يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة تناسب العقلية الشبابية ما بعد 2020، أعني تلك العقلية التي لا تحبّذ البحث العميق والتدقيق في التفاصيل والقراءات المطوّلة والمعتمدة على التدقيق، بل تريد رؤوس الأقلام مثل كل شيء سريع؛ فنحن في عالم السرعة!
أما عن أهمية الكتاب، فيقول الكاتب عنه: إنه يزوّد المكتبة المحلية بمرجع مطبوع عن القدس ومكانتها وسكانها، وقد جاء ليقدم للقارئ ما يحتاجه لتنمية معلوماته عن القدس وتراثها العريق – بطريقة شائقة ماتعة مبسّطة وجاذبة - في ظل الهجمة الشرسة على القدس والمقدسات، وتفريغها من سكانها، بالإضافة إلى جهود الطمس والتهويد والاندثار التي تتعرض لها.
كما يفتح المجال لإجراء دراسات متخصصة حول القدس وتراثها العريق لمواكبة التطور في عصر العولمة، عن طريق الاطلاع على ما كُتِبَ عن القدس وتراثها في المراجع والدوريات والكتب ومواقع الإنترنت المعتمدة، ومتابعة الجوانب المعرضة للاندثار.
نبذة عن المؤلف:
إدريس صقر محمد جرادات، ولد عام1965 في بلدة سِعِيْر (قضاء الخليل في فلسطين المحتلة)، أنهى الثانوية العامة في الفرع العلمي، ثم نال
شهادتي البكالوريوس والماجستير من جامعة النجاح الوطنية تخصص علم النفس، بعدها حصل على شهادة الدكتوراة في الإدارة التعليمية والتربية المقارنة من جامعة عين شمس في القاهرة.
أسس مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي في سِعِيْر – الخليل، وأصدر مجلة السنابل التراثية، وشارك في أكثر من 50 مؤتمرًا علميًا، ونشر عدة دراسات على صفحات مجلات علمية محكّمة، ولقب بسادن وحارس حديقة الموروث الشعبي.
يعمل كمشرف للتربية الخاصة في مديرية تربية شمال الخليل، ومرخص كأخصائي نفسي من وزارة الصحة، ومحكّم نزاعات مالية وحقوق أسرية من وزارة العدل الفلسطينية.
صدر له 20 كتابًا في الموروث الشعبي، وحصل على العديد من الدروع وشهادات التقدير من مؤسسات محلية وعربية وهو عضو في عدة مؤسسات تطوعيّة، كما أنه مساعد الأمين العام للاتحاد العام للفنانين في فلسطين وعضو اتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين وعضو تحرير ولجنة علمية لعدة مجلات محكّمة.
أصدر عدة كتبٍ في تاريخ وتراث القرى الفلسطينية، وخصوصًا في منطقة الخليل، وقد كُتِبَ عنه في موسوعة المؤرخين الفلسطينييين ومعجم الكاشف لكُتَّاب وأُدَبَاء فلسطين.
بعض مؤلفاته: الألعاب الشعبية الفلوكلورية 1995م، الطب العربي الشعبي في فلسطين 1998م، طريق الشموخ إلى قرية الشيوخ 2001م، الصلح العشائري في فلسطين 2000م، الأدلة والبوسترات والصورة التراثية 2003م، وغيره الكثير من الكتب المطبوعة والكتب تحت الطبع.
مع الكتاب:
قسّم المؤلف الكتاب إلى أربعة عشر فصلًا وكل فصل منها إلى مباحث عدة، كل منها يحمل كمًّا عريقًا عراقة تراث القدس من العادات والتقاليد، السلوكيات والتربويات، القيم، الأعراف، الأعاب الشعبية، الأدبيات والمخطوطات، دور القدس في تنمية الصناعة والزراعة وغيرهما، الذاكرة الجمعية للمدينة، المكتبات ودور الوثائق والمخطوطات، المآسي والنكبات... وغيرها من موضوعات مهمّة.
يبدأ الكاتب باستعراض عادات أهل القدس في الفرح وفي الحزن: الأعياد، الزواج، الحمل والولادة، العزاء، الطلاق، بالإضافة إلى تقاليد الضيافة، الجوار، المعونة، كما ذكر العديد من الكلمات التي يرددها المقدسيون في هذه الأوقات، من مباركات وتعازٍ وتهانٍ وتحايا ومجاملات، وزجليات، وحتى مسبّات!
ثم ينتقل إلى الأدبيات التي تشحذ الهمم وتحيي العزائم نحو القدس، ودور الشعر في النهضة الثورية، متنقلًا بين حضور القدس في الألوان الأدبية - خصوصًا الشعر – خلال معاناة الشعب الفلسطيني، وحال القدس في الانتفاضات والنكبات والنزوح والنكسات، ومعاناة الشعب ومآسيه، وكذلك الشعر المكتظ بمشاعر الحنين والاشتياق حال الاغتراب والتهجير.
وينتقل الكاتب للحديث عن مكانة فلسطين والقدس والمسجد الأقصى وغيره من الآثار الدينية والمقدسات مصحوبة بصور تاريخية مختلفة، ولم يغفل هنا أن يتحدث بالتأكيد عن المحتلّ الغاصب لأرض القدس، وتحليل شخصيته، طبائعه، طرقه الملتوية، أفكاره الخبيثة، واستبداده الأزلي، كما يعرج على الحل الإسلامي الذي يعد الحل الأوحد لقضية القدس وفلسطين، وإنقاذ المسجد الأقصى، كل ذلك في قالب يبث الأمل بالنصر الموعود والعودة المؤكدة للحق وابتهاج أصحابه بعودتهم إليه وعودته إليهم.
بعد أن يخوض في الأبعاد القيمية والتربوية للأدبيات المختلفة التي تتحدث عن القدس وتبقيها حاضرة في ذاكرة الجيل وقلب الثقافة والحضارة كقضية تستحق الصدارة مهما اكتظ المسرح بقضايا مختلفة بقصد تهميش قضايا الأمة الأهم! يعرّج الكاتب في فصل كامل عن منتوجات ومصنوعات القدس التراثية والشعبية في الريف المقدسي وفي المدينة كذلك، سواء تعلق الأمر بالصناعات التقليدية أو الحرف اليدوية أو تطوير التصنيع وخطواته، كما أعود لأكرر أن الكاتب صحب كل تلك الشروح بصور من قلب تاريخ المدينة.
وفي فصل لاحق يضيء على الشجرة المباركة التي اشتُهرت بها فلسطين والقدس المباركتان، والتي تعد شجرة النور ويعني شجرة الزيتون، كما يتحدث عن دورها في تجسيد الهوية الوطنية الفلسطينية في التراث الشعبي الفلسطينين، وخلاله يعرّج على زرع الزيتون وحصاده، مواسمه وحقيقته كثروة وطنية فلسطينية، أدوات حصاده أو "جَدِّهِ" كما يسمي الفلسطينيون حصاد الزيتون بالتحديد، بالإضافة إلى أنواع الزيتون والمصطلحات المرتبطة به ورمزيته في القضية الفلسطينية، وحضوره في الأساطير والأدبيات والموروث الثقافي المقدسي.
بعد ذلك يذكر الباحثُ الكثير من المأكولات المقدسية، والحلويات وعادات تقديمها، وبعض طرق صناعتها ومكوناتها البسيطة التي تكون عادةً من إنتاج وخيرات الأرض، وبأدوات بسيطة من صنع أهل البلاد الأصليين.
ثم ينتقل بنا إلى الحديث عن جانب مهم من جوانب حياة المقدسيين وهو المصطلحات والسلوكيات العرفية في مسألة الصلح العشائري وحل النزاعات في القدس، وفي هذا الفصل يتحدث عن مصطلحات يرددها الفلسطينيون حتى يومنا هذا مثل: البدوة والجاهة والعطوة وغيرها..
وفي الفصول الأخيرة يتحدث عن المكتبات المتخصصة والمراكز البحثية ودورهما في إثراء المشهد الثقافي، وخدمة المجتمع الفلسطيني مرفقًا بعض الملاحق من الصور والجداول وفهارس تلك المكتبات والوثائق والأبحاث التي يحتويها، ثم يتحدث باستفاضة عن جهود المستشرقين الألمان في نشر التراث الشعبي الفلسطيني، ويعرض - مع التحليل – بعض النماذج من القصص الشعبية المقدسية (الدينية، التربوية، الخيالية...) وغيرها، ويشير إلى دلالات ذلك في المشهد الثقافي العالمي.
وفي الفصل الأخير الموسوم بعنوان: ترجمة الوثائق العثمانية والتركية إلى اللغة العربية في فلسطين كضرورة وطنية وقومية، يشرح سبب طرحه ذلك الفصل في كتاب تراث القدس سلوة النفس، فيشير هنا إلى أهمية الوثائق والأرشيف العثماني والأبعاد الوطنية، التفاوضية، القومية، الدينية، والعائلية، في إثراء التراث المقدسي الذي يثبت الحق الفلسطيني لأصحاب الأرض الأصليين، والجهود التي بذلتها دائرة الأرشيف في السلطة الفلسطينية لجلب الأرشيف الفلسطيني وكل ما يتعلق بفلسطين والقدس من وثائق وتسليمها إلى السفير الفلسطيني في أنقرة/ السيد: نبيل معروف، وقد حصل واستلم الوثائق آنذاك من الحكومة التركية بالفعل، إلا أن الأرشيف لم يزل بحوزته حتى وقتنا هذا ولم يسلّمه للسلطة الفلسطينية.
وقد أرفق الكاتب ملاحق مصوّرة من الوثائق العثمانية المقصودة، والمخطوطات المكتوبة باللغة العثمانية القديمة والمكتوبة بحروف عربية، كما ختم هذا الفصل بصورة لوفاة آخر مُسنّة فلسطينية تحمل الهوية العثمانية وهي مريم عياش التي ولدت عام 1888 أي قبل قيام دولة الكيان الغاصب/ إسرائيل بستين عامًا على الأقل!
أخيرًا.. يجمع كتاب تراث القدس سلوة النفس بين ثناياه تراثيات مقدسية فلسطينية تتعلق بالقدس والمناطق المجاورة لها، وقد جمع الجزء الأكبر من مادته وأرشفتها الباحث الدكتور: إدريس صقر محمد جرادات، كما ساعده كثيرون في إخراجه إلى حيز الوجود كفريق واحد ولهذا جاء هذا الكتاب ثمرة ناضجة نتيجة لهذه الجهود الجبارة، والتعاون المثمر الذي أسهم فيه عدد كبير من الناس كل حسب طريقته الخاصة؛ فالبعض ساعد بالقراءة أو الكتابة أو الصياغة للمسوّدات الأولى، آخرون زودوه بخبراتهم وتجاربهم، وغيرهم ساعدوا بالنشر والتصميم والطباعة والتوزيع.
ببلوغرافيا الكتاب:
العنوان/ تراث القدس.. سلوة النفس
المؤلف/ د. إدريس جرادات
الناشر/ دار الجندي للنشر والتوزيع - القدس
تاريخ النشر/ الطبعة الأولى: 2020م
الصفحات/ مجلّد 397 صفحة (من القطع الكبير)