الشهادة في سبيل الله هي أعظم مكافأة لنهاية الخدمة، يقدمها الله للمجاهد في سبيله، المجاهد الذي يجعل حياته كلها جهادا، وتمر عليه كل أبعاد ونواحي العمل الجهادي، من جهاد فعليٍّ باليد والسلاح، إلى تأسيسٍ للأجنحة العسكرية المجاهدة، إلى الاعتقال والأسر من أجل ذلك، إلى الإبعاد والتهجير، ثم تكون النهاية التي تناسب كل هذا المشوار الجهادي: شهادة في سبيل الله.
يُذكر أن الأستاذ سيد قطب قال قولة عجيبة عندما خرج من عند القاضي الذي حكم عليه بالإعدام والذي أعدم به، وكانت هذه القولة لمن سأله عن الحكم الذي حُكم عليه: "شهادة في سبيل الله ما كنت أحسب أنّي أستحقها"
وقد كان الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - متواضعًا منكرًا لذاته وجهاده حين قال تلك القولة؛ ففي الحقيقة هو من أكثر من استحق هذه الشهادة بجهاده في سبيل الله مدافعةً للظالمين، وسعيًا لإقامة دين الله في الأرض منهجًا ودستورًا وتأسيسًا للحركة الإسلامية واعتقالًا وأسرًا في سبيل ذلك، ثم كانت شهادته، التي يُروى أنه قال لمن كان يلقنه صيغة الشهادة ساعتها: أتلقنيها، وفي سبيلها أقتل!
الشهادة في سبيل الله هي أعظم مكافأة لنهاية الخدمة، يقدمها الله للمجاهد الذي يجعل حياته كلها جهادا، ثم تكون النهاية التي تناسب كل هذا المشوار الجهادي: شهادة في سبيل الله
ومما يلفت انتباهنا في أحاديث أبي عبيدة (المتحدث باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام) تأكيده دائمًا عند صلاته على النبي - صلى الله عليه وسلم - في مفتتح كلامه، بأنه صلى الله عليه وسلم هو النبي الشهيد.
وقد اختار أبو عبيدة الرأي الذي يؤكد على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات شهيدا، بأثر السم الذي كان قد وضعته له المرأة اليهودية في الشاة التي قدمتها له ليأكلها، وقد استمر السم في جسد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقتًا ثم ظهر بعد ذلك، وشد عليه صلى الله عليه وسلم، وكان سببًا في موته شهيدًا، وقد اختار هذا الرأي كثير من العلماء، وقال به ابن إسحاق (أول من كتب في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم)
وحين نبهنا أبو عبيدة لهذا الرأي، في موت النبي - صلى الله عليه وسلم - شهيدًا، قال قائلنا: حقًا، ما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يموت شهيدًا؛ فتلك منزلة لا يصح أن لا تكون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد عاش مجاهدًا في سبيل الله طول عمره، إلى جانب نبوته ورسالته.
كان صالح العاروري - رحمه الله - مهتديًا مقتديًا بنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - سائرًا على دربه، وعلى درب المؤسسين الأوائل للحركة الإسلامية الأم التي تنتمي لها حركته المقاوِمة في فلسطين: حسن البنا وسيد قطب، وعلى درب المؤسسين لحركته المقاوِمة: أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وصلاح شحادة وغيرهم... اهتدى واقتدى بهم، حتى مات شهيدًا مثلهم.
كان صالح العاروري مهتديًا مقتديًا بنبيه سائرًا على دربه، وعلى درب المؤسسين الأوائل للحركة الإسلامية الأم التي تنتمي لها حركته المقاوِمة في فلسطين حتى مات شهيدًا مثلهم
لقد كان العاروري من أوائل من التحقوا بالحركة الإسلامية في الضفة الغربية، ومن أوائل من أسسوا جناحها العسكري هناك، ثم اعتقل في السجون الإسرائيلية لما يقارب الثمانية عشر عامًا، ثم أبعد عن فلسطين بعد خروجه من السجن، فمكث لسنوات في سوريا، ثم ترك سوريا بعد اشتعال حربها الأهلية، ومكث في تركيا، ثم تردد بين قطر وتركيا ولبنان، حتى اغتالته أيدي الغدر الصهيوني في لبنان.
استشهد العاروري بعد أن أوضح في لقاء تلفزيوني، قبل استشهاده بأيام قليلة، موقف حماس القاطع، بعدم التفاوض لتبادل الأسرى، إلا بعد نهاية الحرب، وبعد تأكيده في لقاء تلفزيوني، قبل استشهاده بشهور قليلة، على أن أرواح القادة والمسؤولين ليست أغلى من أرواح عموم الفلسطينيين، وعلى أن الشهيد الذي يسبق بيوم هو أفضل ممن يبقى، أو حتى ممن يلحقه شهيدًا متأخرًا عنه.
وقد استشهد بعد أن صرّح قائلًا: "لم أكن أتوقع أن أعيش لهذا العمر!"
مكافآت نهاية الخدمة تكون للعاملين، الذين يقضون أعمارًا طويلة في أعمالهم، فيُعطون لأجل ذلك مكافأةً لنهاية خدمتهم، وتكون المكافأة مكافأةً مجزية؛ تقديرا لعملهم وجهدهم، وطول أعمارهم فيها.
والشهادة في سبيل الله هي أعظم مكافأة يقدمها الله للمجاهد في سبيله، ويقدمها الله للمجاهد المجد المخلص في جهاده، حتى ولو لم تطل به حياة في جهاده، فما بالنا بمن طالت به الحياة في جهاده، وكان مع ذلك مُجِدًّا مُخْلِصًا، مثل الشهيد القائد صالح العاروري، الذي نحسبه كذلك، ولا نزكيه على الله.
مكافآت نهاية الخدمة تكون للعاملين، الذين يقضون أعمارًا طويلة في أعمالهم، فيُعطون لأجل ذلك مكافأةً مجزية لنهاية خدمتهم؛ تقديرا لعملهم وجهدهم، وطول أعمارهم فيها
الشهادة في سبيل الله منزلة لا يعلمها إلا الله حقًا، فنحن نرى الظاهر، والله هو المطلع على السرائر، والعبرة بالإخلاص، وما بداخل الصدور..
وكم من مقتول، نظنه في سبيل الله، وقد كان طوال عمره، طالب مكانة وشهرة وذكرًا حسنًا، وقد شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا لرجل مات في ساح الجهاد بالنار، وقد أخبره ربه حينها أنه لم يكن مخلصا فيها لله.
لكننا نظن في عموم مجاهدينا وفي قادتهم ومسؤوليهم أنهم سيكونون بفضل الله ومنته من المجاهدين المخلصين، وسيرتهم وأعمالهم شاهدة لهم بذلك.
نشهد لمجاهدينا وقادتهم بالشهادة في سبيل الله، على ما رأينا وما نرى، والله حسيبهم مع ذلك، ولا نظن في الله إلا خيرًا، لرجال ضحوا بحياتهم كلها ابتداءً، وبأرواحهم ختامًا، في سبيل نصرة دين الله الخاتم، ونصرة أمته الخاتمة.
يأبى الله مع ذلك إلا أن يتخذهم شهداء، بعد تخليصهم وإخلاصهم.