طوفان الأقصى معيار العقيدة الصحيحة والفطرة السليمة

الرئيسية » خواطر تربوية » طوفان الأقصى معيار العقيدة الصحيحة والفطرة السليمة
طوفان الأقصى معيار العقيدة الصحيحة والفطرة السليمة

قضية فلسطين القضية العقدية التي تخص عقيدة الملايين قبل أن تختص بحزب من الأحزاب أو أن تكون صراعًا على أرض جغرافية أو على مسجد - بجدرانه وحيطانه ومحرابه - كما يظن البعض ممن غيبته وسائل الإعلام المشَوَّه والمشوِّه للحقائق والتجهيل القسري والمتعمد في كل ما يدور حولنا ابتداء من المدارس التي يستهدفون مناهجها ودورها في الأمة وصناعة الأجيال وانتهاءً بوسائل الإعلام وما تقدمه وتشغل به الأجيال وتدغدغ عواطفهم ومشاعرهم وتزين لهم الانسلاخ من موروثهم الحضاري والتاريخي، بإشغالهم عن قضايا أمتهم الكبرى بقضايا جانبية وزجهم وطاقاتهم فيما لا يعود على الأمة ولا عليهم أنفسهم بنفع مادي ولا معنوي.

وطوفان الأقصى في وقته وزمانه ومكانه هو تقدير إلهي قبل أن يكون تخطيطًا بشريًا فالصراع بين يهود والمسلمين ليس وليد اللحظة ولم تأتِ هذه الهجمة الشرسة على الشجر والحجر وكل ما هو كائن حيّ في غزة تحديدًا وفي فلسطين عامة بسبب توجيه ثلة طاهرة لضربة في الصميم للعدو بدون تخطيط، أو بتفردهم في قرار له من التبعات ماله - كما يظن البعض - مما أدى إلى الرد من قبل العدو الغاشم، وصب جام غضبه على الآمنين المدنيين، والمتابع للقضية الفلسطينية يعلم يقينًا أن كل المدنيين مستهدفين من بني صهيون وما الاعتداءات من قطعان الصهاينة والتنكيل بالمصلين والمرابطين في ساحات الأقصى إلا شاهدًا على ذلك لمن ألقى السمع وهو شهيد على الحقائق ولم يتحيز مسبقًا لتظل حياته مترفة ناعمة لا يعكر صفو هدوئه صيحة ثكلى أو دمعة يتيم.

قضية فلسطين هي الميزان الدقيق والمرآة التي تكشف حقائق الناس وزيفهم، والأهم من ذلك حقيقة نفسك ونقاط الضعف في قلبك

إنّ الأحداث التي تحدث اليوم هي أسباب قدرها الله لضبط بوصلة قلوبنا وأفكارنا وربطها ربطًا عقائديًا صحيحًا سليمًا بعيدًا عن المصالح والمكاسب الحزبية والسياسية كما يريد البعض أن يروّج لها، ففلسطين كل فلسطين هي وقف إسلامي يرتبط بعقيدة كل من نطق الشهادتين وإن اختص بالذود عنها ثلة من أبناء هذه البقعة التي أراد الله لهم أن يظلوا مرابطين على ثغورها، وهذا لا يعفي أي مسلم من مشارق الأرض ومغاربها عن أداء واجبه اتجاه القضية التي تختص بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

إنّ مكانة المسجد الأقصى العقائدية تتضح في سورة الإسراء لمن تدبر ووعى كلام ربه، وفي أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى" (صحيح البخاري)، وفي حضه على زيارة المسجد الأقصى، عن ميمونة مولاة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس. فقال: "ائتوه فصلوا فيه وكانت البلاد إذ ذاك حربًا، فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله" (سنن أبي داوود)، ثمّ تأمل ما ورد عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيهما أفضل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو مسجد بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، وليوشكن أن لا يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعًا، أو قال خيرٌ من الدنيا وما فيها" (المستدرك على الصحيحين)

إنّ قضية فلسطين هي الميزان الدقيق والمرآة التي تكشف حقائق الناس وزيفهم، والأهم من ذلك حقيقة نفسك ونقاط الضعف في قلبك، ومن قِبَلها يأتيك الشيطان ويشغلك بسفاسف الأمور عن قضيتك الأم وقضية الدماء التي تُسفك على مرأى من العالم المدّعي لحقوق الإنسان والمرأة، وسرعان ما تبطل إدعاءاتهم عند أول محك يقفون عنده إذا ما تعلق الأمر في فلسطين وشعبها ونسائها وشيوخها وأطفالها حجرها وشجرها.

