لكي تفهم المشروع الصهيوني، لا بد أن تفهم أولًا مضامين الفكرة الصهيونية وتعرف برامجها ومشاريعها، وتدرس جذورها التاريخية كحركة يهودية؛ فهي الفئة اليهودية التي حافظت على الموروث اليهوديّ (وإن كان محرّفًا) وعملت بجد لكي يظل الموروث مرتبطًا بالحاضر ويؤسس لمستقبل مخطط له بامتياز.
استغلت تلك الحركة اليهودية الأطماع الاستعمارية لأوروبا في الوطن العربي، فبدأت باللعب على تحويل فكرة العودة إلى فلسطين من مجرد فكرة في التوراة إلى واقع تعمل عليه سياسيًا، وتحاول فرضهُ واقعيًا.
ثيودور هرتزل (مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة) يقول: "إن فلسطين التي نريد هي فلسطين داوود سليمان" زاعمًا كذلك انتماء المشروع الاستيطاني لهيكل داوود الذي راج الزعم طويلًا عن وجود ذلك الهيكل تحت بناء المسجد الأقصى تبريرًا لهدمه وإحراقه وتمهيدًا للقضاء على المسجد الأقصى .جبل صهيون في القدس:
تعدُّ القدس واحدةً من أقدم وأهمّ المدن في التاريخ الإنساني، حظيت بمكانة خاصة ومقدسة لدى أتباع الرسالات السماوية، كما حافظت على اسمها الكنعاني عبر مراحل التاريخ، برغم تعدد سكانها وعمَّارِها، والأسماء التي أطلقت عليها عبر الزمن.
وقد شُكّلت نواة مدينة القدس على أربعة جبال رئيسة هي:
1. جبل موريا: ويعني المختار، وهذا هو الجبل الذي يقوم عليه مسجد الصخرة والمسجد الأقصى
2. جبل صهيون: ويُعرَفُ بجبل النبي داوود أيضًا، ويعني: الجبل المشمس الجاف ويشكل الجزء الجنوبي الغربي من جبال بيت المقدس الأربعة، وهذا الجبل يعد حجر الزاوية الأول في المشروع الاستعماري للحركة الصهيونية.
3. جبل أكرا: حيث توجد كنيسة القيامة.
4. جبل بزيتا: ويعني بيت الزيتون في الشمال الشرقي للمدينة بين باب الساهرة وباب حطة، وهي المرتفعات التي تقع داخل السور فيما يعرف اليوم بالقدس القديمة.
أول من سكن القدس هم العرب من المسلمين والمسيحيين ثم لحق بهم اليهود، وبعد النزاع حول حائط البراق (المبكى) بين المسلمين واليهود فإن الأملاك اليهودية بيعت أو أُجِّرَت أو هُجِّرَت
وأول من سكن هذه المنطقة هم العرب من المسلمين والمسيحيين ثم لحق بهم اليهود، وبعد النزاع حول حائط البراق (المبكى) بين المسلمين واليهود في العشرينيات من القرن الماضي تصاعد التوتر السياسي في الثلاثينيات مع تصاعد المشروع الصهيوني وتأزم العلاقة بين الطرفين، وترتب على هذا الصراع هجرة اليهود من الأحياء الإسلامية إلى الأحياء الجديدة خارج السور، إلى أن غادرت آخر أسرة يهودية تلك الأحياء في سنة 1936م، وبالتالي فإن الأملاك اليهودية برغم قلتها في الحي بيعت أو أُجِّرَت أو هُجِّرَت.
وقد أطلق على ذلك الجزء الغربي "القدس الجديدة"، بنيت على أسس معمارية حديثة. كما عرفت باسم "القدس الغربية" وقد استهدف الاستيطان اليهودي القدس أكثر من غيرها من أنحاء فلسطين؛ فقد أقيمت العديد من الأحياء اليهودية في القدس منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حين أقيم حي "يمين موسى" سنة 1850، في منطقة جورة العناب، ليكون نواة للأحياء اليهودية في المدينة.
وتربط الحركة الصهيونية مشروعها الاستيطاني ذاك بجبل صهيون (أحد أهم الجبال التي تقوم فوقها مدينة القدس)؛ ترسيخًا وتبريرًا لعقيدتها ومعتقدها المزعوم وليس العكس ، أي أنّها بمعنى آخر تروّج – ادعاءً – أنها تنتمي لجبل صهيون، ولأن مدينة القدس في أحد مسمياتها القديمة كانت تسمى بمدينة (صهيون) فهم ينسبون مشروعهم الاستيطانيّ إليها.
منذ بدء المخطط الاستعماري/ الاستيطاني جدّت الحركة الصهيونية في التسويق القويّ لركام هائل العدد والعمق من الأفكار والأساطير الدينية والتاريخية غير المعترف بها حتى في الدين اليهودي منذ أن وجد
أساس المعتقد الصهيوني:
تبني الصهيونية أطماعها الاستعمارية وتستند على ادعاءات باطلة – مسلّم ببطلانها في كل الحقائق والوقائع التاريخية الموثقة – أهم تلك الادعاءات:
- أن اليهود هم شعب الله المختار وهم يشكّلون أمّة فريدة تمتاز بالنقاء – حسب زعمهم - تستحق وطنًا خاصًا بها تختاره حسب معتقدها المثبت في التوراة المحرفة.
