إن ما يحدث في فلسطين منذ قدوم الاحتلال الصهيوني إليها يتطلب من كل مسلم مخلص لدينه غيور على كرامة أمته أن يتساءل عن دوره تجاه هذه القضية وتجاه هذا الشعب المسلم الذي تكالبت عليه الأمم تكالب الأكلة على قصعتها، وخذلته الأنظمة حتى أصبح حاله كحال الأيتام على موائد اللئام، خصوصًا أن قضية فلسطين قضية عقائدية في المقام الأول بالنسبة للمسلمين، وقضية إنسانية لكل من يدَّعي الإنسانية، وقضية عادلة لكل من يدَّعي النزاهة والشرف.
أولًا/ تصورات حل القضية الفلسطينية
إن القضية الفلسطينية من أهم القضايا التي كان لها حضورها على كل موائد النقاش على كل المستويات والأصعدة والأيديلوجيات، ولكل تصوره لحل القضية الفلسطينية حسب ما يعتنقه من أفكار وتوجهات واهتمامات وحسب ما يتطلع إليه من طموحات، وهذه التصورات تتلخص فيما يلي:
أ. هناك من ينظر لقضية فلسطين على أنها قضية قومية تتعلق بالشأن الفلسطيني ولا يجب أن نقحم فيها العرب ولا المسلمين.
ب. وهناك من يعتقد بأن القضية الفلسطينية قضية عربية وليست إسلامية وأنه يجب أن ننأى بالإسلام على أن يتدخل في هذا الشأن.
ج. وهناك من يرى أن الحل في يد النظام الأمريكي باعتبار أن إسرائيل هي ربيبة النظام الأمريكي وابنتها بالتبني، وأن إسرائيل إذا قطعت عنها المساعدات ووسائل الدعم الأمريكي ستكون كالجنين الذي قطع عنه الحبل السري.
من يوقن بأنه لن يفلح في حل القضية الفلسطينية إلا الإسلام يرى أن الحل يتمثل في التعامل معها على أنها قضية عقيدة في المقام الأول وليست قضية شعب وأرض
د. وهناك من يؤمن بضرورة إدخال دول عُظمى لحل القضية الفلسطينية ليكون هناك توازن قوي في مواجهة أمريكا وإسرائيل.
هـ. وهناك من يقترح الحل السلمي عن طريق المفاوضات والمنظمات الدولية.
و. وهناك من يوقن بالحل الإسلامي وأنه لا بديل عنه وأنه لن يفلح في حل القضية الفلسطينية إلا الإسلام.
ومن يؤمن بالتصور الأخير يرى أنه يتمثل في:
* أسلمة القضية الفلسطينية والتعامل معها على أنها قضية عقيدة في المقام الأول وليست قضية شعب وأرض.
* قطع الأمل في كل المنظمات الدولية لحل القضية الفلسطينية والتوقف عن الاستجداء وتسول الحلول.
* إعداد الأمة عامة والشعب الفلسطيني خاصة للجهاد والأخذ بكل أسباب القوة المادية والمعنوية واليقين بأن توازن القوى من أجل التغلب على الكيان الصهيوني لن يكون إلا بذلك.
* التأكيد على أن القضية الفلسطينية هي معيارُ الشرعيةِ الحقيقيةِ لأي نظام سياسي عربي أو إسلامي، وأن التَخَلِّيَ عن القضية الفلسطينية يُسْقط الشرعية عن كل نظامٍ يقوم بذلك.
إن التاريخ الذي نعرفه عن اليهود، وصفات اليهود التي بين أيدينا في كتاب الله تعالى، وممارسات اليهود منذ أن وطئت أقدامهم أرض فلسطين، كلها دلائل وبراهين على أنه لا بديل عن التصور الإسلامي لحل القضية الفلسطينية.
كل الشواهد التاريخية والدينية والممارسات الصهيونية الحالية تبرهن على أنه لن تحل القضية الفلسطينية إلا إذا كان للإسلام الكلمة الأولى والعليا والنافذة
ثانيًا/ دور الأمة تجاه القضية الفلسطينية
بعد أن أكدنا على أن حل القضية الفلسطينية لن يكون إلا بـ:
• إعداد الأمة عامة والشعب الفلسطيني خاصة للجهاد.
• الأخذ بكل أسباب القوة المادية والمعنوية.
• اليقين بأن توازن القوى من أجل التغلب على الكيان الصهيوني لن يكون إلا بعد الاحتكام للإسلام والأخذ بمبادئه وأحكامه في هذا الشأن.
• أن كل الشواهد التاريخية والدينية والممارسات الصهيونية الحالية تبرهن على أنه لن تحل القضية الفلسطينية إلا إذا كان للإسلام الكلمة الأولى والعليا والنافذة.
إن النقاط التي طرحتها يمكن البناء عليها وتوزيع الأدوار على أساسها من أجل حل القضية الفلسطينية، وهذه الأدوار تتمثل في:
1. التأكيد على إسلامية القضية الفلسطينية
إن اليهود ينظرون إلى أرض فلسطين على أنها "أرض المعاد" وينظرون إلى أنفسهم على أنهم "شعب الله المختار"، وهذا يحتم علينا كمسلمين أن ننظر للقضية الفلسطينية على أنها قضية إسلامية في المقام الأول...
وأن الصراع بين المسلمين وبين الاحتلال الصهيوني إنما هو صراع وجود قبل أن يكون صراع حدود، وأن أرض فلسطين - كل فلسطين - وقف إسلامي لا يجوز لأي فردٍ كائنًا من كان أن يتنازلَ عن شبرٍ منها.
وأن الدفاع عن أرض فلسطين ومقدساتها وشعبها ضد قوات الاحتلال فرض على كل مسلم، وأن من يخذل القضية القضية الفلسطينية أو يتخاذل في الدفاع عن أرض فلسطين ومقدساتها وشعبها خائن ومشكوك في عقيدته، وأن أرض فلسطين بالنسبة لأطماع اليهود هي البداية لاستكمال أسطورة "إسرائيل" الكبرى من النيل إلى الفرات.
وأن الصهاينة لم ولن يكونوا في يومٍ من الأيامِ دُعاة سلامٍ، واسألوا التاريخ عنهم ينبئكم عن تاريخهم الدموي، واسألوا القرآن الكريم عنهم يخبركم بأنهم قتلة الأنبياء، وبأنهم ذكروا في القرآن الكريم بأكثر من عشرين صفة من الخسة والندالة فهم "مغضوب عليهم - ملعونون - مجادلون - متحايلون - جبناء - بأسهم بينهم شديد - أكلة السحت - ناقضو العهود... إلخ.
الواجب الديني والإنساني يحتم علينا كمسلمين تقديم كل سبل الدعم وأن نُشْعِر الشعب الفلسطيني أن هناك من يسمع أناته ويتوجع لآلامه ويشاركه مُصابه ولن يتخلى عنه مهما عظمت التضحيات ومهما طال الأمد
2. تقديم كل سبل الدعم المادي والمعنوي
إن الواجب الديني والإنساني يحتم علينا كمسلمين وعلى كل شرفاء العالم تقديم كل سبل الدعم لنصرة القضية الفلسطينية، وأن نُشْعِر الشعب الفلسطيني أن هناك من يسمع أناته ويتوجع لآلامه ويشاركه مُصابه ولن يتخلى عنه مهما عظمت التضحيات ومهما طال الأمد.
3. تربية الأجيال على نهج الدين وتوريثهم حب القضية الفلسطينية
إن العدو الصهيوني يُراهن على أمرين أساسيين:
الأمر الأول/ أنه مع مرور السنين ستنسى الأجيال القضية الفلسطينية وستكون أرض فلسطين لهم لا ينازعهم فيها أحد.
الأمر الثاني/ أن العدو الصهيوني سيعمل على إغراق الأجيال في عفن العلمانية ومستنقعها الآسِن كي ينسى القضية الفلسطينية، وإن لم ينسها فلن يستطيع نصرتها ولا الدفاع عنها!
إن ذلك يُحتم على الأمة أن تنتبه لهذا المخطط الصهيوني وأن تحصِّن الأجيال ضده، وأن تُرضِع الأجيال حب القضية حبًا لا يفتر مهما طال الزمان، ولا ينفع معه إلهاء ولا تُجدي معه علمنة ولا تغييب، ويستعصي على كل محاولات التطبيع.
المجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني كفيلة بأن تكون منهجًا للأجيال يعرفون من خلاله حقيقة قضيتهم وطبيعة عدوهم، وكفيلة بالإبقاء على حرارة القضية في قلوب الأجيال المتعاقبة
4. تربية الأجيال على معرفةِ التاريخ الدامي للصهاينة
إن المجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني كفيلة بأن تكون منهجًا للأجيال يعرفون من خلاله حقيقة قضيتهم وطبيعة عدوهم، وكفيلة بالإبقاء على حرارة القضية في قلوب الأجيال المتعاقبة، وكفيلة كذلك بتوريث الثأر لدى الأجيال، وأن العدو لا مكان له على شبر واحد من أرض فلسطين.
5. الاستفادة القصوى من المسار الإعلامي للرد على الشبهات التي تثار حول القضية الفلسطينية وللضغط على صانعي القرار
من المعروف أن اليهود يسيطرون على الآلة الإعلامية العالمية، ويُسوِّقون لأهدافهم ويبرِّرون لجرائمهم، وهذا يُوجب علينا الاستفادة القصوى من المسار الإعلامي للرد على الشبهات التي تثار حول القضية الفلسطينية، ويُوجب على كل فرد أن يعدَّ نفسه آلة إعلامية متنقلة تنقل تطورات القضية ومستجداتها وأهدافها، وذلك في كل المحافل وعلى كل المستويات.
إننا إن فلحنا في الاستفادة القصوى من المسار الإعلامي سنتمكن من الضغط على صانعي القرار من خلال التحرك الشعبي الجاد؛ فالتحرُّك الشعبي هو المُعبِّر الحقيقي عن إرادة الأمة.
