموت الفكرة وتنطمس تمامًا.

4. يجب الوعي بكل ما يُدس في عقول أبنائنا وبناتنا وبذل الوالدين لمزيد من الجهد التربوي لكي يساعدوا في تنمية وعي أطفالهم.

5. تكثيف حملات الصحوة والوعي عبر جميع الوسائل المتاحة بالطرق المحببة للجيل الجديد والمرونة في الطرح للارتقاء بهم وتنمية إدراكهم.

6. كشف المخططات التي تدعو إلى تحجيم دور الدين ومناهضة هدفها.

أختم بكلام لشيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله - فقد قال: "وأضلُّ الضُلاَّل: اتباعُ الظن والهوى"، وقد قال تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 2،3]، فالضالُّ من لا يعلم الحق، والغاوي من يتبع هواه.

كاتبة فلسطينية من قطاع غزة، تحمل شهادة البكالوريوس في علوم المكتبات والمعلومات، وعدة شهادات معتمدة في اللغات والإعلام والتكنولوجيا. عملت مع عدة قنوات فضائية: الأقصى، القدس، الأونروا، الكتاب. وتعمل حالياً في مقابلة وتحرير المخطوطات، كتابة القصص والسيناريو، و التدريب على فنون الكتابة الإبداعية. كاتبة بشكل دائم لمجلة الشباب - قُطاع غزة، وموقع بصائر الإلكتروني. وعضو هيئة تحرير المجلة الرسمية لوزارة الثقافة بغزة - مجلة مدارات، وعضو المجلس الشوري الشبابي في الوزارة. صدر لها كتابان أدبيان: (وطن تدفأ بالقصيد - شعر) و (في ثنية ضفيرة - حكائيات ورسائل).

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …