المظاهرات في الدول الإسلامية بين المنع والجواز

الرئيسية » بصائر تربوية » المظاهرات في الدول الإسلامية بين المنع والجواز
المظاهرات في الدول الإسلامية بين المنع والجواز محمد عبد الرحمن صادق 1

لا يخفى علينا جميعًا أنه ما من بُقعة من بقاع الدول العربية والإسلامية إلا وتعيش على صفيح ساخن؛ لما تعانيه من ظلم واستبداد، فصدور المواطنين في هذه الدول تغلي غليان المراجل، ويعمُّ الضجر المكتوم والسَّخط المدفون بسبب ما يعيشه المواطنون من جور وحَيف وظلم وهضم للحقوق ومصادرة للحريات، وبسبب الطبقية المقيتة في سائر مستويات المعيشة ومناحي الحياة.

إن كل هذه المظاهر تجعل الغالبية العظمى من المواطنين في الدول العربية والإسلامية بين رحا جور الحُكَّام وسلبهم لحقوق المواطنين ومصادرتهم للحريات، وسِندان الفتاوى التي يصدرها علماء السلطان بعدم جواز الخروج في مظاهرات على الحاكم، ويشرعِنون لهذه الفتاوى ويصبغونها بالصبغة التي تجعل المواطن يرضخ للذل والهوان مهما تعرَّض له من ظلم بيِّن واستبداد صريح، وكأن الحاكم هو مبعوث العناية الإلهية الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!

إن ما يُوضح هذا اللَّبْسَ ويُزِيل هذا الغموض ويضع الأمور في نصابها الصحيح هو معرفة نقاطٍ أساسيةً عن الحاكم (وليِّ الأمر) في الإسلام، ليعرف المواطنون حدودَ طاعتهم للحكام، وليعرفوا كذلك متى يثورون عليهم ويتمردون إلى أن تعود الأمور لوضعها الصحيح، وهذه النقاط هي:

• أهمية الحاكم (وليِّ الأمر) في الإسلام

• ضوابط اختيار الحاكم

• الشروط الواجب أن تتوفر في الحاكم

• المَهَمَّات التي يجب أن يؤديها الحاكم

• حق الحاكم على الرعية

الحاكم للرعية كالرأس للجسد، والحاكم والرعية كاليدين؛ تنظف إحداهما الأخرى، وعندما يكون الوسخ يسيرًا يكون التنظيف بلطف، ولكن عندما يكون الوسخ غليظًا متمكنًا فيحتاج إلى عرك شديد ومُجاهدة طويلة

أولًا/ أهمية الحاكم (وليِّ الأمر) في الإسلام

إن الحاكم بالنسبة للرعية كالرأس بالنسبة للجسد، والحاكم والرعية كاليدين؛ تنظف إحداهما الأخرى، وعندما يكون الوسخ يسيرًا يكون التنظيف بلطف، ولكن عندما يكون الوسخ غليظًا متمكنًا فيحتاج إلى عرك شديد ومُجاهدة طويلة.

ولأهمية وجود الحاكم (وليِّ الأمر) بالنسبة للأمة فقد أخَّر الصحابة رضوان الله عليهم أمر دفن النبي ﷺ لحين الانتهاء من تحديد خليفة للمسلمين يخلف النبي ﷺ، كي يقطعوا على الشيطان سبيل التفرقة بين المسلمين، وكي لا يخلو الناس من إمام يُقيم فيهم الحق.

ثانيًا/ ضوابط اختيار الحاكم

بداية، لا بد أن نعرف أن كلمة الحاكم (وليِّ الأمر) في الإسلام يقصد بها فئتان من الناس وهما: (العلماء والحكام)؛ فالعلماء هم أولياء أمورِ المسلمين، القائمون على أمور الدين، والحكام هم أولياء أمور المسلمين، القائمون على أمور الدنيا، ولا تعارض بين هذا وذاك باعتبار أن الإسلامَ نظام شاملٌ، يتناول مظاهر الحياة جميعًا.

مما سبق، نعلم أن اختيار الحاكم (وليِّ الأمر) في الإسلام يعدُّ أمرًا تعبديًا، وشهادة يُسأل عنها كل من شارك في الاختيار، وأمانة كبيرة تنوء بحملها الجبال!

لمَ لا، وهذا الاختيار سيترتب عليه إما نصرة الحق وإقامة الدين وصلاح أمور البلاد والعباد، وإما خذلان الحق وضياع الدين وفساد أمور البلاد والعباد!
قال ﷺ: "مَنِ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وخانَ رَسُولَهُ وخانَ الْمُؤْمِنِينَ" (رواه الحاكم في مستدركه)

وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "مَن اسْتعملَ رجلًا لِمَوَدَّة أو لِقَرابَةٍ، لا يستعمِلُه إلاَّ لذلك؛ فقد خانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ والمؤمِنينَ" (رواه ابن أبي الدُّنيا)

اختيار الحاكم أمرٌ تعبديٌّ، وقلنا إن اختياره سيترتب عليه إما نصرة الحق وإقامة الدين وصلاح أمور البلاد والعباد، وإما خذلان الحق وضياع الدين وفساد أمور البلاد والعباد!

ثالثًا/ الشروط الواجب أن تتوفر في الحاكم

ذكرنا أن اختيار الحاكم أمرٌ تعبديٌّ، وقلنا إن اختياره سيترتب عليه إما نصرة الحق وإقامة الدين وصلاح أمور البلاد والعباد، وإما خذلان الحق وضياع الدين وفساد أمور البلاد والعباد! لذا من الواجب عند اختيار الحاكم إخلاص النية، وتصويب المعيار، وتدقيق الاختيار، والمفاضلة بين الأخيار دون سواهم.

وبالنسبة للشروط الواجب أن تتوفر في الحاكم، فهي:

1. العلم الذي يُمكِّنه من الإحاطة بالأمور وحُسن سياستها

2. العقل الذي يُمكِّنه من ترتيب الأوّليّات بما لا يخل بثوابت الشرع

3. الحكمة التي تُمكِّنه من وضع الأمور في نصابها الصحيح بدون حيف ولا تهور ولا تردد

4. الرحمة التي تجعله يُنصف الضعيف ويغيث الملهوف

5. الشجاعة التي تجعله يئد الفتنة في مهدها، ويوقف الظالم عند حده، ولا يهاب عدوًا

6. العدالة التي هي ملاك الأمر كله وذروة سنامه وبدونها فلا فائدة لبقية الصفات ولا طائل منها

7. الخلق القويم الذي يُمكِّنه من الإنصاف من نفسه والتورع عن إتيان الحرام والتنزه عما تحت يديه من مقدرات البلاد وحقوق العباد

8. التواضع الذي يجعله يُنزل الناس منازلهم، ويقبل النصيحة ويفيء إلى أمر الله بدون ضجر من ناصح أو تبرير لخطأ أو معصية

9. عدم التوسع في المباحات وعدم الإفراط في الكماليات وعدم الوقوع في الشبهات

10. سلامة الحواس والأعضاء بالقدر الذي يُمكِّنه من مباشرة مهامه وتأدية واجباته

تلك عشرة كاملة لا غنى عنها لأي حاكم استرعاه الله على حقوق العباد واستأمنه على خيرات ومقدرات البلاد.

مهمة الحاكم في الإسلام من أسمى المهمّات وأجلِّها، لذا كان الإمام العادل هو أول السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله

رابعًا/ المَهَمَّات التي يجب أن يؤديها الحاكم

إن مهمة الحاكم في الإسلام من أسمى المهمّات وأجلِّها، لذا كان الإمام العادل هو أول السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذلك للتبعة المُلقاه على عاتقه وللمسئولية أمام الله تعالى يوم القيامة.

والمَهَمَّات التي يجب أن يؤديها الحاكم تتلخص في:

1. حفظ الضروريات الخمس، وهي (الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال)، وجعلها بعضهم ستة، فزاد على الخمسة المذكورة، ضرورة حفظ العِرض

2. إقامة القضاء العادل لحفظ الحقوق وتطبيق الحدود وصِيانة الحرمات

3. حماية البلاد وأمنها واستقرارها والدفاع عنها من كل تهديد خارجي أو داخلي

4. الحفاظ على ثروات البلاد وعدالة توزيعها، وضمان حق الأجيال القادمة فيها

5. تولية المناصب العامة للأمناء الأكفاء دون جور ولا مُحاباة

6. أن يُشرف بنفسه على دقة تنفيذ المَهمات وأن يُمارس حقه في الإبقاء على الأمناء والتخلص من الفسدة

7. أن يتخذ بطانة من العلماء الثقات يُبصِّرونه وينصحونه ويراجعونه

8. أن يجهد للرعية وينصح ويحتسب الأجر على الله تعالى

متى أحسن الحاكم تأدية الواجبات الواجبة عليه عمَّ الخير، وازدهرت البلاد وقويت شوكتها وهابها الأعداء

عن معقل بن يسار رضي الله قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يقولُ: "ما مِن أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ لا يَجْهَدُ لهمْ وَيَنْصَحُ، إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ معهُمُ الجَنَّةَ" (صحيح مسلم)، وقال ابن عبد ربه الأندلسي في (العقد الفريد): "لما وُلّي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل، فكتب إليه الحسن رحمه الله: "اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف... إلى نهاية وصيته الجامعة" ومتى أحسن الحاكم تأدية الواجبات الواجبة عليه عمَّ الخير، وازدهرت البلاد وقويت شوكتها وهابها الأعداء.

