إنّ تحقيق مراد الله عزّ وجلّ في الأرض، والتوصّل إلى رضاه، يتطلّب التخلق بمقتضى صفاته وأسمائه، مما لا يختصّ به سبحانه، وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله: "وهذا شأن أسمائه الحسنى، أحبّ خلقه إليه من اتصف بموجبها، وأبغضهم إليه من اتصف بضدها".
ومواجهة أهواء النفس وأهواء الناس، وعمارة الأرض، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تتطلّب التأسّي باسم الله القويّ، وبوصفه عزّ وجلّ لذاته بأنّه "فعّال لما يريد".
وقد دلّنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على مفاتيح للوصول إلى هذه المنزلة من التخلّق بقوله: "المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنِّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان".
وأشار الإمام النووي رحمه الله إلى أن المراد بالقوة هنا: "عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد، وأسرع خروجًا إليه، وذهابًا في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاقّ في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة، والصوم، والأذكار، وسائر العبادات، وأنشط طلبًا لها، ومحافظةً عليها، ونحو ذلك".
ومصدر قوة العبد هو استناده إلى مولاه، ولمّا كان مولاه صاحب القدرة المطلقة، والأمر النافذ، والتفرّد بالنفع والضرّ، فإن لديه معينا من القوّة لا ينفد، ينهل منه -في حدود آدميته- على قدر اتصاله بربّه، وتمثّله أوامره ونواهيه في فعله وتركه.
وقد أمر الله عزّ وجلّ نبيه عليه الصلاة والسلام، بقوله: "فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ". وفيها قال البغويّ رحمه الله: أي "لا تدع جهاد العدو والانتصار للمستضعفين من المؤمنين ولو وحدك".
وما كان الله ليكلّف نفساً إلا وسعها، فيستدلّ من ذلك على أنه أعطى نبيّه من معين القوة الماديّة والمعنوية ما يمكّنه من القيام بهذا التكليف.
وهذا باب خير عميم، يجدر بكل مسلم تلمّس طريقه، والتعرّض إلى فيوضه، عساه يعيش جنّةً في الدنيا، تُسلمه إلى جنّة الآخرة.