إن الإسلام عندما شرع جهاد المشركين لم يكن الهدف من ذلك هو التخريب والتدمير، ولا تعطشًا للدماء، ولا لغرس القسوة في قلوب أتباعه، ولا لتصدير صورة ذهنية عن المسلمين بأنهم مصاصو دماء أو آكلو لحوم البشر.
إن الهدف من الجهاد في الإسلام هو ألا يكون هناك حائلٌ بين الله وبين قلوب العباد، فالحرب إنما شرعت إذًا لانتزاع كل ما يُعبد من دون الله من القلوب، وتطهير القلوب لتعود إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها أو لتتخذ قرارًا تكون النفس مسؤولة عنه وتحاسب عليه بين يدي الله تعالى.
والحرب في الإسلام ليست حرب إبادة، ولا حرب تدمير شامل كما نسمع عن الحروب في عصرنا هذا بل لا بد أن يسبقها إعلام وإنذار، إعلام بموجباتها وإنذار بمآلاتها!
أولًا/ الحرب في الإسلام ضوابط ومحاذير
عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله ﷺ إذا أمَّر رجلًا على سَرية، أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرًا، فقال: "اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا أنت لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى إحدى ثلاث خلال: أو خصال، فأيتهن أجابوك إليها، فاقبل منهم، وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول، من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك، أن لهم ما للمهاجرين، وأن عليهم ما على المهاجرين، وإن أبوا، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا أن يدخلوا في الإسلام، فسلهم إعطاء الجزية، فإن فعلوا، فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم، وإن حاصرت حِصنًا، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله، وذمة نبيك، فلا تجعل لهم ذمة الله، ولا ذمة نبيك، ولكن اجعل لهم ذمتك، وذمة أبيك، وذمة أصحابك، فإنكم إن تُخفروا (تخفروا: تنقضوا) ذمتكم، وذمة آبائكم، أهون عليكم من أن تخفروا ذمة الله، وذمة رسوله، وإن حاصرت حِصنًا، فأرادوك أن ينزلوا على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله، أم لا"، قال علقمة: فحدثت به مقاتل بن حيان، فقال: حدثني مسلم بن هيصم، عن النعمان بن مقرن، عن النبي ﷺ مثل ذلك" (صحيح ابن حبان)
لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلًا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيرًا إلا لمآكلة
ثانيًا/ وصية أبي بكر الصديق لجنود الإسلام قبل فتح بلاد الشام كما وردت في تاريخ الطبري
قال: يا أيها الناس، قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عنى: لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلًا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيرًا إلا لمآكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإن أكلتم منها شيئًا بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها، وتلقون أقوامًا قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب، فاخفقوهم بالسيف خفقًا، اندفعوا باسم الله، أفناكم الله بالطعن والطاعون (والمقصود هنا هو الدعاء لهم بالشهادة)
ثالثًا/ عداء اليهود للمسلمين "حُيي بن أخطب" نموذجًا
أخبرنا القرآن الكريم أن اليهود والذين أشركوا هم أشد الناس عداوة للمسلمين وذلك في قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82]
وأخبرنا القرآن الكريم بأن اليهود يحملون في قلوبهم للمسلمين بُغضًا وكراهية وحقدًا وعداءً تجعلهم يضنون بأي شيء على المسلمين حتى لو اضطرهم الأمر إلى إتلافه، قال تعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر: 2]
وأخبرتنا السيرة النبوية أن "حُيي بن أخطب" عندما علم بأنه سيُقتل عمَد إلى ثيابه فقطعها كي لا يستفيد بها مسلم بعده.
جاء في البداية والنهاية: "وأُتي بحُيي بن أخطب وعليه حلة له فقاحية (أي لونُها كلون الورْدِ حين يبدو تفَتُّحه)، قد شقها عليه من كل ناحية قدر أنملة لئلا يُسلبها، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، فلما نظر إلى رسول الله ﷺ قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يخذل"
من لا يرضخون لتعاليم الإسلام ويُصرون على حمل السلاح ضد المسلمين ويدخلون ميدان المواجهة مختارين، كل هؤلاء لهم من المعاملة ما تجعلهم وأمثالهم يفكرون ألف مرة قبل اتخاذ القرار بمواجهة المسلمين!
رابعًا/ ضوابط شرعية تحسم في مواجهة المشركين القضية
اتفقنا أن هناك ضوابط ومحاذير يتعامل من خلالها المجاهد أثناء حربه مع أعداء الله، وكما أن هذه الضوابط والمحاذير بيِّنت رحمة الإسلام وسماحته مع المسالمين الذين لا يحملون على المسلمين سلاحًا، إلا أن من لا يرضخون لتعاليم الإسلام ويُصرون على حمل السلاح ضد المسلمين ويدخلون ميدان المواجهة مختارين، كل هؤلاء لهم من المعاملة ما تجعلهم وأمثالهم يفكرون ألف مرة قبل اتخاذ القرار بمواجهة المسلمين!
وسنسوق هنا بعض الأمور التي ذكرها القرآن الكريم لتأديب كل من توسوس له نفسه ويحرضه شيطانه على أن يحمل سلاحًا ضد المسلمين.
ننبه على أننا نسوق هذه الآيات من باب القاعدة الفقهية التي تقول: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"!
وهذه الأمور نوجزها فيما يلي:
1. قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: 123]
2. وقال تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأنفال: 57]
3. وقال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60]
4. وقال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]
5. وقال تعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النور: 2]
6. وقال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا} [النساء: 84]
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65]
7. وقال تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191]
• وقال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا} [النساء: 91]
8. وقال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ} [البقرة: 193]
• وقال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} [الأنفال: 39]
9. وقال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 14]
10. وقال تعالى: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5]
11. وقال تعالى: {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} [التوبة: 12]
12. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ} [يونس: 27]
• وقال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45]
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عنِ النبيِّ ﷺ في حديثِ الرَّهطِ العُرَنِيِّينَ الذين قدِموا عليه المدينةَ فاجتوَوْها (أي: مَرِضوا فيها، وعَظُمَتْ بُطونُهُم من الاسْتِسْقاءِ) فقال لو خرجتُم إلى إبلِنا فأصبتُم من أبوالِها وألبانِها ففعلوا فصحُّوا فمالوا على الرُّعاءِ فقتلُوهم واستاقُوا الإبلَ وارتدُّوا عنِ الإسلامِ فأرسلَ النبيُّ ﷺ في آثارِهم فأُتِيَ بهم فقطعَ أيديَهم وأرجلَهم وسمَلَ أعينَهم (أي: فَقَأَها) وتُركوا بالحَرَّةِ حتى ماتوا" (إسناده صحيح على شرط الشيخين
13. وقال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ (أي يبالغ في قتل المشركين فيها، ويقهرهم غلبة وقسرًا) فِي الأَرْضِ} [الأنفال: من الآية 67]
هذا ديننا.. وهذه أخلاقه في الحرب والسلم لا يجور ولا يحيف، وإذا اعتدى فإنما يعتدي وفق ضوابط شرعية تضمن الحسم دون أن يكون للنفس حظًا ولا نصيبًا، ودون أن تشوب القلب شائبة تؤثر على نقائه وصفائه وإخلاصه!
14. "اقتُلوهم، وإن وجَدتُموهم متَعلِّقينَ بأَستارِ الكَعبةِ" (صحيح النسائي)
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: "لمَّا كانَ يومُ فتحِ مَكَّةَ، أمَّنَ رسولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ، إلَّا أربعَةَ نفَرٍ وامرأتينِ وقالَ: اقتُلوهم، وإن وجَدتُموهم متَعلِّقينَ بأَستارِ الكَعبةِ، عِكْرمةُ ابنُ أبي جَهْلٍ وعبدُ اللَّهِ بنُ خطلٍ ومقيسُ بنُ صبابةَ وعبدُ اللَّهِ بنُ سعدِ ابنِ أبي السَّرحِ فقالَ: أما كانَ فيكُم رجلٌ رشيدٌ يقومُ إلى هذا حيثُ رآني كفَفتُ يدي عن بيعتِهِ فيقتلُهُ فقالوا: وما يُدرينا يا رسولَ اللَّهِ ما في نَفسِكَ، هلَّا أوأمات إلينا بعينِكَ؟ قالَ: إنَّهُ لا ينبَغي لنبيٍّ أن يَكونَ لَهُ خائنةُ أعينٍ" (صحيح النسائي)
15. اشدد وثاقه: لما أسِر عزيز شقيق مصعب بن عمير - رضي الله عنه - قال مصعب لآسره: "اشدد وثاقه، فإن أمه غنية، وكان يرجو أن تفتديه بمال كثير، فقال عزيز لمصعب: أهذه وصاتك بأخيك؟ فأشار مصعب للمسلم وقال: هو أخي من دونك"
أخيرًا أقول:
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: "أفاءَ اللهُ خَيبَرَ على رَسولِه، فأقَرَّهُم رسولُ اللهِ ﷺ وجعَلَها بَينَه وبَينَهُم، فبَعَثَ عَبدَ اللهِ بْنَ رَواحةَ فخرَصَها عليهم (الخرص هو تقدير حجم ووزن الثمار وعدَّه بالتخمين والخبرة دون كيل أو وزن)، ثم قال: يا مَعشَرَ يَهودَ، أنتُم أبغَضُ الخَلْقِ إليَّ، قتَلتُم أنبياءَ اللهِ، وكَذَبتُم على اللهِ، وليس يَحمِلُني بُغْضي إيَّاكم أنْ أَحيفَ عليكم، قد خَرَصتُ عِشرينَ ألْفَ وَسْقٍ من تَمرٍ، فإنْ شئتُم فلكُم، وإنْ أبَيتُم فلي، قالوا: بهذا قامَتِ السَّمَواتُ والأرضُ، قد أخَذْناها، قال: فاخْرُجوا عنَّا" (تخريج سنن الدارقطني)
هذا ديننا.. وهذه أخلاقه في الحرب والسلم لا يجور ولا يحيف، وإذا اعتدى فإنما يعتدي وفق ضوابط شرعية تضمن الحسم دون أن يكون للنفس حظًا ولا نصيبًا، ودون أن تشوب القلب شائبة تؤثر على نقائه وصفائه وإخلاصه!