بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

الرئيسية » بأقلامكم » بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية
books17

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. ولا يتفق مع تفسيره وتعامله أي منهج لا ينبني على هذا العلم وهذه المشيئة. وموقف المسلم في التعامل مع مناهج كهذه عرضها على الشرع وتحكيمه فيها، فما صح أَخَذه، وما لم يصح تَرَكه. وإن لم يفعل أفسد مرجعية اعتقاده وأضاع فرصة الاستفادة من علم الله وهدايته وتوفيقه.و"واقعية الإسلام" تمتاز بمعرفة حقيقة الإنسان؛ المبنية على علم خالقه به، وبمراعاتها أمر روحه وجسده، وشمولها أمر دنياه وآخرته، وباهتدائها بسنن خالق الوقائع وواضع سننها، وإحاطتها بعالمي الغيب والشهادة. والمؤهل للانتفاع بها هو من صدّق بإخبار الله عما كان وما سيكون، وآمن بقوله عز وجل: "إن ما توعدون لواقع".

وبذلك فهي تتعامل مع الواقع كما هو حقيقةً، وتعمل على الارتقاء به نحو المثال. وهي مع معرفتها بضعف الإنسان ونقصه تعرج به في معارج القوة والكمال، وإن كان لن يبلغ منتهاها، ولكن مجرّد الارتقاء في هذا المسار يعطي حياته معنى يستحق الجهد والعمل.

وعند النظر بهذا المنظور إلى النظرية الواقعية المعاصرة في الفلسفة والسياسة والعلاقات الدولية، نلحظ قصورها عن معرفة طبيعة الإنسان؛ سواءً بإثبات جوهر شرير له أو التوقف بهذا الشأن، وقصور تفسيرها للسياسة ونشأة الدولة؛ بجعلها القوّة والسلطة محور التفسير، وتهميشها ما سوى ذلك من دين أو قيم أو أخلاق، وهو منظور عاجز عن فهم مجتمع مسلم يؤمن بأن تحقيق الشرع وإصلاح أمر الدنيا هو هدف التجمّع وإقامة الدولة والتفاعل مع بقية العالم.

كما أنها لا تتسع لفهم وجود خالق متحكم في الكون، وله فيه سنن. ولا مكان فيها، على سبيل المثال، لفهم قول الله عزّ وجل: "إن تنصروا الله ينصركم". كما يصعب على معتنقها فهم أو تطبيق أمر الله "وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين"؛ لما فيه من تقديم لقيمة الوفاء بالعهد على فرصة المبادرة في الهجوم على عدوّ يتوقع غدره وخيانته.

وإذا اتخذ سياسي مسلم هذا المذهب الواقعي أساساً لفهم السياسة وممارستها فسوف يكون متصادماً مع معتقدات الجمهور الذي يقوده، ومناقضاً لكليات وجزئيات كثيرة في دينه، مما يجعل ما يفسده عليهم أكثر مما يصلحه، بل إذا استحكم هذا المنهج في تسيير أمورهم؛ فإنه ينسف أساس تجمّعهم وعملهم المشترك.

فما يجمع الناس هو وجود نظام اجتماعي ومنظومة قيمية يخضع لها الجميع وتضبط تعاملاتهم، أما إذا تناقض الفعل السياسي وما يرتبط به من قوانين مع معتقدات الجمهور فإن ذلك يقسم هذا الجمهور فيما بينهم، بل ويقسم أفراد هذا الجمهور بين متطلبات أرواحهم وأجسادهم، ويفتنهم في الاختيار بين أمر دينهم أو أخراهم، ويجعل اجتماعهم غير محقق لهدف عيش حياة تسهل عليهم تحقيق مراد الله منهم والفوز في آخرتهم.

وبالخلاصة؛ فلا ينبغي أن تكون الواقعية السياسية، مرجعاً للسلوك السياسي والإداري بين المسلمين، بل يجب إخضاعها للتقييم والتوزين بميزان نظرة الإسلام إلى الواقع، وقصده الارتقاء بالبشر إلى مستوى أمثل، فيؤخذ منها ما ثقل في الميزان، ويطرح منها ما خفّ، نزولاً على أمر الله عزّ وجلّ واهتداءً بهديه.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

فعّال لما يريد

إنّ تحقيق مراد الله عزّ وجلّ في الأرض، والتوصّل إلى رضاه، يتطلّب التخلق بمقتضى صفاته …