"إن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو الفئة التي تدعو إليه على الأقل، إلى "قوة نفسية عظيمة" تتمثل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلوُّن ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يَحُول دونها طمع ولا بُخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصِم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه، والخديعة بغيره"
الإمام حسن البنا
مائة يوم منذ بداية "معركة طوفان الأقصى" تبيَّن فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر غزة الساطع ومن ظلام عدوها الدامس!
مائة يوم رأينا فيها حمزة والقعقاع وخالد والخنساء وأم عمارة وقطز وصلاح الدين وعز الدين القسام وياسين والرنتيسي وكل من سار على دربهم، رأيناهم مُجتمعين في ميدان واحد على قلب رجل واحد!
مائة يوم رأينا فيها العزة تمشي على قدمين، ورأينا طوفانًا هادرًا ينفي عن الأرض خبثها ويُطهرها من أعدائها!
مائة يوم رأينا فيها ثباتًا أسطوريًا للجميع بلا استثناء تكبد العدو الصهيوني فيها ما لم يتكبده من خسائر مادية ومعنوية في حروبه السابقة مُجتمعة.
مائة يوم اختبرنا فيها صدقنا وقوة إيماننا، وفضحنا فيها زيف ادّعاءات عدونا، وأثبتنا للجميع أن هذا العدو قد شيَّد بنيانه على شفا جُرف هار، وأن انهيار بنيانه أصبح وشيكًا بغير رجعة إن شاء الله تعالى!
مائة يوم رأينا فيها رأي العين ما وصف الله به أحفاد القردة والخنازير في كتابه الكريم!
فصائل المقاومة والشعب الفلسطيني جميعهم أولياء دم، فلا تجد اسم عائلة في الشعب الفلسطيني إلا وبها اسم شهيد، وهذا أحد العوامل التي جعلت المقاومة تخوض معركة بطولية لا هوادة فيها، ولا هدف لها سوى النصر أو الشهادm
مائة يوم رأينا فيها أن اقتلاع أنياب المقاومة ضربٌ من الخيال، وأنَّ تقليم أظافرها ضرب من الجنون، ومجرد التفكير في تركيع الشعب الفلسطيني ما هو إلا مَس من الشيطان!
مائة يوم أثبتت للعالم أجمع أن فصائل المقاومة والشعب الفلسطيني جميعهم أولياء دم، فلا تجد اسم عائلة في الشعب الفلسطيني إلا وبها اسم شهيد، وهذا أحد العوامل التي جعلت المقاومة تخوض معركة بطولية لا هوادة فيها، ولا هدف لها سوى النصر أو الشهادة.
مائة يوم أثبتت للعالم كله زيف ادّعاءات الكيان الصهيوني بأنه يريد السلام والتعايش السلمي، لما رآه العالم من وحشية الكيان الصهيوني في قتل المدنيين الفلسطينيين، وتدمير المنشآت المدنية.
مائة يوم أثبتت أنه لو استمرت المواجهة لمائة عام قادمة ما استطاع العدو الصهيوني أن يمحو ما لحق به من ذل وما أصابه من خزي وما وُسِم على جبينه من عار!
مائة يوم حملت في طياتها دروسًا للأمة كفيلة بتربية أجيالها لمائة عام إن استوعبت أحداثها ووقفت على ما بها من عِبَر.
مائة يوم تركت للأمة زادًا يستعصي على النفاد أو النسيان، وتركت للعدو الصهيوني وأذنابه لطمة لن ينسوها مهما مر الزمان.
كل الخسائر التي لحقت بالشعب الفلسطيني في معركة طوفان الأقصى لا تعد شيئًا في مقابل إرغام أنف قوات الاحتلال الصهيوني أمام العالم كله
أولًا/ حقائق لا بد من الاعتراف بها
إن كل الخسائر التي لحقت بالشعب الفلسطيني في معركة طوفان الأقصى لا تعد شيئًا في مقابل إرغام أنف قوات الاحتلال الصهيوني أمام العالم كله؛ فالمباني والمُنشآت من السهل إعادة بنائها، ولكن من فقد كرامته كمن فقدت بكارتها، أنى لها أن تستردها!
ولا تعد الخسائر شيئًا أمام الاعتراف بالمقاومة الفلسطينية وتدخل الوسطاء لدى فصائل المقاومة ينشدون ودهم من أجل الإفراج عن أسرى الصهاينة.
ولا تعدّ شيئًا أمام توحيد الجبهات ضد الكيان الصهيوني الغاصب، والاعتراف بـ "منظمة حماس" كقوة لا يمكن التوصل إلى أي حل أو تسوية بدون موافقتها وبشروطها.
ولا تعدُّ شيئًا أمام تعرية حكومة السلطة الفلسطينية وكشف حقيقتها أمام الشعب الفلسطيني خاصة والعالم عامة.
