لماذا فعلتها حماس؟!
لقد فتحت على غزة وعلى فلسطين كلها أبواب النار!
لم يكن من العقل أن تثير العدو الغاشم بهذه الإثارة التاريخية!
ما فعلته حماس يشبه ما حدث في بيرل هاربر، في الحرب العالمية الثانية.. حتى إن أمريكا بعثت بحاملات طائراتها، وكأنها ستدخل الحرب مع إسرائيل ضد غزة، كما فعلتها في الحرب العالمية الثانية، ودخلت الحرب مع بريطانيا وفرنسا ضد ألمانيا!
أسئلة وأسئلة بعد ما فعلته حماس في السابع من أكتوبر 2023م، وهو اليوم التاريخي، الذي قل نظيره في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل وفي تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي كله.
إن الذي بات يحدث للفلسطينين في المسجد الأقصى وعلى أبوابه شيء تاريخيّ، كان يستدعي بالضرورة فعلًا تاريخيًا، كالذي فعلته حماس
فأما عن إجابة سؤال: لماذا فعلتها حماس؟!
فهي: إن الذي بات يحدث للفلسطينين في المسجد الأقصى وعلى أبوابه شيء تاريخيّ، كان يستدعي بالضرورة فعلًا تاريخيًا، كالذي فعلته حماس؛ فاقتحامات الأقصى، من قبل المستوطنين اليهود، والقوات التي تحرسهم، أصبحت يومية، وضرب الفلسطينيين، والاعتداء عليهم، وعلى النساء منهم، بات يوميًا كذلك.
ومشهد ضرب المرأة الفلسطينية بقسوة بالغة على أبواب المسجد الأقصى، من قبل الجندي اليهودي، مشهد حديث مؤلم، كان يستدعي فعلًا استثنائيًا من المقاومة الإسلامية.
ولن ينسى الإسلاميون الذين يقتبسون منهجيتهم من رسولهم الكريم - صلى الله عليه وسلم - أنه أجلى يهود بني قينقاع بسبب الاعتداء من يهودي منهم على امرأة مسلمة.
وكذلك لن ينسى الإسلاميون الذين يريدون إعادة مجد أمتهم، أنه في زمن مجد أمتهم، هدد المعتصم الروم بالحرب، بسبب الاعتداء على امرأة مسلمة هناك، فاخترق هتافها (وا معتصماه) الآفاق ليصل إليه، فيهدد ويتوعد، فلما لم يستجب له الروم، دخل بجيشه عمورية، ووصل للمرأة، وقال لها: هل أجبناك؟ قالت: نعم، نعم.
وفي قطاع غزة كذلك، حصار لا ينتهي، ولا يبدو في الأفق أنه سينتهي، والذي يظهر أن إسرائيل تتعامل مع هذا الحصار على أنه سيكون وضعًا دائمًا، والعالم كله يرى ذلك ويقبل به.
إسرائيل استطاعت إلى حد كبير أن تنهي حركة المقاومة المسلّحة المنظمة في الضفة، وإن كانت قد بدأت تعود في الأخير، لكنها منذ سنوات عدة لم تعد موجودة البتة.
تشكل غزة إشكالية كبيرة في الصراع العربي الإسرائيلي، وقد انسحبت إسرائيل من غزة صاغرة ذليلة، تحت ضربات المقاومة التي لم تكن تتوقف، وودّ قادتُها أن لو رموا غزة في البحر، كما صرحوا بذلك في تصريحاتهم المعلنة
واستطاعت مع ذلك أن تُحكِم حصارها على قطاع غزة، تريد بذلك إخراجه من المعادلة؛ لتكون المعادلة كما تريدها إسرائيل هي: غزة المحاصرة التي تبدو كدولة صغيرة منفصلة عن كل فلسطين عمومًا، وعن قدسها وأقصاها خصوصًا، وضفة غريبة أصبحت إلى حد كبير جزءًا من إسرائيل.
ثم لتمضي إسرائيل كما تريد أن تمضي!
