بدأت أخيرًا بشائر الهدنة تلوح في الأفق، لكي تتوقف – ولو مؤقتًا – آلة الحرب الإسرائيلية الهمجية عن سكب جحيمها المستعر فوق رؤوس الشعب الفلسطيني الأعزل، الذي يقاوم لانتزاع حقه المشروع من احتلال جائر جثم على صدره وأرضه منذ عقود، تحت بصر حكومات «العالم المتقدم» التي تدعي، ليلَ نهار، أنها تتبنى وترعى «حقوق الإنسان»، بينما تبتسم بلامبالاة وهي ترى الأطفال والنساء الفلسطينيين يواجهون قذائف ما يسمى جيش «الدفاع» الإسرائيلي بصدور عارية، في حين تتهدم بيوتهم فوق رؤوسهم، لتفيضَ دماؤهم أنهارًا فداء قضيتهم العادلة!!
والآن يحق لنا أن نتساءل: إذا كانت الاجتماعات العربية والإسلامية – كدأبها الدائم – منذ بدء القضية الفلسطينية قد أدمنت الاكتفاءَ بالتنديد والاستنكار ومناشدة الطرف المعتدي ضبطَ النفس، فمتى نُفيق إلى أنه في عالم تحكمه القوة الغاشمة لا تُجدي المناشدة والترجي؟ ومتى يفيق الفلسطينيون أنفسهم إلى أن تناحرهم في ما بينهم هو أكبر هدية يقدمونها لعدوهم، بل أقوى سلاح يدعمون به آلة البطش الإسرائيلية؟!
ومتى يفيق قادة إسرائيل إلى أن عقودًا من القمع الجائر لم تستطع - ولن تستطيع - القضاء على الصوت الفلسطيني المقاوم، وأن الأفضل لهم أن يُقلعوا عن نهج الرصاصة والقنبلة، ويلوذوا بمنطق التعايش السلمي إن كانوا يبحثون عن استقرارهم وأمانهم ورفاهيتهم، بدلًا من استمرار طاحونة العنف التي لا تتوقف؟
مفتاح الحل الحقيقي فهو أن يتسلح العرب بالقوة، حتى يكون لهم اعتبار في مجلس الأمن، الذي يبدو أنه يؤمن بالمقولة الساخرة: «نحن نخلق المبادئ لكي نتخلى عنها في ما بعد»!
أما السؤال الأكثر استحقاقًا فأوجهه إلى من يسمُّون أنفسهم «رعاةَ حقوق الإنسان في العالم»، فإلى متى يظل هؤلاء يتخذون من حقوق الإنسان مفهومًا انتقائيًا يقتصر تطبيقه على الإنسان الغربي ومن تُحابيه الحكومات الغربية، بينما تتجاهل هذه الحكومات حقوقَ الشعوب الأخرى، وخصوصًا الفلسطينيين؟ ولماذا يدير مجلس الأمن ظهرَه لحقوق الشعب الفلسطيني في وطنه المُستلَب؟ ولماذا يتنكر لمبادئه التي تفتقر إلى التنفيذ دائمًا حين يتعلق الأمر بحقوق الفلسطينيين؟ وإلى متى سيبقى الاستخدام الجائر لحق «الفيتو» يُفرغ وظيفة المجلس من وظيفته، ليتحول إلى مطرقة في يد القوي الظالم ضد صاحب الحق المستضعَف؟؟
إن انحياز الغرب لإسرائيل، ومساندته لهذه المجزرة الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، يؤكدان أن الكيل بمكيالين هو نهج الحكومات الغربية، ليس فقط بسياستها العوراء، وإعلامها المخادع والداعم للقاتل على حساب الضحية، بل منحازة أيضًا من خلال المنظمات الحقوقية الغربية التي تغدو عمياء بكماء فلا تنطق بالحق الفلسطيني، لتتحول هي الأخرى إلى «ظلم مضاف» ينسكب على رؤوس الفلسطينيين ممتزجا بلهيب القذائف التي يتعرضون لها!
لقد آن الأوان لكي نتوقف – نحن العرب – عن انتظار الحل من الحكومات الغربية المنافقة، بل يجب أن نُعوِّل على مخاطبة الشعوب الغربية المخدوعة، وإنقاذها من تزييف الوعي الذي تُخضعها له حكوماتُها... أما مفتاح الحل الحقيقي فهو أن يتسلح العرب بالقوة، حتى يكون لهم اعتبار في مجلس الأمن، الذي يبدو أنه يؤمن بالمقولة الساخرة: «نحن نخلق المبادئ لكي نتخلى عنها في ما بعد»!
كتب ذات صلة بالموضوع
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- القبس