العناد الذي تصر عليه قوات الاحتلال الصهيوني برغم ما يلحق بها من هزائم غير مسبوقة هو بمثابة لطمة لها ولكل حلفائها، وبمثابة نصر وفخر واعتزاز لكل من تضامن مع المقاومة ولو بكلمة قالها أو بصورة نشرها
ثانيًا/ ثوابت الصراع بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية
1. إن كل من أيّد المقاومة وراهن على انتصارها حق له أن يسعد بأن يقينه بالله لم يتزعزع، وحق له أن يفتخر بأن جعله الله تعالى ستارًا لقدره وسببًا لإتمام مشيئته، وحق له أن يفرح بأن الله تعالى أذل من عادوا أولياء الله ورسوله، فإن لم يكن رجال المقاومة الأبطال من أولياء الله فلا يحق أن يكون على الأرض من بعدهم ولي.
2. إن العناد الذي تصر عليه قوات الاحتلال الصهيوني برغم ما يلحق بها من هزائم غير مسبوقة لهو بمثابة لطمة لها ولكل حلفائها، وبمثابة نصر وفخر واعتزاز لكل من تضامن مع المقاومة ولو بكلمة قالها أو بصورة نشرها.
3. إن الوضع الراهن الذي تمر به قوات الاحتلال الصهيوني يُعلّم الأمة العربية والإسلامية وشرفاء العالم أن لغة الصواريخ هي اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو الصهيوني، وأنها اللغة التي تردعه وتجعله كالفأر الأجرب المذعور.
4. إن المعادلة الآن قد تحولت من: "إن اعتديتم على غزة سنرد الاعتداء" إلى: "إن حدثتكم أنفسكم وسوَّلت لكم شيطاينكم أن غزة ضعيفة مهيضة الجناح فسوف نرد بهجوم يُنسيكم هواجس النفس ووساوس الشيطان ويقلم أظافركم ويقتلع أنيابكم"
5. لنكن على يقين أن العدو الصهيوني وأذنابه لن يهدؤوا ولن يتركونا نهنأ بنصر؛ فهؤلاء جميعًا مثل الشيطان إذا سمع الأذان ولَّى وله ضراط، وإذا فرغ صوت الأذان واستوت الصفوف أقبل ليوسوس من جديد، وهذا يحتم على رجال المقاومة خاصة والأمة عامة اليقظة التامة والاستعداد المستمر والتأهب لأي (حيعلة) في أي وقت.
6. إن النصر الذي تشهده الأمة الآن ويفرح له الشرفاء في كل بقاع الأرض هناك من دفعوا ثمنه من أرواحهم العطرة ودمائهم الزكية، وهناك من تجرعوا مرارة القهر والفقد؛ كي لا تركع الأمة وكي لا يشمت فيها عدو ولا يُساء لأجلها صديق، وهذا يُوجب علينا أن ندثّرهم بالدعاء، وأن تظل جذوة القضية ملتهبة في صدورنا، وألا نأمن لعدونا الذي يتربص بنا تربص الحية الرقطاء بفريستها.
7. إن من واجبنا ألّا نكف عمّا نحن عليه من تأييد ودعم بكل ما أوتينا من قوة وبكل ما نستطيع من وسائل، وألا نكف عن فضح ممارسات العدو الصهيوني وأذنابه بكل ما أوتينا من قوة وبكل ما نستطيع من وسائل أيضًا، وبيان أن المواجهة بيننا وبين العدو الصهيوني لم ولن تنتهي إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
8. حمدا لله على ثباتكم يا أساطير العسكرية، وأساطير الإعلام، وأساطير الإدارة، وأساطير التخطيط، وأساطير القيادة، وأساطير الظهير الشعبي، وأساطير المواجهة، فقد أثبتم للعالم أجمع أن "فلسطين ما زالت حية في قلوب كل الشعوب الإسلامية والعربية، وفي قلوب كل شرفاء العالم.
ثالثًا/ دروس من معركة طوفان الأقصى
إن الجولة الأخيرة من الصراع مع الكيان الصهيوني علمتنا دروسًا كثيرة لا تحويها بطون الكتب، وثقالًا لا تتحملها المنابر، وثريّة لا يمكن تعلمها في المعاهد ولا في الجامعات، بل تلقن في ساحات الوغى إذا حمي الوطيس والتحمت الصفوف.
حراك المقاومة لا بد له من ظهير شعبي قوي يبين للعالم أجمع أن ما تفعله فصائل المقاومة ليس إرهابًا من فئة شاذة مارقة بل جهاد نابع من عقيدة شعب لا يقبل الضيم ولا يرضى بالذل
علمتنا معركة طوفان الأقصى:
1. أن سلسلة الجهاد والمجاهدين ممتدة إلى قيام الساعة، وأنه إذا استشهد قائد أتى الله بمن هو مثله أو أفضل منه.
2. وأن حراك المقاومة لا بد له من ظهير شعبي قوي يبين للعالم أجمع أن ما تفعله فصائل المقاومة ليس إرهابًا من فئة شاذة مارقة بل جهاد نابع من عقيدة شعب لا يقبل الضيم ولا يرضى بالذل، وأن الجميع يعزفون سيمفونية متسقة ومتناسقة من الفهم العميق والثقة المتبادلة والثبات على المبدأ والإصرار على تحقيق الهدف.
3. وأن قوة الخطاب لا تقل أهمية عن قوة الحِراب؛ فهي ترفع الهمة وتزيد الأمل في نفوس المؤيدين، وتجعل الأعداء والمناوئين ترتعد فرائصهم وتخور قواهم مهما أوتوا من قوة.
4. وأن للإعلام قوته وأننا لا بد أن ننوع لغة الخطاب، فالخطاب العسكري يختلف عن غيره من الخطابات السياسية والجماهيرية والإعلامية، فلكل حدث حديث ولكل شريحة لغة تناسبها.
5. وأن القيادة الواثقة الواعية الحذرة تسوِّي الصفوف وتطهرها أولًا بأول، فلا مكان لخائن ولا لمتلون ولا لجبان.
6. وأن أوثق عُرى الإيمان هي الحب في الله وموالاة أولياء الله، وأن المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد، وأنهم أمام عدوهم وفي كل أحوالهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، قال ﷺ: "المُسلِمونَ تَتَكافَأُ دِمائُهمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهمْ أدْناهُمْ، ويُجِيرُ عليهم أقصاهُمْ، وهُم يَدٌ على مَن سِواهُمْ" (صحيح الجامع)
7. وأن المقاومة بشتى صورها هدفها واحد، وأنه إذا حمي الوطيس فلا مجال للحديث عن مسميات ولا عن تفاصيل تشتت الذهن وتهدر الطاقات وتشق الصفوف.
8. وأن خيار المقاومة السلميّة الذي تتبناه السلطة الفلسطينية لا يُجدي نفعًا مع أبناء القردة والخنازير الذين جُبلوا على الخداع والجدال والمراوغة.
وعلمتنا دروسًا أخرى عديدة أهمها أن نشكر أصحاب الحقوق علينا ومن ساندونا عند شِدَّتنا وأن نحفظ لهم حقهم وأن نعترف بفضلهم، وكذلك لا ننسى من خذلونا وتواطؤوا ضدنا؛ لكي لا نأمن جانبهم ولا تنطلي علينا حيلهم... ومَعِين الدروس لا يُسْبَر قاعه ولا يستطيع فرد أن يحوطه من كل جوانبه.
قضية فلسطين قضية عقائدية وإنها مقياس الإيمان في قلوب المؤمنين ومقياس الإنسانية بالنسبة لغيرهم، وهي الخط الفاصل بين الإنسانية واللاإنسانية
أخيرًا أقول:
إن قضية فلسطين قضية عقائدية وإنها مقياس الإيمان في قلوب المؤمنين ومقياس الإنسانية بالنسبة لغيرهم، وهي الخط الفاصل بين الإنسانية واللاإنسانية وإلا ما وجدنا مشاهير العالم يؤيدون القضية الفلسطينية ويُجاهرون بذلك بدون خوف من مغبة مواقفهم، وما وجدنا دولة مثل جنوب أفريقيا التي لا يربطها بفلسطين قاسم مشترك إلا الإنسانية، رأيناها تتخذ موقفًا معاديًا غير مسبوق ضد جرائم الإبادة التي يرتكبها الكيان الصهيوني المحتل.
وأقول:
ماذا بينكم وبين الله يا أهل غزة تحاصركم دول العالم، وتعيشون في شظف العيش، وتحرمون من كل مقومات الحياة، إلا أنكم تمتلكون عزيمة لو أرادت أن تقتلع الجبال من جذورها لفعلت، بإذن ربها.
بأبسط الإمكانات تعيشون، وبأبسط الإمكانات تتعلمون، وبأبسط الإمكانات تعالجون مرضاكم وتصنعون أسلحتكم التي يركع أمامها كيان لقيط يكتسب وجوده من دعم ومساندة وتأييد القوى العظمى التي في نظرتها للأمور عور وفي حكمها على الأمور عوار.
لم نسمع يومًا أن أحدًا من قادتكم العسكريين ذهب ليتلقّى تدريبًا في أي من الكليات الحربية في العالم إلا أن قادتكم تفوقوا بجدارة على كل من توفرت لهم كل سبل الدعم في هذا المجال!
إنكم اللغز الذي حيَّر العالم وتقزَّمَت أمامه كل القامات!
اتخذ الله منكم شهداء يشفعون في أهليهم حتى يكون كل شعب غزة من أهل الجنة إن شاء الله تعالى!
وبعد الانتهاء من كل هذه الأحداث وما ترتب عليها من نتائج يحق للمقاومة الفلسطينية أن تقول للمحتل الصهيوني: "انتهى الدرس يا غبي"!
ويحق لها أن تقول ما قاله النبي ﷺ بعد غزوة الأحزاب "الآنَ نَغْزُوهُمْ ولَا يَغْزُونَنَا، نَحْنُ نَسِيرُ إليهِم" (صحيح البخاري)