لكن المقاومة الإسلامية في غزة، وعلى رأسها حركة حماس، ما كانت لتقبل بهذه المعادلة التي تريدها إسرائيل! لتحاول المقاومة أن تؤكد دائمًا على معادلتها: "فلسطين: دولة واحدة، وجسد واحد، ومصير واحد، غزةً وضفةً وشتاتًا" بل وتؤكد على معادلتها الأكبر: "فلسطين التاريخية دولة واحدة، عربية إسلامية، من النهر إلى البحر"، وتسعى بذلك لمعادلتها التاريخية الأكبر، والتي يسعى الإسلاميون جميعًا معها لتحقيقها: "الأمة الإسلامية أمة واحدة من المحيط إلى الخليج، بل ومن المحيط إلى المحيط".
تشكل غزة إشكالية كبيرة في الصراع العربي الإسرائيلي، وقد انسحبت إسرائيل من غزة صاغرة ذليلة، تحت ضربات المقاومة التي لم تكن تتوقف، وودّ قادتُها أن لو رموا غزة في البحر، كما صرحوا بذلك في تصريحاتهم المعلنة.
والظاهر أنهم سيظلون يودون لو أنهم رموها في البحر دائمًا، فهي لن تخرج من المعادلة، بل وهي التي ستفرض معادلتها دائمًا.
الذي فعلته حماس كبير، ويبدو أنه سيكون له ما بعدَه، ومهما كان ما بعدَه، فإن حماس معذورة في ما فعلته، بل ومأجورة ومحيَّاة على ذلك.
فقضية التحرر التي تسكت لأيام وأسابيعَ وشهور، بل وسنين، من الممكن أن تسكت للأبد.. لا بد أن تحيا قضية التحرر حينًا بعد حين، بل ولا بد أن تبقى حية في كل يوم، ولا بد أن تدبّ فيها الحياة دبيبًا كبيرًا، إذا أوشكت على الموت النهائي، وبالكلية.
الذي فعلته حماس كبير، ويبدو أنه سيكون له ما بعدَه، ومهما كان ما بعدَه، فإن حماس معذورة في ما فعلته، بل ومأجورة ومحيَّاة على ذلك
والمريض الذي يُخشى موته، يعرضونه للصعق الكهربائي لكي يستفيق وتدب فيه الحياة مرة أخرى.. وهذا ما أحدثته حماس في قضية تحرير وطنها: صعق كهربائي، وكان كبيرًا؛ لأن القضية كان يراد لها الموت الكبير.
وإذا كانت الأحداث تقاس بخواتيمها، ويعني ذلك أن نصفق جميعًا لحماس إن انتهى المشهد وهي ما تزال قوية حاضرة وفي قبضتها الأسرى الذين أسرتهم في هذا الطوفان لتفاوض بهم بعد ذلك، وأن نلومها جميعًا إن كانت الأخرى، واستطاع الاحتلال الصهيوني - لا قدّر الله - دحر المقاومة في غزة، واستئصال شأفتها كما يصرح بذلك.. فإننا لا بد أن نقرر من الآن، أن حماس كانت معذورة فيما فعلته، ولم يترك لها الاحتلال خيارًا آخر، مع كل ما كان يفعله من انتهاكات في الضفة، واقتحامات للمسجد الأقصى وتدنيس له، وحصارٍ خانقٍ قاتلٍ لغزة، ومع كل ما كان العالم يفعله من تخاذل واستكانة ورضىً، بل ودعم وتأيييد للمحتل الغاشم القاتل.
حماس معذورة فيما فعلته، معذورة مأجورة، بل ومحيّاة على ذلك المشهد البطولي الأسطوري الذي لم يحدث في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي كله.
معذورة ومأجورة ومحيّاة، مهما كانت نهاية المشهد، ولئن تمت باحثًا عن الحرية خير لك من أن تموت بعبوديتك، والموت مكتوب عليك على كل حال، ولئن متَّ واقفًا تحاول جاهدًا أن تدفع سيف عدوك عنك، خير لك من أن تموت جالسًا مطأطئ الرأس له، منتظرًا نزول سيفه إليها.
التحية لكم أيها المجاهدون الأبطال، مهما كانت نهاية المشهد، ولن يكون إلا خيرًا بإذن الله، وإنما النصر صبر ساعة، والله معكم، وهو مولاكم ولا مولى لهم.