كيفية التعامل مع الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الأطفال ضحايا الحرب في غزة

الرئيسية » بصائر تربوية » كيفية التعامل مع الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الأطفال ضحايا الحرب في غزة
التعامل مع الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الأطفال ضحايا الحرب في غزة - طوفان الأقصى -

لطالما عانى الناس من الآثار النفسية التي تخلّفها الحروب في جميع أنحاء العالم والتي قد تصل إلى اضطرابات وعقد نفسية أو فوبيا تستمر معهم طيلة حياتهم

سواء بسبب الخوف المستمر تحت وابل الخطر ورشقات القنابل والطلقات والصواريخ، أو بسبب فقد أحد الأهل والأصدقاء والجيران أو الأحبة عمومًا.

وتتمثل الاضطرابات النفسية التي تتسبب بها الحروب والاجتياحات والتهديد وترويع الآمنين – وهذا ما يحدث حاليًا في غزة بالضبط – في أزمات عدة أوردها هنا على سبيل المثال لا الحصر:

الاكتئاب، القلق، الفزع، اختلال التوازن، الخوف، الكوابيس المزعجة، الرغبة في العنف أو العداء، اليأس والإحباط.

في ظل المشاهد التي ترد عن العدوان الصهيوني على قطاع غزة فإن ما يحتاجه الجميع هناك - وليس الأطفال وحسب - هو وقف العدوان تماما في التو وإنقاذ ما تبقى من حياة في غزة

انعكاسات الاضطراب النفسي الناجم عن الحروب والعدوان:

تظهر آثار الاضطربات النفسية على الأطفال بأشكال وطرق عدة، وإن لم ينتبه لها الأهالي إلا أنها تعبر بشكل أو آخر عن حدوث اضطراب نفسي، وبعض هذه الآثار أو السلوكيات التي يمكن أن يستدلّ الوالدان من خلالها على وجود مشكلة نفسية لدى الطفل:

• نوبات الغضب غير المبررة

• العصبية الداخلية المكتومة والقهر اللذان يمكن أن يؤديا إلى الموت بصمت

• مصّ الأصابع

• ضعف الاستيعاب والتحصيل العلمي

• العدوانية والعنف لأتفه الأسباب

• الذهول والصدمة والشرود

• التأتأة والاضطراب اللغوي والكلامي

• فقدان الوزن وانعدام الرغبة بتناول الطعام أو الشراب

• النسيان وعدم تذكر أحداث قريبة المدى يمكن أن تكون قد حدثت من دقائق

• التشتت سريعًا وضعف التركيز وعدم القدرة على الاستمرار بترديد جملة متتالية أو العد المتواصل ولو للعشرة مثلًا

• المزاج المكتئب والحزن طَوَال الوقت

• الشعور بالذنب وفقدان الرغبة في اللعب أو التسلية

• الخوف من الغرباء وانعدام الثقة بكل ما ومن حوله

• الأرق واضطرابات النوم

• التبول اللا إرادي

• التهرب من الإجابات عن أسئلة بسيطة عن حاله

• قلة الحركة ومثلها فرط الحركة (على غير عادته)

• الصمت الطويل أو الثرثرة الكثيرة (على غير عادته)

• التفكير بالموت وترديد كلمات يائسة

هذا بعض ما يمكن أن يظهر على الأطفال في مراحل العمر المختلفة، خلال الحروب وتحت الضغط النفسي الذي يتعرضون له عند انعدام الأمان والتعرض لأحداث غير طبيعية كالقصف والتدمير الذي يتعرض له أهل غزة في هذه الفترة.

تشكل الانعكاسات النفسية التي تتركها الحروب خطرًا على الأطفال بشكل أكبر من غيرهم، خصوصًا إذا كان الأكبر سنًا يؤمنون بعدالة القضية التي تقوم الحروب لأجلها

وتشكل الانعكاسات النفسية التي تتركها الحروب خطرًا على الأطفال بشكل أكبر من غيرهم، خصوصًا إذا كان الأكبر سنًا يؤمنون بعدالة القضية التي تقوم الحروب لأجلها، سيما إذا كانت مثل محور حديثنا اليوم (قضية فلسطين والاحتلال الغاشم لفلسطين أو تهويد القدس وقتل واعتقال المجاهدين والمرابطين، أو محاولات حرق وهدم المسجد الأقصى وقبلة المسلمين الأولى)

لذلك فإننا في هذا المقال سوف نركز على تهدئة مشاعر الأطفال وتخفيف الأثر النفسي – قدر المستطاع وبأقل ما يمكن – وإن كنا واثقين ومتأكدين من أن لا شيء يمكنه أن يساعد أطفالنا المتضررين في حرب الإبادة الجماعية التي تنفذ في غزة بقدر إيقاف الخطر وإنقاذ غزة بكل ما فيها من إنسان وشجر وحجر! 