- أن نقاء العنصر اليهوديّ وفرادته يمنعه من الاندماج مع الشعوب العادية الأخرى – حسب مزاعمهم – ولذلك فهو يواجه انتقاداتٍ ويُضطّهَدُ لهذا السبب، فيجب أن يكون له وطن مستقل يعيش فيه كريمًا وإن كان ذلك على حساب آخرين وباحتلال أرضٍ ليست من حقه!
- أن العقيدة الصهيونية تستقي مشروعيتها من دعوى إيمانها بمصطلح (أرض الميعاد) والتي تمثل حجر الزاوية فيها؛ فهم مؤمنون بأن وجودهم في (فلسطين) هو عودة محتومة، ولا يدخل تحت بند الاحتلال أو الاستعمار واستلاب أرضٍ ليست لهم ثم الاستيطان فيها، بل يعدونها ولادة جديدة لشعب الله المختار في أرض الأجداد التي هي لهم في الأصل وأنها مملكتهم الثالثة التي بشرهم بها التلمود والتوراة.
- أن الحركة الصهيونية تختصر وتقصر تاريخ فلسطين على تلك الحقب التي تتوافق مع تاريخ الكتاب المقدس، والتي يقوم الادعاء فيها أساسًا على طمس عشرين قرنًا من الزمان سبقت الاحتلال الصهيونيّ، وتعدها فترة خلاء تاريخي؛ ففي العقيدة التوراتية (السفر 1:22 : 20) معتقد يقضي بأن الفلسطينيين موجودون على هذه الأرض بهدف حراستها فقط حتى يأتي أهلها الأصليون وهم اليهود.
اقرأ أيضًا: ما هو الفرق بين اليهودي - العبراني - الإسرائيلي – الصهيوني
وفي الحقيقة، منذ بدء المخطط الاستعماري/ الاستيطاني جدّت الحركة الصهيونية في التسويق القويّ لركام هائل العدد والعمق من الأفكار والأساطير الدينية والتاريخية التي وللأسف لم تكن حقيقية أو جديدة، بل الأهم أنها دخيلة على العقيدة اليهودية وغير معترف بها في الدين اليهودي منذ أن وجد هذا الدين على وجه الأرض.
جدير بالذكر – وللتذكير – فإنالدين اليهودي أقدمَ بمئات السنوات من الحركة الصهيونة، وإن كانت فكرة الاستعمار تستند على التوراة في مزاعمها أو كان اليهودي يرتبط كفرد بفكرة الخلاص الروحي الذي في ظلّه أصرّت على مشروعها الاستيطاني .
يعتقد اليهودي أنه لا يستطيع العيش بحرية تامة يمارس فيها طقوسه الدينية بعيدًا عن أية مؤثرات خارجية إلا في أرض الميعاد؛ فكما أسلفنا يرسخ في اعتقادهم أن النقاء والفرادة التي يتمتع بها اليهوديّ تعرضه للاضطهاد وتمنعه عن الاندماج مع شعوب لا تشبهه!
ميّز التراث اليهودي أرض فلسطين ومنحها قدسية عظيمة كما أحاطها الأدب الحاخامي بهالة من القدسية؛ فهي أهم بقاع الأرض قاطبة، وأكثرها خيرات، ثمارها أفضل الثمار، سكناها أحسن المساكن
التصورات التلمودية والعقيدة الاستيطانية:
توجد تصورات تلمودية (والتلمود كتاب ألفه حاخامات اليهود يحتوي على أساطير وخرافات وليس كتابًا سماويًّا) عدة لدى اليهود، لعل أهمها هي فكرة (المسيائية) وهي مشتقة من كلمة (المسيا) وتعني المسيح المخلّص، أو المحرر المنتظر، والذي – حسب عقيدتهم المحرّفة – ينحدر من سلالة داوود - عليه السلام - وسيغلبُ أعداء إسرائيل – الصهيونية، ويسترجع فلسطين لاحقًا فيمنحهم الأمل بالعودة الكبرى.
والمسيائية تمثل عقيدة سياسية وعملية أكثر منها مجرد تأمل لاهوتي؛ فقد وجد اليهود في تلك الفكرة صمام أمان علقوا عليه الآمال بمجيء المُحرِّر أو المخلِّص، ولذا فقد أحاطو تلك الفكرة بهالة من الجبروت والقداسة؛ لأنه - كما أسلفت – يمنحهم الأمل الكبير بحق العودة إلى أرض الميعاد.
لماذا فلسطين تحديدًا؟
لقد ميّز التراث اليهودي أرض فلسطين ومنحها قدسية عظيمة تفوق بكثير أهمية غيرها من بقاع العالم أجمع، كما أحاطها الأدب الحاخامي بهالة من القدسية؛ فلا تكاد تجد حديثًا يخصّها في عقيدتهم إلا وحمل صيغة المبالغة (أفعل)، فهي أهم بقاع الأرض قاطبة، وأكثرها خيرات، ثمارها أفضل الثمار، سكناها أحسن المساكن؛ فهي توفر فرصًا أكثر للخلاص.
وصل ذلك التقديس أيضًا حدّ أن اليهوديّ حين يدفنُ ميتًا توضع في تابوته حفنة من تراب تلك الأرض المقدسة أو غبارها، لكن الأمر الذي يجهله كثيرون هو أن المطامع الاستعمارية في المعتقد الصهيوني الذي بيّنت جذوره أعلاه هو مساحة الأرض (أرض الميعاد) التي جرى ويجري الحديث عنها وتوسم بـ (أرض إسرائيل)
تضم في حدودها القصوى عدة دول مجاورة لفلسطين، مثل: أرض سيناء، الأردن، لبنان، أجزاء من سوريا، وشمال الجزيرة العربية، وقد صرّح بهذا ثيودور هرتزل حين قال: "المساحة من نهر مصر إلى نهر الفرات، لا بد من فترة انتقالية لتثبيت مؤسساتنا يكون فيها الحاكم يهوديًا، وما إن تصل نسبة السكان اليهود إلى الثلثين حتى تفرض الإدارة اليهودية نفسها سياسيًا"
النوايا الاستعمارية التوسعية العدوانية لا تشمل حدود فلسطين، ولا حدود الكيان المغتصب حسب تصريحات هرتزل وإذا تيسّر المخطط الصهيوني الاستيطاني فإن السيطرة الإسرائيلية ستحتل العالم الإسلامي بأسره!
وقد أعلنت إسرائيل في الكتاب السنوي الحكومي لعام 1955م التزامها الرَّسميَّ بالسياسة التوسعية بالعبارات التالية: "إن خلق الدولة الجديدة لا ينتقص في حال من الأحوال إطار الحدود التاريخية لأرض إسرائيل"
وقد يدعي البعض أن التشبث بالأرض في الفكر الديني اليهودي قاصر فقط على بعض المقولات والنبوءات الدينية التي ظهرت مع النشأة الأولى لبني إسرائيل، أو على آراء الصهاينة المتدينين أمثال (كوك) أو المتصوفين أمثال (بوبر)، ويتجاهل بذلك أراء المفكرين العلمانيين من الصهاينة.
وقد رد الدكتور عبد الوهاب المسيرى على ذلك بقوله: "إن أية نظرة يلقيها المرء على الكتابات الصهيونية تقنعه بأن العلمانيين احتفظوا ببنية أسطورة الأمة المقدسة، بعد أن صاغوها صياغة علمانية فاستحدثوا مفهوم (أمة الروح)، حيث يعتقد بأن القومية اليهودية لا تستند إلى أي أساس مادي معروف، وإنما تستند إلى التراث اليهودي والروح اليهودية، وأنها أمة ذات رسالة خاصة"
وقد دافع عن هذا المفهوم كل من (هرتزل) العلماني الليبرالي الغربي وشاركه في ذلك (ابن غوريون) الاشتراكي، بل إن دوف (بيربورشوف) المادي الجدلي الصهيوني تأثر بدوره بفكرة الأمة التي لها وضع متميز عن وضع كافة الأمم، ثم إن فكرة أمة الأنبياء والكهنة والمسحاء المخلصين لا تزال تجد بعض الصدى بين المفكرين العلمانيين الصهاينة.
اقرأ أيضًا: طوفان الأقصى، يفضح مجازر الصهاينة في فلسطين على مرّ التاريخ
ولعل من الجدير بالتوضيح التنبيه إلى أن النوايا الاستعمارية التوسعية العدوانية لا تشمل حدود فلسطين، ولا حدود الكيان المغتصب (من النيل إلى الفرات فقط) حسب تصريحات هرتزل التي تحمل تهديدًا صريحًا لقادة الشرق الأوسط كاملًا إذ يقول هرتزل صراحة: "سنطلب ما نحتاجه من الأراضي العربية لمشروعنا حسب ازدياد أعداد المهاجرين إلى إسرائيل" وإذا – لا سمح الله – تيسّر المخطط الصهيوني الاستيطاني فإن السيطرة الإسرائيلية – للأسف – ستحتل العالم الإسلامي بأسره!
كتب ذات صلة بالموضوع
معلومات الموضوع
الوسوم
مراجع ومصادر
- كتاب (دراسات في القضية الفلسطينية)/ تأليف: د. وليد حسن المدلل، و د. عدنان عبد الرحمن أبو عامر. الطبعة الأولى، إصدار: جامعة الأمة المفتوحة: غزة - فلسطين، 2013م
- كتاب: المدخل إلى القضية الفلسطينية: تأليف وتحرير: جواد الحمد وآخرون... إصدار مركز دراسات الشرق الأوسط، 1999م
- مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
- مركز الدعوة الإسلامية