القاعدة التي بغيرها لا يحصل التغيير هو أنك أنت مالك زمام نفسك، وليس لشيء أن يغيرك إلا أن "تقتنع" أنت "فتعمل" أنت به
فالمؤثرات الخارجية – سواء كانت كتبًا أو خلافها – دورها:
1. أن تعرض عليك منطقًا
2. وتدعوك بناء عليه لفعل
وحدك تملك قرار الاستجابة بحسب ما اقتنعت، ومن هنا كان المرء مكلفًا ومحاسبًا على أفعاله وقراراته واختياراته الحياتية، بعد أن بيَّن الله لنا سبيل الرشاد، والسبل الأخرى الحائدة عنه.
هذان العاملان أعلاه هما معيار الحكم على قدرة المؤثرات الخارجية على التأثير.
هنالك فرق بين الاقتناع بأهمية أمر أو صحته، وهذا المدخل العقلي؛ واستشعار حاجة المرء إليه، وهذا المدخل القلبي
فما العوامل الداخلية التي تظل حاجزًا أمام التغيير حتى بعد الاقتناع بجدواه؟
1. الإيمان
بعد الاقتناع العقلي ستقر بصحة هذا الفعل أو ذاك، لكنه إقرار كإقرارك بأهمية اللبن وعزوفك عن شرب كوب كل صباح مثلًا، لماذا؟ لأنك لم تستشعر "الحاجة"، هنالك فرق بين الاقتناع بأهمية أمر أو صحته، وهذا المدخل العقلي؛ واستشعار حاجة المرء إليه، وهذا المدخل القلبي، فأنت لا تأكل مثلا لأن "الطعام مفيد لجسم الإنسان" كما تعلمنا كتب العلوم، بل لأنك حين تجوع لا تملك إلا أن تستجيب لتلك الحاجة،
فلنقل مثلًا إن قرأت عن مهارات التواصل الفعال، أو كيف تحسن أخلاقك، فلن تستطيع حقًا أن تستفيد بما قرأت إلا أن تكون مستشعرًا لحاجتك لتحسين تواصلك مع الناس، فتكون كالمريض الباحث عن دواء مستعدًا لتجربة كل ما يقدم له مما اقتنع به، حتى ينفعه أحدها، أما أن تقرأ أو تتصفح لأن الموضوع مهم أو الأمر ممتع أو القصص تحفيزية، فسينتهي بك المطاف في فورة مؤقتة لا تلبث أن تزول، فتكون صفات الحلم والصبر وطيب الكلام وكظم الغيظ وخفض الصوت... إلخ، مجرد عوارض طارئة في شخصيتك، لا أخلاقا تخلقت بها حتى صارت لك طباعًا.
لإحداث تغيير حقيقي باق لا بد من معرفة بواعثك لفعل ما تفعل؛ لأن أية عادة تلبي فيك حاجة ستظل قابلة للاستمرار، فإما أن تستغني عن تلك الحاجة أو تهتم بتلبيتها بطرق أفضل، وبالتالي لا تكون عملية التغيير معاداة لحاجتك وحربًا على قناعاتك، بل تواصلًا معها بطرق أخرى، بغير ذلك تكون كمن يعطى دواءً وهو لا يعرف مرضه وبالتالي لن يحرص على التزام العلاج.
حذار من تغيير يكون مجرد تلميع براق لمعدن في أصله صدئ، بل ابدأ بالأولى فالأولى، فليس كل ما يلمع ذهبًا، لكن كل ذهب لا بد أن يلمعَ
2. السياق المتكامل
فما تنفعك القراءة عن الوقت وتنظيمه ولا رؤية لديك لأهداف نافعة تريد تحقيقها؟ وما تنفعك اللباقة مع الناس وأنت لا تعامل أهلك بالحسنى؟ وما تغني عنك مهارات العرض والتقديم بغير قلب حيٍّ يُعايش ما يتكلم به اللسان، فيحول المبادئ والأفكار من عرائس شمع إلى روح تدب فيها الحياة؟
السياق المتكامل يعني أن ترتب أولوياتك، كتب التنمية البشرية تنبّهك دائمًا إلى ترتيب أهدافك لأولويات، لكن الحق أن أولوياتك نفسها بحاجة لترتيب أخص وأهم، وإلا ستشعر بالانفصام بين الوجوه العديدة التي تظهر بها، والأقنعة التي ترتديها لكل حال، فهل تبحث عن خلق لموقف، أم تسعى للتخلق والتطبع به دومًا؟
وإنه من قلة فقه الأولويات أن يغرِق المرء قائمة أهدافه بتغيير العالم والتأثير في الناس وتوحيد الجهود... إلخ، وهو غير قادر على تغيير يومه هو وتنظيم أوقاته – يكفي الاستيقاظ مبكرًا وتقليل ساعات النوم والتلفاز! -، ولم يتلفت لتأثر قلبه بما يتعلم قبل تعليمه للناس، وأسرته مفككة وأبواه غير راضييْن عنه وإخوته في قائمة المهملات!
حذار من تغيير يكون مجرد تلميع براق لمعدن في أصله صدئ، بل ابدأ بالأولى فالأولى، فليس كل ما يلمع ذهبًا، لكن كل ذهب لا بد أن يلمع.
إن العيش بطريقة الشحن للوصول، تعني أنك ستعيش حياتك منتظرًا أن تحيا، ولا تكاد تبدأ في رفع الستار حتى يأتيك الختام
3. الصبر والدأب
رحلة المرء مع ذاته تطويرًا وتحسينًا وتنمية، لا أقول من أطول رحلات حياته، بل هي رحلة حياته ذاتها، فمن الوهم استعجال كل شيء في ذات الوقت وتمني الوصول إلى "قمة" التغيير التي ليس وراءها مزيد!
فلا غنى والحال كذلك عن نفس طويل متأن، متقبل لحقيقة أنه في كل يوم، بل مع كل نَفَس، هنالك دائمًا شيء أحسن يمكن تعلمه، وقيمة مضافة أتخلق بها، والصبر هو جوهر الوصية النبوية: "إنما العِلم بالتعلّم، والحِلم بالتحلم، ومن يتحرَّ الخير يُعطَه، ومن يَتَوَقَّ الشر يُوقَه"، فلا بد من الصبر بيقين أن الله لا يضيع أجر عامل، وأنه مهما بدا لك أن المنال عسير، فإنك بتوفيق الله وعونه لا بد ستحصّله ما دمت تجتهد وتستعين بالله.
والدأب هو الجد والاستمرار في الفعل حتى يصير عادة، فالصبر لا يعني بحال القعود عن العمل، وكذلك لا تجدي طريقة الأرنب الذي قطع نصف السباق عدوًا ونام في النصف الثاني! لكن كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ" (صحيح البخاري: كتاب الرقاق باب القصد والمداومة على العمل، حديث رقم: 6464)، فحفظ بضع آيات يوميًا مع فهمهما والعمل بها، خير من إجهادها بسور طويلة تتلوها كقائمة أخبار.
تجنب تمامًا أن تعيش "مشحونًا"؛ لأنك ستكون بالضبط كمن يأكل وجبات 3 أيام في وجبة واحدة، ظنًا منه أن ذلك سيوفر عليه تلك؛ لكن الحاصل أنه يؤذي نفسه، ولا ينتفع "بالحشو" شيئًا، إننا نستعجل "الوصول" إلى شيء ما، فلا نتوقف ولو لنسائل أنفسنا ما هو، في حين أن ما نحن مطالبون به حقيقة هو أن "نحيا" لا أن "نصل"، أن نحيا بما نؤمن به ونجتهد أن نثبت عليه، وفي كل يوم إضافة جديدة "نحياها"، وليس "نكومها" على رف الانتظار.
إن العيش بطريقة الشحن للوصول، تعني أنك ستعيش حياتك منتظرًا أن تحيا، ولا تكاد تبدأ في رفع الستار حتى يأتيك الختام!