في ظل المشاهد التي ترد عن العدوان الصهيوني على قطاع غزة فإن ما يحتاجه الجميع هناك - وليس الأطفال وحسب - هو وقف العدوان تماما في التو وإنقاذ ما تبقى من حياة في غزة، لكن ما سأقدمه في هذا المقال سوف يكون دليلًا للتعامل مع الأطفال في ظل هذه الظروف – قدر المستطاع – وبعد زوال الأزمة وخروج أهلنا الفلسطينيين سالمين آمنين مطمئنين بمشيئة الله.

قضية فلسطين العادلة يجب أن تبقى محور حديث العائلات في كل مكان ولذلك فإننا نقترح على الوالدين والمرشدين التربويين والمعالجين النفسيين أن يشرحوا للأطفال سبب العدوان وسبب الحرب وبعضًا من المعلومات المهمة عن ملامح قضيتهم العادلة

كيف نخفف من انعكاسات الحرب على نفسيات أطفالنا في غزة؟

تحت العدوان وخلال القصف قد يشعر الوالدان بالخوف والقلق أكثر من الأطفال، كما قد يصعب الوصول إلى معالج نفسي وداعم تربوي أو مرشد يساعد في هذه المرحلة، إلا أننا أمام أمر واقع، فالطفل يحتاج إلى الدعم كثيرًا ويستلزم الأمر أن يتماسكا لحماية حياته وضمان استقراره النفسي.

مبدئيًا.. يجدر بي التنبيه إلى أن الكلام المباشر مع الطفل لن يجدي نفعًا، ولا يجوز أن نقول له: لا تخف، لا تقلق... إلخ؛ لأن الطفل في هذه المرحلة لن يكون قادرًا إطلاقًا على إدراك أنك تحاول التخفيف عنه، ولنتفق على أن جميع تصرفاتك التي ستساعده فعليًا على التفريغ النفسي ستكون بعيدة تمامًا عن توجيه الكلام المباشر.

ولكن، أود أن أنبه على ما يلي: مما لا شك فيه أن قضية فلسطين العادلة يجب أن تبقى محور حديث العائلات في كل مكان – وليس في غزة وفلسطين فقط في هذا التوقيت بالذات – ولذلك فإننا نقترح على الوالدين والمرشدين التربويين والمعالجين النفسيين – فتلك مهمتهم مجتمعين وما يلي من مقترحات فهي قابلة للتطبيق من قبلهم جميعًا - أن يشرحوا للأطفال سبب العدوان وسبب الحرب وبعضًا من المعلومات المهمة عن ملامح قضيتهم العادلة، كل حسب فئته العمرية وفي الوقت المناسب لذلك، وبعد تطبيق ما يناسب من نصائح أوردها فيما يلي:

بعد أن تشعر بأن الطفل أعطاك الأمان وشعر ناحيتك بالراحة خلال القصّ أو الحديث معه فلا مانع من لمسه بحنان وود من رأسه أو مداعبة شعره، ابدأ بعرض الاحتضان عليه أو التربيت على كتفه بهدوء وكأن الأمر حصل بدون قصد

1. مواصلة الروتين اليومي المعتاد، نصحو من النوم، نصلّي، ندعو، نسبح ونهلل ونردد الأذكار والتحصينات ونمارس حياتنا الاعتيادية من طهي وقراءة وتدوين واجتماع عائلي... ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

2. جمع أكثر من طفل لتقديم الدعم النفسي وممارسة تمارين تفريغ نفسي ستكون أكثر جدوى من توجيه ذلك لطفل واحد فقط أو ممارسته معه، إذًا... فالمطلوب جمع الأطفال معًا؛ لأن تفاعل الطفل مع أطفال في جيله يجعل الاستجابة للدعم أسرع، وكي لا يشعر أنه مستهدف فتستعصي المساعدة، وحين ينسجم الأطفال ابدؤوا بالرسم والتلوين أو سرد القصص والمنافسة في قص القصص الخيالية الجميلة أو الألعاب الحركية أو الغناء .

3. الأطفال يخافون من اقتراب الآخرين منهم في الأعمّ، وفي الظروف الخاصة - كهذا الظرف العصيب – يصبح خوفهم أشدّ وأكبر، لذلك فليحرص من يقدم الدعم النفسي على أن يقف أو يجلس على مسافة قريبة منهم بدون محاولة احتضانهم مباشرة أو اقتحام محيط الأمان حولهم بشكل مفاجئ؛ لكي يؤدي مهمته بنجاح فالأطفال يخشون اقتراب الكبار عمومًا وتحت ظروف الحرب سيكون الأمر أكثر تعقيدًا.

