حرب طوفان الأقصى قدمت قُبلة الحياة للحركة الإسلامية بعد أن كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة.
والحركة الإسلامية تعني كما اصطلحنا: ذلك التيار الإسلامي الذي اهتم بالعمل الحركي المنظم، والذي اعتمد العمل السياسي وسيلة لتحقيق غايته في الوصول للحكم، لتطبيق المنهج الإسلامي في كل صغير وكبير، واعتمد مع ذلك العمل الجهادي، في مواجهة المحتلين الغاصبين.
وهذه المنهجية التي اعتمدها ذلك التيار الإسلامي، الذي اصطلحنا على تسميته بالحركة الإسلامية، هي في مقابل منهجيات أخرى، لتيارات إسلامية أخرى، بعضها اهتم بالعمل الدعوي المجرد، وبعضها اهتم بالعمل العلمي المجرد، وبعضها اهتم بالعمل الجهادي المجرد... إلخ.
وكل هؤلاء اتفقوا على رفض العمل السياسي، بل وجَعَله بعضُهم بدعة، ووصل بعضهم إلى رفض العمل الجهادي كذلك، حتى تنصلح الأمة، ويبعث الله لها وليًّا شرعيًّا، والذي لا يكون الجهاد - من وجهة نظرهم - إلا من خلفه.
الحركة الإسلامية ضربتها المحنة في العشرية السابقة، حتى كادت هذه الحركة أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، في كل بلدة لها فيها فرع
والحركة الإسلامية، التي اعتمدت العمل السياسي، مع العمل الدعوي والعلمي والخدمي، مع العمل الجهادي في مواطن الجهاد، كانت قد ضربتها المحنة في العشرية السابقة، عشرية ثورات الربيع العربي والثورات المضادة عليها، حتى كادت هذه الحركة أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، في كل بلدة لها فيها فرع.
ففي بلد تنقلب الثورة المضادة على الحركة الإسلامية فيها، وتسحقها سحقًا أمنيًّا شديدًا، ويصبح أفرادها جميعهم، بين قتيل وسجين وطريد ومهاجر.
وفي بلد تنقلب الثورة المضادة على الحركة الإسلامية فيها، انقلابًا سلميًّا تكتيكيًّا، وتعتقل بعض القيادات، وتُحجّم الحركة الإسلامية، حتى تعود بها إلى ما قبل ثورة الربيع هناك.
وفي بلد يتآمر الجميع على الثورة فيها، ويصل الأمر إلى تسليم البلد برمتها إلى أقلية طائفية فيها؛ كي لا تصل الحركة الإسلامية إلى الحكم، ولسان حال المحيط الإقليمي: نعطي البلد برمتها لألد الخصوم والأعداء، ولا نعطيها للحركة الإسلامية السُّنية، فألد الخصوم والأعداء ينافسوننا على التمدد والمحيط الخارجي لنا، أما الحركة الإسلامية السنية فهي تنافسنا على كراسي الحكم التي نجلس عليها.
وفي بلد تقوم الحرب الأهلية، تآمرا على ثورة الربيع فيها، وفي بلد يستغل النظام فيها الحركة الإسلامية أسوأ استغلال، ويلعب بها، ويستخدمها كمستخدم لديه، حتى تمر عاصفة الربيع العربي، ثم يلقي بها بعد ذلك في سلة المهملات.. وهكذا.. وهكذا.. وهكذا!