خامسًا/ حقوق الحاكم على الرعية

حدَّد "الماوردي" رحمه الله واجبات المسلمين نحو الحاكم بأمرين وهما:

1. الطاعة في غير معصية

2. النصرة ما لم يتغير حاله

وقال في (الأحكام السلطانية): "إذا أدّى الإمام ما ذكرناه من حقوق الأمة، فقد أدى حق الله تعالى فيما لهم وعليهم، ووجب له عليهم حقان: الطاعة والنصرة ما لم يتغير حاله"

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]

قال الشيخ الشنقيطي في (أضواء البيان): "كرَّر الفعل بالنسبة لله وللرسول، ولم يكرره بالنسبة لأولي الأمر؛ لأن طاعتهم لا تكون استقلالًا، بل تبعًا لطاعة الله، وطاعة رسوله، كما في الحديث: "لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ"

عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال: "السمعُ والطاعةُ حقٌّ على المرْءِ فيما أحَبَّ أوْ كرِهَ ما لمْ يُؤْمَرْ بِمعصيةٍ، فإذا أُمِرَ بمعصيةٍ فلا سمْعَ عليه ولا طاعةَ" (أخرجه البخاري ومسلم)

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "دَعانا النَّبيُّ ﷺ فَبايَعْناهُ، فقالَ فِيما أخَذَ عَلَيْنا: أنْ بايَعَنا علَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ، في مَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا، وعُسْرِنا ويُسْرِنا، وأَثَرَةً عَلَيْنا، وأَنْ لا نُنازِعَ الأمْرَ أهْلَهُ، إلَّا أنْ تَرَوْا كُفْرًا بَواحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فيه بُرْهانٌ" (صحيح البخاري)

(وأَثَرَةٍ علينا، أي: ولو اخْتَصَّ وَلِيُّ الأمرِ نفْسَه ببَعضِ الدُّنيا دُونَهم ظُلمًا وتَعدِّيًا منه، أو إذا فضَّل وَلِيُّ الأمرِ عليهم غيْرَهم في الاستِحقاقِ ومَنَعَهم حقَّهم، فعليهم أن يصْبِروا ولا يُخالِفوه، إلا... ما جاء في بقية الحديث)

ومن حق الحاكم على رعيته:

1. بذل النصيحة له، وإيقاظه عند غفلته، وإرشاده عند هفوته، وتحذيره من عدوه

2. نصرته وعدم خذلانه، وتعظيم قدره، وعدم الطمع فيما لديه

3. إعانته على تفقد الأحوال والوفاء بالعهود وإبراء الذمم

4. تجمع القلوب حوله، وردُّ غيبته، وحمايته من القلوب النافرة والأعداء الباغية (بالقول والفعل وبالمال والنفس والأهل، في الظاهر والباطن والسِّر والعلانية)

5. أن تستنفد معه أساليب النصح والإرشاد بضوابطهما، فإن انصاع للنصيحة فله حق السمع والطاعة، وإن عاند واستمر في غيِّه فما له إلا الخلع والإبعاد؛ فشرع الله وحقوق العباد ومُقدرات الوطن أحق بأن تنفق من أجلهم الأنفس رخيصة بدون النظر لما سواهما

الضابط في كل ذلك هو حدود الشرع؛ كي لا تراق دماء معصومة، ولا تنتهك حرمات مصونة، ولا تخرب مُنشئات محفوظة، ولا تضيع هيبة البلاد

إن نبي الله موسى - عليه السلام - ذهب في باديء الأمر لفرعون بالقول اللين، ولكن عندما أظهر فرعون طغيانه، ومارس جبروته، وتطاول على نبي الله موسى - عليه السلام – بقوله: "إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا" فما كان من نبي الله موسى - عليه السلام - إلا أن ردَّ له الصاع صاعين، وقال له: "وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا"، أي: هالِكًا مَغلوبًا.

وثبت عند البخاري في "التاريخ الكبير" أن عمر - رضي الله عنه - قال يومًا في مجلس، وحوله المهاجرون والأنصار: "أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمر، ما كنتم فاعلين؟ فسكتوا، فعاد مرتين، أو ثلاثًا، قال بشير بن سعد: لو فعلت قوّمناك تقويم القدح - أي عود السهم - قال عمر: أنتم إذن أنتم" (أخرجه الحافظ ابن عساكر من طريق البغوي)

ختامًا أقول..

إن كل ما سبق يمثّل شروطًا للعقد الذي يضبط العلاقة بين الحاكم والمحكومين في الأمة الإسلامية كلها متضامنة فيما بينها بما يصون مُقدساتها، ويحفظ شرعها، ويُوقف الاعتداء عن أراضيها، ويحقن الدماء المعصومة بها.

ومتى التزمت كل الأطراف بما لها وما عليها ساد العدل وعمَّت الحرية وانتشرت المساواة وقويت اللحمة وارتدع الأعداء، ومتى حاد الحاكم عن ذلك العقد فلا سمع له ولا طاعة، وحق للمحكومين أن يهُبّوا ولا يهدأ لهم حال حتى تستقيم الأمور وفق ما شرعه الله تعالى، وإلا فهم آثمون.
ومتى حاد المحكومون عن ذلك العقد فحق للحاكم – ما دام يقيم شرع الله فيهم - أن يُعمِل فيهم سوطه - وفق ما شرعه الله تعالى - حتى يردهم عن غيِّهم لكي لا تعم الفوضى فيتجرأ الأعداء وتضيع البلاد، وإلا فهو آثم.

والضابط في كل ذلك هو حدود الشرع؛ كي لا تراق دماء معصومة، ولا تنتهك حرمات مصونة، ولا تخرب مُنشئات محفوظة، ولا تضيع هيبة البلاد.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …