بدأ في الآونة الأخيرة عرض مسلسلات تركية تصور الاختلافات والخلافات بين العلمانيين ومن يسمون بالمحافظين وهم الذين يمثلون المسلمين، وإن لم يعلن القائمون على المسلسلات هذا صراحة سواء في روايتهم للقصص أو في وصف الشخصيات لنفسها في المسلسل، ولسنا هنا بمحض مناقشة العلمانية والتيار الإسلامي أو المحافظ؛ فهذا موضوع أعمق وأخطر من أن يغطيه مقال واحد أو تكون المسلسلات هي منبع التحدث عنه، وإنما سنعرض لأبرز الأمور التي ناقشتها وتمحورت حولها شخصية الرجل المسلم أو المرأة المسلمة فيما أسماه القائمون على تلك المسلسلات بالمحافظين، وإلى أي مدى يعد ذلك التصوير عادلًا ويمثل الواقع:
1. التصوير النمطي للمرأة المسلمة لا يكاد ينتهي حتى يبدأ
فهي إما تلك الشخصية المغلوبة على أمرها التي تنفذ أوامر والديها في قرارات مصيرية تخصها كالتعليم والزواج بدون إبداء أي رأي أو اعتراض، أو هي امرأة متسلطة متجبرة ظالمة تتبع من أوامر الله سبحانه والنبي صلى الله عليه وسلم ما يتيسر لها ويكون على هواها، وتخالف غيره.
والمرأة المسلمة - كما هو معلوم من الدين بالضرورة - لها حق الاختيار في مسألة التعليم أو الزواج أو أي موضوع آخر طالما ليس فيه ما يخالف شرع الله تعالى.
2. التحيّز للذكور عند النساء المحافظات
تجد النساء المحافظات يعظّمن من قيمة الرجال ومقامهم لمجرد أنهم ذكور ، فتجد الحماة مثلًا في أحد المشاهد لا تنصف زوجة ابنها عند تعرضها للخيانة لمجرد أن الخائن هو ابنها، ولا تنفك تعذره وتبرر له، وتراها تبرر خطأ الرجال بصفة عامة وتحابي لهم لمجرد أنهم رجال، وعلى الصعيد الآخر، تجد الشخصيات العلمانية من النساء تأخذها النزعة النِّسوية فهي مع المرأة سواء أحسنت أو أساءتْ.وكلا الوجهتين مخالف لما أتت به عقيدتنا؛ فالله تعالى يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]
هناك محاولة واضحة لتجميل وتزيين المعاصي والمحرمات في صورة شخصيات لطيفة حسنة المعشر لكنها ترتكب المعاصي وتستحل ما حرم الله!
3. تلوّن المرأة المحافظة يخالف الشرع
فالنموذج الذي اختاروه لتمثيل المرأة العزباء المسلمة المحجبة ظهرت شخصيتها بين طرفي نقيض؛ فهي في بداية المسلسل إنسانة خنوعة وليس عندها أي رأي فيما يخص حياتها الشخصية أو العملية، كما تطيع والدها طاعة عمياء بعيدة كل البعد عن البر والإحسان الذي أُمرنا به كمسلمين، ثم تنقلب الآية لاحقًا لتقع في علاقة حب غير شرعية قبل زواجها، وتبدأ في إساءة الأدب والتطاول على والديها، وينتهي الأمر بأنها لم تكن نموذجًا حسنًا للمرأة المسلمة في أية مرحلة من قصتها.
4. الشخصيات المحبوبة في المسلسل هي العلمانية
معظم الشخصيات المحببة إلى قلب المشاهدين والتي تتحلى بالأخلاق الحميدة وتبادر بالمواقف النبيلة هي من الشخصيات العلمانية ، وهي ذاتها التي ترتكب المحرمات من شرب الخمر والزنا وعدم الالتزام بالحجاب الشرعي والخوض في علاقات محرمة قبل الزواج، وهناك محاولة واضحة لتجميل وتزيين المعاصي والمحرمات في صورة شخصيات لطيفة حسنة المعشر لكنها ترتكب المعاصي وتستحل ما حرم الله!وأما الخائن والكذاب واللئيم والمؤذي والزاني والظالم فغالبًا يكون من المحافظين، وإذا كان هناك تصوير لشخصية محافظة سوية لا ترتكب الحرام فغالبًا تكون شخصية ثانوية لا تأثير يذكر لها سواء على غيرها من الشخصيات أو مسار الأحداث.
يحرصون على إظهار حرص العائلات المحافظة على تزويج بناتهن في أعمار ما تحت العشرين على أنه أمر غير إنساني وينتهك حق المرأة في التعليم وبناء حياة كريمة
5. تجميل كبيرة الزنا وتشويه سمعة الطلاق
بعض الشخصيات النسائية من المحافظات لا يرين مشكلة في أن يرتكب زوجها الفاحشة عدة مرات طالما كانت على ذمته كزوجة ولا ينوي تطليقها! بل ويهاجم هؤلاء الطلاق وكأنه هو العيب والحرام، ويدافعن عن الفاحشة على أنها خطأ عادي لا غضاضة في ارتكابه من حين لآخر طالما لم يهجر الرجل زوجته أو يطلقها!
6. التنديد بفكرة الزواج المبكر للمرأة
فيحرصون على إظهار حرص العائلات المحافظة على تزويج بناتهن في أعمار ما تحت العشرين على أنه أمر غير إنساني وينتهك حق المرأة في التعليم وبناء حياة كريمة، وهذا التعميم السطحي المطلق ينافي الواقع جملة وتفصيلًا؛ فكثير من الفتيات اللاتي تزوجن مبكرًا وأنجبن وربما أكلمن تعليمهن لاحقًا سعيدات في زواجهن، وكثيرات كذلك ممن تأخرن زواجهن غير سعيدات بل وطُلقن، والعكس قطعًا موجود على كلا الصعيدين، أما الخلاصة فهي أن الأصل في أخذ قرار الزواج هو أن يكون تبعًا للشروط الشرعية التي بينها لها إسلامنا لا تبعًا لرغبات البشر وهوى النِّسوية .
المشكلة تكمن في تقييد صورة المسلم أو المسلمة في فعل تلك الأمور الظاهرية فحسب، ثم غض الطرف عن جوهرية ممارسة العقيدة الإسلامية في الحياة العملية قولًا وفعلًا
7. حصر التدين في الملابس المحتشمة وذكر بعض الآيات والأحاديث
إن الالتزام بالحجاب الشرعي فرض على كل امرأة مسلمة، وقضية غير قابلة للنقاش كأي فرض فرضه الله سبحانه وتعالى على أي مسلم، وكذلك ذكر آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم هي من الأمور المهمة بمكان، بيد أن المشكلة تكمن في تقييد صورة المسلم أو المسلمة في فعل تلك الأمور الظاهرية فحسب، ثم غض الطرف عن جوهرية ممارسة العقيدة الإسلامية في الحياة العملية قولًا وفعلًا، وكونه جزءًا لا يتجزأ من حياة المسلم، ولا ينحصر في إقامة شريعة، وتأدية فرض، وقراءة القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة!
حبذا لو تتوقف الدراما عن حصر صور الرجل المسلم في حرصه على أداء الصلاة وذكر الآيات والأحاديث، ثم تظهره عنيفًا قاسيًا يخشى أبناؤه من مناقشته والحديث معه، كما هرمنا نحن النساء من تصوير المرأة تارة كونها ضحية مجتمع قاسٍ لا يرحم، أو كونها امرأة متجبرة لا تطبق من الدين إلا ارتداء الحجاب وإقامة الصلاة، وهي التي لا يسلم من حولها من لسانها وأذاها، لكم نتمنى من القائمين على أيِّ عمل درامي - في زمن اكتسحت فيه وسائل التواصل وشاشات التلفزة ومنصات المشاهدة الإلكترونية أجهزتنا وبيوتنا وعقولنا - أن يغدو أكثر إنصافًا وواقعية في رسمه لصورة الإسلام والمسلمين وفي تعاطيه وتأوليه لكلام الله عز وجل وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.