الأحداث اليوم تكشف سَوْءة العالم الغربي المتقدم بتجاهل دماء المرأة التي يبذلون الغالي والنفيس في سبيل تمردها على القيم والمبادئ بحجة أنّها مظلومة بأحكام الإسلام فأين هم اليوم من دمائها المسفوكة ومن براءة الطفولة المستباحة

إنّ قضية فلسطين تلغي وهم الحدود الجغرافية التي وضعوها على الورق ليفرقوا بين الشعوب فيصح فينا المثل إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض، إنها الضربة الموجعة التي تهز الغارقين في سباتهم وشهواتهم ونومهم، فجاءت عملية طوفان الأقصى لتعيد صياغة التاريخ وخط حقائقه وتصحح دروس العقيدة في الولاء والبراء، جاءت لتصفع جاهلية القرن هذا برغم علو كعبه في الحضارة والمدنية لتكشف لنا أن جاهلية عصر الرسالة كانت لا تخلو من المروءة والفطرة السليمة عندما هبّ نفر من المشركين محتجين على حصار المستضعفين في شعب أبي طالب في حين حصار غزة وشعبها لم يتحرك لفكه أصحاب البطون المتخمة.

كما أنّ الأحداث اليوم تكشف سَوْءة العالم الغربي المتقدم المنصبين أنفسهم للدفاع عن حقوق الإنسان ولا سيما المرأة والطفل، كشفت عورته بالتحيز للظلم وبتجاهل دماء المرأة التي يبذلون الغالي والنفيس في سبيل تمردها على القيم والمبادئ بحجة أنّها مظلومة بأحكام الإسلام فأين هم اليوم من دمائها المسفوكة ومن براءة الطفولة المستباحة، أين مواقفهم التي صدعونا بها في حقوق الإنسانية؟! فما بال أفواههم كُمِمَت حتى عن الشجب والاستنكار لكل ما يجري من استباحة للإنسانية على أرض غزة وفلسطين.

ثم كشفت هذه الأحداث عن طبيعة الصراع بين القوى وأنّ هناك فسطاط حق وفسطاط باطل، وأن وقوفك في المنتصف غير مقبول؛ فلا مساحة رمادية في مثل هذه الأحداث، فإما أن تكون في فسطاط الحق تدافع عن أرضك وعقيدتك ومقدساتك ولو بالكلمة، وإما أن تكون نصيرًا للباطل، أما أن تظل شيطانًا أخرس لا يليق بذي عقل يرقب عن كثب كل ما يدور حوله من انتهاك صارخ لكل المعاني والقيم الإنسانية.

الأجيال التي حاول الاستعمار بكل قواه أن يطمس هويتها ويسلخها من جلدها ويحرف بوصلتها ما تزال قضية فلسطين تجري في عروقها

ويتساءل الكثير من العامة هل ما يجري نهاية المطاف بيننا وبين المحتل الجاثم على صدرنا منذ عقود، هل سنجني ثمار الدم المسفوح والبيوت المهدمة والعوائل التي أزيل اسمها من السجل المدني نصرًا مؤزرًا نرفع فيه رايات النصر على مآذن وقباب وساحات المسجد الأقصى؟!

وهنا يجب أن نتريث قليلًا ولا نرفع سقف التوقعات عاليًا؛ كي لا نسقط على رؤوسنا سقطة لا نقوم منها وإذا قمنا فبإحباط ويأس وقنوط وعزم خائر وإرادة مسلوبة، ولا أقول ذلك من باب التثبيط، فإن من يؤمن بوعد ربه ويثق به هو أبعد الناس عن اليأس؛ لأنه يقرأ كلام ربه ويثق في وعده بقوله تعالى: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]، ولكن قبل أن يرث العباد الصالحون الأرض فلا بد من العمل بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]

ومن هنا فإن الأحداث الجارية وإن لم تكن نهاية الصراع فهي قفزة نوعية قطعت مسافات شاسعة في طريق التحرير، ونقطة تحول سيشهد لها التاريخ؛ لأنها:

أولًا/ أثبتت وبجدارة وعلى أرض الواقع فشل قناعة الكثيرين بفكرة الجيش الذي لا يُقهر

إذ استطاعت فصائل المقاومة توجيه ضربة له في الصميم وغزوهم في عقر ثكناتهم وبؤرهم الاستيطانية المقامة على أرض مغتصبة من أهلها وأصحاب الحق فيها.

ثانيًا/ أثبتت أن الشعوب لم تكن يومًا على دين ملوكها وحكامها

وأنّ الأجيال التي حاول الاستعمار بكل قواه أن يطمس هويتها ويسلخها من جلدها ويحرف بوصلتها ما تزال قضية فلسطين تجري في عروقها وأنها قضية كل حرّ شريف وإن قطعت الحدود الجغرافية جسد الوطن الواحد إلا أنّ الشعوب ما زالت على قلب رجل واحد.

وإن بقي في العمر بقية نتناول بإذن الله في المقال التالي ما دوري كمسلم في معركة طوفان الأقصى؟

كاتبة حاصلة على الدكتوراة في العقيدة والفلسفة الإسلامية من جامعة العلوم الإسلامية العالمية في الأردن. و محاضرة في جامعة القدس المفتوحة في فلسطين. كتبت عدة مقالات في مجلة دواوين الإلكترونية، وفلسطين نت، وشاركت في المؤتمر الدولي السادس في جامعة النجاح الوطنية حول تعاطي المخدرات. مهتمة بالقضايا التربوية والفكرية، وتكتب في مجال الروحانيات والخواطر والقصة القصيرة.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …