لا أخفيكم سرًا إن قلت بأن الحرب على غزة قد سيطرت على قلمي فلم يعد يتطرق لأي موضوع آخر كتلك التي كنت اتطرق لها قبل الحرب، ولكن في المقابل ومع تشظي القضية الفلسطينة وبروز أبعاد جديدة مفاجئة، وحيثيات صادمة، أصبح هناك تحد لتغطية كل ذلك في مقالات معدودة.
إن ما تعيشه المنطقة منذ السابع من أكتوبر الماضي قد يُؤسِّسْ لتحول تاريخي على جميع الأصعدة الإقليمية والدولية، كما قد يعيد رسم الخارطة الجيوسياسية في المنطقة، وترتيب الأوراق السياسية للإدارة الأمريكية ونقاط ارتكازها في الشرق الأوسط، وقد تؤثر إفرازات الحرب أيضًا على مستقبل العلاقات العربية العربية، والعربية الغربية بشكل جذري.
إننا نشهد في هذه الأيام موجا عظيما من الأحداث المتسارعة ما بين حرب ضروس يشنها جيش الاحتلال على شعب أعزل، وانتهاكات للقوانين الدولية، وازدراء واستخفاف بقيمة النفس البشرية، وازدواجية المعايير الفاضحة، وعجز المجتمع الدولي ومنظماته عن إيقاف آلة الحرب الصهيونية، والانحياز العسكري والعنصري والعرقي والديني الذي مارسته الأنظمة الغربية ضد شعبٍ يطالب باستعادة حقوقه ويقاوم المحتل في إطار ما تسوق له تلك الدول من مبادئ ومعايير أصبحت للأسف مزدوجة وقابلة للمساومة حسب ما تقتضيه الأجندات غير المعلنة.
ومع كل تلك الظلمة في هذ النفق الموحش أصبح بإمكان المبصر أن يرى نورًا ساطعًا في نهايته، إنه نور الحق الذي دمغ الباطل فأزهقه {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18]، لقد زهق جيش الاحتلال فما عاد ذلك الذي لا يقهر، وانكشفت له ثغرات أمنية كبيرة هزت ثقة المستوطنين بالأمن في الأرض المحتلة رغم كل الإمكانات التكنولوجية والعسكرية والدعم الخارجي، وبدا للجميع عجز الإدارة الأمريكية بعدتها وعتادها العسكري عن تحرير الرهائن أو أن تجتث المقاومة الباسلة، وباءت بالفشل الذريع كل الممارسات الإجرامية لجيش الاحتلال ضد النساء والأطفال والمرضى، كما فشلت الضغوط السياسية على الأطراف الممثلة للشعب الفلسطيني من النيل من صلابة الموقف ووحدة الصف والالتفاف حول المقاومة.
طلائع التحول الإيجابي في منطقة الشرق الأوسط تجاه مركزية القضية الفلسطينية وتبني فكر المقاومة والتنسيق المثمر قد بدت واضحةً للعيان
وفي المقابل عبّرت شعوب العالم الحرة عن موقفها من الحرب على غزة بموجة من الغضب الشديد ضد الكيان الصهيوني والتعاطف الكبير مع أهل غزة، وأصبح علم فلسطين أيقونة عالمية للمقاومة وعدالة القضية في المظاهرات والمناسبات المختلفة، لقد خسر الكيان الصهيوني سياسيًا وتوقف قطار التطبيع وصفقة القرن، وخسر عسكريًا حيث انكسرت آلته على صخرة المقاومة، وتبع ذلك بالطبع خسائر مادية مباشرة وغير مباشرة وتشوهت صورته الإعلامية التي ترصد لها الميزانيات السنوية لتلميعها وإضفاء الشرعية على ممارساتها.
إن طلائع التحول الإيجابي في منطقة الشرق الأوسط تجاه مركزية القضية الفلسطينية وتبني فكر المقاومة والتنسيق المثمر قد بدت واضحةً للعيان، ولا يختلف اثنان على الدور الذي لعبته الدبلوماسية القطرية في مسرح الأحداث بلا كلل ولا ملل، فقطر اليوم تقود قافلة العدل والإنسانية وتبذل الغالي والنفيس لرأب الصدع والانقسام العربي والإسلامي تجاه الأحداث الدائرة في غزة، وقد أثمرت تلك الجهود الحثيثة عن واقع جديد على الأرض، وأثمرت عن مواقف متقاربة وخطاب عربي متزن نشهده على وسائل الإعلام المحلية والعالمية، ونبض يكاد يكون موحدا للشارع العربي تجاه القضية، ومن المتوقع أن تنتج تلك الجهود واقعًا جديدًا واعدًا لشعوب المنطقة عامة وأهلنا في فلسطين خاصة.
لقد أعلنت أحداث السابع من اكتوبر عن انطلاق قطار التغيير في منطقة الشرق الأوسط، ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء فهناك واقع جديد ترسم ملامحه من حولنا عبر تحالفات وتكتلات وسياقات مختلفة تمامًا عما كان عليه الوضع من قبل، نأمل بأن تكون تلك التحولات في صالح الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة وأن يعم العدل والأمن والسلام.
كتب ذات صلة بالموضوع
معلومات الموضوع
الوسوم
مراجع ومصادر
- صحيفة الشرق القطرية