المرجفون في الأمة موجودون دائمًا، أولئك الذين يخوفون الأمة من عدوها، وينشرون في الناس ما يفت في عضدهم ويوهن قواهم، هم المنافقون كما قال بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب: 60]
أو هم الذين ينشرون كل ما يرعب الأمة من عدوها، ويعينون العدو على مخططاته ومؤامراته، حتى وإن كان هؤلاء المرجفون من غير المنافقين؛ فالمنافقون قوم يبطنون الكفر ويعلنون الإسلام، أما المرجفون فهم قوم من المسلمين، لمّا يدخل الإيمان في قلوبهم، أقرب لكل عدو، لا يكونون إلا مخذلين ومثبطين لأمتهم.
يقول هؤلاء المرجفون: لماذا فعلتها حماس، وهي تعلم ردة الفعل من العدو الصهيوني، وكيف ستكون؟!
ولهؤلاء نقول: إنها قضية تحرر وطني أيها المرجفون، ولم يكن التحرر في أية أمة وفي أي وطن إلا بضريبة يدفعها أبناء الأمة من مجاهديها وعوامها.
إن كنتم لا تُكْبرون شيئًا يفعله العرب والمسلمون، فلماذا تنظرون نظرة الإكبار للثورة الكورية وللثورة الكوبية، وغيرها من ثورات غير المسلمين شرقًا وغربًا، مع أنها ثورات راحت فيها ملايين الأرواح من المناضلين والمدنيين على السواء
ولماذا تنظرون نظرة الإكبار- إن كنتم تنظرون - للثورة الجزائرية، التي ارتقت فيها أرواح الملايين من الجزائريين، حتى قيل عنها (ثورة المليون شهيد)، وفي الحقيقية هي (ثورة الملايين من الشهداء)، ولماذا تنظرون كذلك للثورة الأفغانية ولغيرها من ثورات العرب والمسلمين نظرة الإكبار.
وإن كنتم لا تُكْبرون شيئًا يفعله العرب والمسلمون، فلماذا تنظرون نظرة الإكبار للثورة الكورية وللثورة الكوبية، وغيرها من ثورات غير المسلمين شرقًا وغربًا، مع أنها ثورات راحت فيها ملايين الأرواح من المناضلين والمدنيين على السواء.
ثورات التحرر أيها المرجفون، لا بد أن تُدفع في سبيلها الأثمان الباهظة، من دماء الناس وأرواحهم، وإلا فلن يكون تحرر، ولن تكون إلا قالة السوء، يوم يقول القائلون: الكل نال حريته إلا هؤلاء الجبناء. وأن تمر السنون والعقود والعدو جاثم على أرضنا، هو العار الذي لا بد أن يمحى، ولن يمحى عار الاحتلال إلا بالدم.
ويقول المرجفون: ما دامت المقاومة لا تملك قوة كتلك التي تملكها إسرائيل، فلماذا تغامر بأرواح الناس؟!
ولهؤلاء نقول: لا توجد مقاومة لمحتل في التاريخ كانت قوتها تساوي أو تقارب قوة المحتل الغاصب، والمقاومون يقاتلون بحقهم قبل أن يقاتلوا بسلاحهم، ويقاتلون بعقيدتهم قبل أن يقاتلوا بعتادهم، وينتصر المقاومون في كل قضية تحرر، برغم ضعف قوتهم وعدتهم، بحقهم وعقيدتهم وتضحيتهم.
ولو خُلّي بين المقاومة الفلسطينية، وبين السلاح المناسب لهذه المعركة، ما كانت إسرائيل لتبقى يومًا واحدًا، فإن المقاومة الفلسطينية هي مقاومة أهل الحق، الحق التاريخي الجغرافي العرقي،؛ فهم أبناء الكنعانيين أهل هذه البلاد منذ آلاف السنين، والحق الإلهي السماوي الذي أعطاه الله لهم بوراثة المسجد الأقصى والأرض المباركة منذ أن أُسري برسول الله إليه في رحلة الإسراء.
المؤامرة على الفلسطينين ومقاومتهم كبيرة، وحصارهم من كل الجهات معلوم، ومنع السلاح والعتاد عنهم ظاهر وواضح، المعركة بين الفلسطينيين واليهود، هي معركة بين الفلسطينيين أقوى جند الله وأشجعهم
لكن المؤامرة على الفلسطينين ومقاومتهم كبيرة، وحصارهم من كل الجهات معلوم، ومنع السلاح والعتاد عنهم ظاهر وواضح، المعركة بين الفلسطينيين واليهود، هي معركة بين الفلسطينيين أقوى جند الله وأشجعهم، المنصورين المؤيدين، الذين لا يضرهم من خذلهم، وبين اليهود أضعف وأجبن خلق الله.
لكن الضعيف الجبان مزود بأحدث الأسلحة والمعدات، ومدعوم من كل الأرض، والقوي الشجاع منزوع السلاح، ومخذول حتى من إخوانه وجيرانه.
ويقول المرجفون: لماذا لم تستعد المقاومة، بإنشاء الملاجئ اللازمة لإيواء المدنيين في مثل تلك الحروب؟!
ولهؤلاء نقول: والله إنكم لجاهلون، أو متجاهلون!
وأنّى للمقاومة بالإمكانيات التي تتيح لها ذلك، وهي المقاومة المحصورة مع شعبها، في شريط حدودي صغير، ليس سجنًا كبيرًا كما يقول القائلون، بل هو في الحقيقة سجن صغيرٌ جدًا، اسمه غزة، يبلغ طوله حوالي 40 كيلو مترًا، ويبلغ عرضه من 5 إلى 15 كيلو مترًا.
وهذه الأطوال بميزان البلاد والجغرافيا لا تساوي شيئًا.
أهل غزة ومقاومتها محصورون، يجدون قوت يومهم بالكاد، ويصنعون صواريخهم بأيديهم، بما فيها من مواد fدائية، أما أن تحفر ملاجئ تحت الأرض لإيواء عشرات الآلاف من الناس وقت الحروب، فهو ما لا تقدر عليه المقاومة المحاصرة بإمكاناتها المتواضعة
أهل غزة ومقاومتها محصورون، يجدون قوت يومهم بالكاد، ويصنعون صواريخهم بأيديهم، بما فيها من مواد وأدوات بدائية، والأنفاق التي يصنعونها لحركة المقاومة أنفاق بدائية، تصلح للحركة بين موقع وموقع ومكان ومكان، أما أن تحفر ملاجئ تحت الأرض لإيواء عشرات الآلاف من الناس وقت الحروب، فهو ما لا تقدر عليه بإمكاناتها المتواضعة، ولا تقدر عليه وهي المقاومة المحاصرة.
ويقول المرجفون، ودائمًا يقولون: المقاومة دائمًا ما تركن إلى البعد الشيعي، إيران وسوريا وحزب الله!
ولهؤلاء نقول: لقد فقدت المقاومة سندها السنيّ، فبحثت عنه عند أي كائن كان، فوجدته عند إيران وسوريا وحزب الله، فقبلت ذلك السند، بدون أن تعطي في مقابله أي تنازل، سواء كان ذلك التنازل عقائديا أو جهاديا.
فالمقاومة الإسلامية في فلسطين مقاومة سنية، وما زالت، وستظل بإذن الله. لم تعتنق أفكارا شيعية، ولم تنشرها في الناس، وهي المسيطرة على قطاع غزة منذ ما يقارب العشرين عامًا.
كما أنها لم تنخرط بسلاحها في معركة تقف فيها مع المكون الشيعي ضد المكون السني، لا في سوريا ولا في لبنان ولا في العراق، ولا في غيرها.
المقاومة الإسلامية تأخذ من إيران وسوريا وحزب الله، بدون أن تعطي في مقابل ما تأخذه شيئًا، فلماذا لا تأخذ، وهي لا يعطيها غيرهم؟!
ولا ننسى يوم أن خرجت حماس من سوريا، رافضة التغول الديكتاتوري الأسدي على الشعب السوري المتطلع لحريته وخلاصه.
موقف المقاومة الإسلامية موقف مشرف إلى الآن من داعميها، موقف من يقبل الدعم من الجميع، دون أن يقدم أي تنازلات في مقابل الدعم، ولا يقبل أن يصطف مع أحد في مقابل أحد في المماحكات والصراعات الإقليمية، ويرفض أن تكون بندقيته إلا في وجه عدوه الصهيوني.
الملحمة التي كتبها الله على أبناء فلسطين، أبناء الأرض المقدسة، أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، هي ملحمة الجهاد والفداء والتضحية، ووعد الله لا يُخلف، وإن نصر الله لآت
ويقول المرجفون: لماذا لا يعتمد الفلسطينيون منهج المقاومة السلمية، كما انتهجها غاندي في تحرير الهند من الاحتلال الإنجليزي؟!
ولهؤلاء نقول: قضية تحرر الهند غير قضية تحرر فلسطين تماما، فالاحتلال الانجليزي للهند كان احتلالًا بغرض المصلحة، يبحث عن الاستفادة المادية لا غير، والاحتلال الذي غرضه المصلحة المادية احتلال ضعيف جدًا، ومن السهولة الانتصار عليه ودحره، أما الاحتلال الصهيوني لفلسطين، فهو احتلال عقائدي، وهو ما لا يكون دحره إلا بالدماء، وبالتضحية بالنفس والنفيس في دفاعه.
يوما ما قال حُييُّ بن أخطب لليهود وهم يُذبحون لخيانتهم وغدرهم: إنها ملحمة كتبها الله على بني إسرائيل، وقد صدق الرجل؛ فإن الله كتب على بني إسرائيل ملحمةً، هي الخيانة والإفساد، وملحمة تشتيتهم وسومهم سوء العذاب على أيدي عباد الله في الشرق والغرب.
والملحمة الأخرى، تلك التي كتبها الله على أبناء فلسطين، أبناء الأرض المقدسة، أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، ملحمة الجهاد والفداء والتضحية. ملحمة في مقابل ملحمة، ووعد الله لا يُخلف، وإن نصر الله لآت.