ربما كان الربيع العربي كله مجرد مؤامرة، نفذتها أجهزة المخابرات العالمية، لمّا رأت أن الحركة الإسلامية بقوتها الشعبية والسياسية هي القادمة لحكم البلدان العربية، فسارعت أجهزة المخابرات العالمية بتحريك هذه الثورات العربية برجالها وعملائها؛ لكي تتحكم فيها، وتستخدم رجالها وعملاءها بعد ذلك، في الانقلاب على هذه الثورات، وإدخال مارد الحركة الإسلامية مرة أخرى إلى قمقمه .ربما كان الربيع العربي مخطّطًا عالميًّا؛ لتحدث الثورات الشعبية، ثم الثورات المضادة فتُسحق الحركة الإسلامية ويتفرغ التآمر العالمي بعد ذلك لتصفية القضية الفلسطينية
ربما علمت أجهزة المخابرات العالمية أن الانفجار الإسلامي الحركي قادم لا محالة، فقررت أن تُعجّل به، برجالها وعملائها، مع وضع الخطط المحكمة، لإخماد هذا الانفجار، بعد حدوثه مباشرة، برجالها وعملائها الآخرين.
وربما كان الربيع العربي برمته مخطّطًا عالميًّا؛ لتحدث فيه الثورات الشعبية، ثم لتكون بعدها الثورات المضادة، فتُسحق الحركة الإسلامية فيها سحقًا يكاد يكون تامًّا، كي يتفرغ التآمر العالمي بعد ذلك، لتصفية القضية الفلسطينية، بتهجير أهل غزة لسيناء، وتهجير أهل الضفة للأردن، وحينها لن تنتفض الجماهير العربية والإسلامية انتفاضة توقف المخطط؛ لأن الحركة الإسلامية التي كانت تمثل دائمًا طليعة الجماهير والمحرك لهم، لن تقوم من مقامها، بعدما سحقتها الأنظمة، بفعل الثورات المضادة، التي أعقبت ثورات الربيع.. وربما.. وربما.. وربما..
والذي نحن بصدد الإشارة إليه هنا بوجه خاص، هو أن ما فعلته المقاومة الإسلامية في السابع من أكتوبر، من فعل جهادي تاريخي مبادر، وما تفعله من بعده إلى اليوم، من فعل جهادي تاريخي مدافع، هو ما أعطى قُبْلَةَ الحياة للحركة الإسلامية، في الوطن العربي، بعدما كادت تلفظ أنفاسها الأخيرة.
المقاومة الإسلامية بما فعلته وتفعله، أعادت الاعتبار للحركة الإسلامية، التي تمثل المقاومة الإسلامية في فلسطين رأسَ حربة لها، والتي هي جزء منها، جزء فكري منهجي، بل وجزء عضوي تنظيمي .المقاومة الإسلامية أعادت الاعتبار للحركة الإسلامية، التي تحمل هم أمتها على أكتافها بالعمل السياسي الدستوري والعمل الشعبي الثوري
المقاومة الإسلامية أعادت الاعتبار للحركة الإسلامية، التي تحمل هم أمتها على أكتافها، همَّ التحرر من الاحتلال الخارجي بالعمل الجهادي المقاوم، وهم التحرر من الاحتلال الداخلي بالعمل السياسي الدستوري والعمل الشعبي الثوري، الحركة الإسلامية التي تعتمد العمل الدعوي والعلمي لإصلاح الجماهير، وتعتمد معه العمل السياسي والثوري لإصلاح الحكام، وتعتمد معهما العمل الجهادي المقاوم لخلع المحتلين الغاصبين.
الذي حدث في طوفان الأقصى، في السابع من أكتوبر وما بعده، لم يعط قبلة الحياة للحركة الإسلامية وحدها، بل أعطى قبلة الحياة للأمة الإسلامية كلها، بعدما كادت تموت بعد التآمر على ثورات الربيع العربي؛ فالحركة الإسلامية في الحقيقة هي نبض الأمة الإسلامية الحي، فالأمة الإسلامية بدون المنهجية الإسلامية أمة ميّتة، لا إسلام فيها ولا حياة، وبالتالي فموت الحركة الإسلامية بعد ثورات الربيع العربي والتآمر عليها، هو موت للأمة الإسلامية كلها، وقبلة الحياة التي أعطتها المقاومة الإسلامية للحركة الإسلامية بحرب طوفان الأقصى هي قبلة حياة للأمة الإسلامية كلها.