4. يحب الأطفال الأصوات الغريبة والأشكال الغريبة، لذلك يمكن التحدث إليهم بأصوات مختلفة تشبه أصوات المعلقين في الرسوم المتحركة، والمبالغة في الانفعالات والضحكات وارتداء أزياء مختلفة تجعلهم يشعرون بالفرح ثم التجاوب مع الأبوين أو المعالجين والمرشدين ، احك لهم القصص بأصوات مختلفة ومتفاوتة ومضحكة ومتباينة وارو لهم أحداثًا بعيدة عن العنف لتشغلهم عمّا يحدث ولو لوقت مقتطع.

5. بعد أن تشعر بأن الطفل أعطاك الأمان وشعر ناحيتك بالراحة خلال القصّ أو الحديث معه فلا مانع من لمسه بحنان وود من رأسه أو مداعبة شعره، ابدأ بعرض الاحتضان عليه أو التربيت على كتفه بهدوء وكأن الأمر حصل بدون قصد.. وذلك بعد أن يشعر بالأمان التام معك؛ فالتواصل الجسدي في هذا التوقيت سيكون محفزًا ومساعدًا في إشعاره بالأمان والقرب.

إن كانت القذائف لا تزال محيطة والقصف مستمرًّا فلا تتردد في حجب تلك الأصوات بوضع سماعة على أذنيه يستمع إلى قصة عبرها أو تلاوة من القرآن الكريم، فتشعره بأمان مضاعف وتأخذه إلى عالم آخر بعيد عن الصوت المرعب المحيط به

6. اسمح للطفل أن يتحدث ويخبرك بأفكاره ومخاوفه وقلق ويفضفض مشاعره فيفرّغ ما لديه بالكلام وإن بدا مرتبكًا أو شابت حديثه التأتأة، اتركه يسترتسل وأظهر رغبتك في سماع المزيد، وأشعره بالاهتمام بكل كلمة يقولها، وأنك سعيد وفخور ومقدر لكل ما تسمعه منه .

7. امنح الطفل الاهتمام الكافي، ساعده في احتياجاته بدون أن تشعره بالعجز، لا بأس في أن تدخل معه إلى "الحمام" أو تطعمه بيدك؛ فهذا الفعل يفسّر لدى الطفل بالحب مباشرة ويعطيه أمانًا غير محدود.

8. إن كانت القذائف لا تزال محيطة والقصف مستمرًّا فلا تتردد في حجب تلك الأصوات بوضع سماعة على أذنيه يستمع إلى قصة عبرها أو تلاوة من القرآن الكريم، فتشعره بأمان مضاعف وتأخذه إلى عالم آخر بعيد عن الصوت المرعب المحيط به.

9. حدد ساعات مشاهدة التلفاز والأخبار وحاول النأي بمواقع الأخبار عن فئة الأطفال، استمع إليها عبر هاتفك الخاص، أو قنوات البث المكتوبة التي لا تصل إليها حواسه فتزيد الطين بلة.

جميع هذه الأساليب مجدية حسب الدراسات التي أجراها الأخصائيون التربويون والداعمون النفسيون للأسر والأطفال بعد حروب طاحنة مرت على غزة وغيرها من البلدن، فليختر الوالدان والمرشدون ما يناسبهم منها وحسب معرفتهم بالقدرات والاستجابات لدى الأطفال الذين يقومون على رعايتهم.

نسأل الله أن يعمّ الأمان والسلام بلادنا العربية ويحفظ أبناء الأمة الإسلامية

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • دليل الدعم النفسي والتربوي للأطفال النازحين في ظروف الحروب والكوارث/ تأليف: بروفيسور عبد الله المجيدل
  • دليل التعامل مع الأطفال في ظل الظروف الصعبة/ تأليف د. فضل أبو هين
  • إرشادات علمية للتعامل مع الحروب/ تأليف د. عبد العزيز ثابت
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة فلسطينية من قطاع غزة، تحمل شهادة البكالوريوس في علوم المكتبات والمعلومات، وعدة شهادات معتمدة في اللغات والإعلام والتكنولوجيا. عملت مع عدة قنوات فضائية: الأقصى، القدس، الأونروا، الكتاب. وتعمل حالياً في مقابلة وتحرير المخطوطات، كتابة القصص والسيناريو، و التدريب على فنون الكتابة الإبداعية. كاتبة بشكل دائم لمجلة الشباب - قُطاع غزة، وموقع بصائر الإلكتروني. وعضو هيئة تحرير المجلة الرسمية لوزارة الثقافة بغزة - مجلة مدارات، وعضو المجلس الشوري الشبابي في الوزارة. صدر لها كتابان أدبيان: (وطن تدفأ بالقصيد - شعر) و (في ثنية ضفيرة - حكائيات ورسائل).

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …