من الكتب المنشورة حديثًا، كتاب بعنوان (لا تقتل الطفلة في زوجتك)، للكاتب الأستاذ/ محمود توفيق، لم أستطع بعدُ الحصول على نسخة من الكتاب، ولأنه قد أعجبني العنوان جدًا، وأعجبتني فكرته التي تبدو من عنوانه، فقد قررت أن أكتب حول العنوان، وأدندن حول الفكرة.
أقول: يا أيها الزوج، لا تقتل الطفلة في زوجتك، فتحرمها من عاطفتك، وتحرمها من التعبير عن هذه العاطفة، فإن الطفلة التي في زوجتك، تحتاج إلى عاطفة الحب والحنان، وإلى التعبير لها عنهما، كما تحتاج الوردة إلى سُقيا الماء، وهي لما جاءتك زوجة، فإما أنها قد عاشت في كنف أبيها وأمها طفلة محاطة بالحب والحنان، وفي فقدها عندك لما اعتادته أبلغ الإفساد والضرر، وإما أنها حرمت من الحب والحنان في طفولتها، ليُتم عاشته، أو لأبوين قاسيين ظالمين، وهي تحتاج لمن يعوضها، فلا تكن أنت كما كان أبواها، أو لا تكن أنت واليتم حليفان عليها.
والطفلة التي في زوجتك كأية طفلة، لا تحتاج لمجرد الحب والحنان فقط، ولكنها تحتاج مع ذلك للتعبير عنهما، بالكلام وبالفعال، وكم من رجل محب لزوجته، كتوم لهذا الحب، لا يعبر عنه، أضر بزوجته وأفسدها، كأنه لا يحبها البتة.
وهنا معضلة كبيرة: الرجل بطبيعته لا يميل لدوام التعبير عن حبه، وخصوصًا مع تتابع الأيام والليالي ومرور الزمن، والمرأة بطبيعتها تحتاج لهذا الدوام، مهما طال العمر ومر الزمن، والوسطية خير في كل شيء، وطرفاها المتطرفان: من ناحيةٍ المبالغة في هذا التعبير، ومن ناحيةٍ عدم التعبير بالمرة.
لا تقتل الطفلة في زوجتك بالعنف منك تجاهها، سواء كان هذا العنف عنفًا لفظيًا أو جسديًا، كيف يقدم بعض الرجال على تعنيف نسائهم بالكلام، بل ويصل الأمر للضرب باليد
وإن من المؤسف والمحزن، أن يتندر الرجال في منتدياتهم، بأن كلام الحب والعاطفة، كأنّه خُلِقَ من أجل العلاقات الحرام فقط، فتجدَ الرجل يبدع فيه إذا ما كان يحادث امرأة غير زوجته، أما إذا دخل على زوجته، رأيته انعقد لسانه، كأن كلام الحب والعاطفة مع الزوجة الحلال حرام، ومع الخليلة الحرام حلال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأقول: يا أيها الزوج، لا تقتل الطفلة في زوجتك بالعنف منك تجاهها، سواء كان هذا العنف عنفًا لفظيًا أو جسديًا، وإني لأستغرب حقًا: كيف يقدم بعض الرجال على تعنيف نسائهم بالكلام، بل ويصل الأمر للضرب باليد، وإن ذلك عندي لكبير؛ فتلك امرأة بالغة راشدة، جاءتك شريكة لحياتك، وأمًا لأبنائك، وحليلة لشهوتك، وصديقة ورفيقة.
وهي مع ذلك ابنة أبيها وأمها، وأخت أخيها وأختها، فكيف يقدم الرجل على تعنيفها مع ذلك، بل وانتهاج العنف معها في كل يوم وليلة، وأستغرب أكثر وأكثر من تلك المرأة التي تقبل أن تعيش في كنف رجل همجيٍّ غاشم، يعاملها كما يعامل السيد عبيده.
فأما عن العنف اللفظي والغلظة من الرجل، فهو من الهمجية والتخلف والظلم واللادينية واللاإنسانية، وخصوصًا إذا كانا دائمين مستمرين، وأما عن العنف الجسدي، فهو مع كل ما سبق، من الحيوانية البغيضة، وخصوصًا أيضًا إذا كان دائمًا ومستمرًا غير عارض.
فإذا ما تعلل أحدهم بأن ضرب الزوجات مشروع، فإنا نقول له: إنه مشروع حقًا، ولكنه مشروع لنسبة صغيرة جدًا من النساء، اللاتي يبلغ النشوز عندهن حدًا من التطرف، لا يقابل إلا بمثله من التطرف في العقاب والتقويم، وهو تطرف في مقابل تطرف، أمّا الطبيعي من هنا ومن هناك، فهو أن تكون عشرة بالمعروف، لا فيها نشوز من هنا، ولا عنف وضرب من هناك.
لا تقتل الطفلة في زوجتك بقتل حيائها، فإنما حياء النساء من أكبر ما يَقيهن ويقي الرجال من السقوط التام في بحر الفساد الشهواني والسلوكي
ومن أعجب العجب، أني وجدت بعض المتدينين، يظنون أن ضرب النساء من السنة، بل ومن الواجب؛ لأنه ورد في القرآن بصيغة الأمر: واضربوهن، ومن نافلة القول هنا أن نؤكد على أن هذا مرتبط بنشوز المرأة كما ورد في نفس الآية.
ولنا في رسول الله أسوة حسنة، الذي قالت فيه عائشة زوجته رضي الله عنها: "ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خادمًا له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئًا" [أخرجه ابن ماجه ومسلم، واللفظ لابن ماجه]
والخلاصة عندي هنا: أن المرأة التي تقبل أن يضربها زوجها ضربًا دائمًا، فهي إما أن تكون مختلَّة بخللٍ تستحق معه هذا الضرب الدائم، وإما أن تكون مضطرة لقبول ذلك لأسبابٍ قاهرة، اضطرار من يأكل الميتة ليعيش.
والرجل الذي يقبل أن يعيش مع امرأة يضربها ليل نهار ضرب الحيوانات، فهو إما أن يكون حيوانًا، وإما أن يكون مضطرًا أن يبقيها زوجة له مع خللها البائن لأسباب قاهرة.
وأقول: يا أيها الزوج، لا تقتل الطفلة في زوجتك بقتل حيائها، فإنما حياء النساء من أكبر ما يقيهن ويقينا نحن الرجال من السقوط التام في بحر الفساد الشهواني والسلوكي.
فالشهوة الجنسية شهوة طاغية، ومن أكبر ما جعله الله في هذه الحياة الدنيا ليقي البشر جميعًا من السقوط التام في بحر هذه الشهوة إلى حد الغرق التام: حياء النساء.
ولولا حياء النساء، لربما سقط جميع الرجال في جريمة الشهوة الحرام - إلا من رحم الله - وهم قليل، ولربما سقطت جميع النساء في جريمة الشهوة الحرام - إلا من رحم الله - وهم قليل.
فالله عز وجل، لما خلق الأرض، وخلق البشر عليها، وركب فيهم شهواتهم ورغباتهم، علم ويعلم كم هي سطوة الشهوة الجنسية عليهم، فأحاطها الله لذلك بأكثر من حافظ، وخصوصًا عند النساء، فجعل غشاء البكارة للمرأة، وجعل معه غشاء الحياء الذي يلفها كذلك.
وإذا ما كان بقاء غشاء البكارة هو علامة استقامة المرأة الجنسية إلى أن تتزوج، فإن بقاء غشاء الحياء هو علامة استقامتها طيلة عمرها، قبل زواجها وبعد زواجها.
فلا تقتل أيها الزوج، هذا الحياء الطفولي في زوجتك، بممارساتك الشهوانية المبالغة في جرأتها وخروجها عن المسموح والمألوف، فإن ذلك سيمزق غشاء حيائها، ويقتل الطفلة الحيية فيها، وهو ما يجب أن تخاف أنت منه، ويخاف المجتمع كله معك.
يعمد بعضهم إلى التحدث أثناء العلاقة الجنسية مع زوجته بأحاديث مهيجة، إلى حد الشتم والسب لبعضهم البعض، ويعمد بعضهم إلى الحديث عن أخريات من النساء أثناء علاقته مع زوجته، لأجل التحفيز والتهييج، بل ويعمد بعضهم إلى مشاهدة أفلام إباحية هو وزوجته، من أجل ذك التهييج الملعون.
لا بد للزوج أن يعوض غياب الأب بالنسبة لزوجته، فيكون لها القوي الذي تستند عليه وتحتمي به، ويكون لها الذكي النابه الذي تسلم له قيادها في طمأنينة وثقة
فيا أيها الزوج الذي يفعل أيًا من ذلك، أو يفعل ذلك كله، أنت تقتل الطفلة في زوجتك بهذا، وتقتل أعز ما تملكه المرأة، وهو الحياء، وإذا ضاع حياء المرأة، فإنها الحيوانية العامة بكل ما تملكه من انحطاط وتسيب وشيوع.
ولتعلم أيها الزوج، ولتعلم الزوجة معك: أن الشهوة الجنسية مثل الوحش المتعطش للنهش، الذي كلما ألقمته شيئًا، زادت شهوته للنهش أكثر، والحل أن تعطيه ما يسد رمقه، بدون تحفيز وتهييج.
والتحفيز والتهييج للشهوة الجنسية بين الرجل والمرأة، إن كان بالمعقول المباح فهو مباح، وإن كان مبالغًا فيه إلى حد الوقوع في المحظور والمُحرم من الكلام والفعل، فهو محظور ومحرم، وله ما بعده من الخوف الأكبر، من المحظور الأكبر والمحرم الأكبر، في عمومه وشموله.
وأقول: يا أيها الزوج، لا تقتل الطفلة في زوجتك، بضعف شخصيتك؟! فإن الطفلة التي في زوجتك قد تربت منذ صغرها على الحماية في كنف أبيها، والبنت تنظر لأبيها نظرة إكبار وإعظام، مهما كانت شخصية أبيها على غير ذلك؛ فالأطفال عمومًا - وخصوصًا البنات منهم - يرون آباءهم أقوى الرجال، وأذكى الرجال، بل وأوسم الرجال.
ولا بد للزوج أن يعوض غياب الأب بالنسبة لزوجته، فيكون لها القوي الذي تستند عليه وتحتمي به، ويكون لها الذكي النابه الذي تسلم له قيادها في طمأنينة وثقة، فإذا لم يكن الزوج كذلك، فعليه أن يداري ما استطاع، لئلا يظهر ضعفه أمام زوجته، وتظهر قلة حيلته أمامها، فيقتل حينها الطفلة التي بداخلها، وتحاول حينها أن تسترجل، حتى تحمي ما عجز الزوج عن حمايته، وتدير ما عجز الزوج عن إدارته، وهنا ينقلب المشهد، وتتبدل الأدوار، وتسيطر المرأة، بل وتعمد إلى غلبة الرجل وقهره.
وهذا النوع من النساء، موجود وبكثرة، وما الذنب إلا ذنب الرجل، فما استأسد الحمل إلا لما استنوق الجمل.