أصبح أبو عبيدة قدوة للشباب العربي والإسلامي، يستمعون لخطاباته أكثر مما يسمعون الأغاني الحديثة المُسفة، التي كانت قد أكلت عليهم دينهم وأخلاقهم
لقد أصبح أبو عبيدة الفارس الذي تحلم به فتيات الأمة العربية والإسلامية، بعدما كُنّ يحلمن بالفنان الفلاني واللاعب الفلاني، وأصبح أبو عبيدة قدوة للشباب العربي والإسلامي، يستمعون لخطاباته أكثر مما يسمعون الأغاني الحديثة المُسفة، التي كانت قد أكلت عليهم دينهم وأخلاقهم.
وتوارى أصحاب المنهجيات الإسلامية الأخرى، الذين ينادون بالاهتمام بالعمل الدعوي والعلمي فقط، والانعزال عن واقع الأمة: السياسي والجهادي.
تقارير استخباراتية وإعلامية تُنشر، تتحدث عن أن شعبية المقاومة الإسلامية قد زادت في فلسطين مع طوفان الأقصى، والحقيقة أن شعبية المقاومة الإسلامية قد زادت في الأمة العربية والإسلامية كلها، وزادت بزيادتها شعبية الحركة الإسلامية كلها، وشعبية مشروعها الحضاري المقاوم، الذي تمثل المقاومة الإسلامية في فلسطين خصوصًا رأس حربة له.
وهذه الشعبية التي ارتفعت للمقاومة الإسلامية، ومن ورائها للحركة الإسلامية، ليست مرتبطة بنتيجة هذه الحرب؛ فلو انتهت الحرب عند هذا الحد، وتحققت صفقة كبرى لتبادل الأسرى، وخرجت المقاومة منتصرة، فإن هذه الشعبية ستتمادى في زيادتها، وهو ما يخشاه العدو الصهيوني والأمريكي، وما تخشاه الأنظمة العربية الحاكمة، والذي يجعلها تتآمر مع العدو الصهيوني والأمريكي، من أجل استمرار الحرب لدحر المقاومة الإسلامية دحرًا تامًّا.
القادم سيكون خيرًا للقضية الفلسطينية ومقاومتها الإسلامية، وللحركة الإسلامية ومشروعها الحضاري المقاوم، مهما كانت نتيجة حرب طوفان الأقصى
لكن العجيب، أن هذه الحرب، لو انتهت - لا قدر الله - بإنهاء المقاومة، وتهجير أهل غزة، ونجاح المؤامرة الكبرى، فإن شعبية المقاومة الإسلامية، ومن ورائها الحركة الإسلامية، ستزداد وتزداد؛ لأن الجرح الأكبر يؤلم أكثر، فينبه ويفيق أكثر وأكثر.
والمقاومة الإسلامية بما فعلته وتفعله، قد بادرت بالفعل، أمام مؤامرة كبرى، يُخطط لها من قديم، وهي مؤامرة كانت ستسير في مسارها، إن بادرت المقاومة بما بادرت به أو لم تبادر، وقد بات الجميع يعلم ذلك.
والخلاصة: أن القادم سيكون خيرًا للقضية الفلسطينية ومقاومتها الإسلامية، وللحركة الإسلامية ومشروعها الحضاري المقاوم، مهما كانت نتيجة حرب طوفان الأقصى، فقد باتت الجماهير العربية والإسلامية تعلم حجم المؤامرة على دينها وأرضها ومقدساتها من العدو الخارجي، وحجم التواطؤ والعمالة من العدو الداخلي، وباتت تعلم أن نجاتها هو في المشروع الإسلامي الحركي السياسي الحضاري المقاوم، الذي يخلع بيدٍ العملاء والخونة، ويقاوم بيدٍ المحتل الغاصب، ويبني مع ذلك ما تَهدّم من بنيان الأمة التاريخي، وكل ذلك سواء بسواء .