6. حسن استغلال كافة المسارات المتاحة لدعم القضية الفلسطينية
إن اهتمامنا بالقضية الفلسطينية يحتم علينا تفعيل كل المسارات (السياسية - الأدبية - التعليمية - الإعلامية - الرياضية - الفنية... إلخ) وتسخير كل ذلك للتأكيدِ على إسلاميةِ وعروبة وإنسانية القضية الفلسطينية.
محاور دعم القضية الفلسطينية التي تتطلب إقامة مشاريع تنموية تهدف في المقام الأول إلى عدم تركِ هذه المحاور والمسارات تمر عبر المسار الصهيوني
7. إقامةُ مشاريع تنموية لدعم القضية الفلسطينية
إن محاور دعم القضية الفلسطينية التي تتطلب إقامة مشاريع تنموية من أجل تحقيقها كثيرة ومتعددة، منها:
• إعمار ما يدمره العدو من منازل ومنشآت.
• علاج الجرحى والمصابين.
• تبني أسر الشهداء والمجاهدين.
• الإنفاق على إعداد كل ما يردع العدو من عتاد وعدة.
• ترميمِ الآثارِ وتوثيقها لدى الهيئات الدولية ذات الصلة.
• الإبقاء على روح المقاومة في قلوب الشعب الفلسطيني خاصة وقلوب الشعوب العربية والإسلامية عامة.
إن إقامة مثل هذه المشاريع يهدف - في المقام الأول - إلى عدم تركِ هذه المحاور والمسارات تمر عبر المسار الصهيوني.
8. إنشاء حملات إعلامية وقانونية وتاريخية بمختلف اللغات للتعريف بالقضية الفلسطينية وعدالتها
إن كل ذلك يجب أن يُنفّذ عبر كلِ وسائلِ الإعلامِ ووسائل صناعةِ الرأيِ العامِ العالمي المؤثر، ومن خلال لجان متخصصة يتوفر فيها الإخلاصُ للقضية، ويتوفر لها الدعم المناسبُكي تتمكنَ من إحداثِ التأثير المطلوب.
9. تفعيل دور المجامعِ العلميَّة والفقهيَّة
إن المجامع العلمية والفقهية يقع عليها دور لا يُستهان به من أجل خدمة القضية الفلسطينية ويكون ذلك من خلال:
• إحياءِ وتوطيد الروحِ النضالية في الأمَّةِ.
• إصدار الفتاوَى الشرعيةِ التي تخدم القضية الفلسطينية بكامل تفاصيلها.
لا يجب أن تقتصر المقاطعة على الجانب الاقتصادي بل يجب أن تشمل المقاطعة النفسية والشعورية، ومقاطعة الأفكار والعادات والتقاليد والأعمال الفنية والرياضية... لكي يشعر الكيان بأنه منبوذ وغير مرغوب فيه أمام العالم كله
10. تفعيل سلاح المقاطعة
إن المقاطعة ليست بالسلاح الهيِّن، ومقاطعة منتجات العدو الصهيوني وعدم التعامل معه اقتصاديًا من شأنه أن يُضعف قوته الاقتصادية ويؤثر بالسلب على مستوى معيشة مواطنيه، والمقاطعة يجب أن تشمل كذلك كل منتجات الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، كما لا يجب أن تقتصر المقاطعة على الجانب الاقتصادي فحسب بل يجب أن تمتد لتشمل المقاطعة النفسية والشعورية، وتشمل أيضًا مقاطعة الأفكار والعادات والتقاليد والأعمال الفنية والرياضية... إلخ؛ لكي يشعر الكيان بأنه منبوذ وغير مرغوب فيه أمام العالم كله.
تلك عشرة كاملة بها وبغيرها نكون قد أدركنا حجم مسؤوليتنا تجاه القضية الفلسطينية وعرفنا ملامح دورنا لنتحرك عن وعي وفهم ودراية تحركًا إيجابيًا مثمرًا.
أخيرًا أقول:
إن القضية الفلسطينية ستظل قضيةُ كل مسلم، وقضية كل حر شريف إلى أن يأذنَ اللهُ تعالى بزوالِ دولةِ الاحتلالِ الصهيوني؛ فزوال هذا الكيان الغاصب من الوعود التي وعدنا بها الشرع ونحن نؤمن تمام الإيمان ونوقن تمام اليقين أن وعد الله كائن لا محالة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال: "لا تقومُ الساعةُ حتى يقاتلَ المسلمون اليهودَ، فيقتلُهم المسلمون، حتى يختبيءَ اليهوديُّ من وراءِ الحجرِ والشجرِ، فيقولُ الحجرُ أو الشجرُ: يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ هذا يهوديٌّ خلفي، فتعالَ فاقْتلْه، إلا الغَرْقَدَ، فإنه من شجرِ اليهودِ" (صحيح الجامع)
وأقول:
إننا مهما بذلنا من جهد ومهما ضحينا فلا يجب أن نستكثر ذلك ولنعتبر ذلك أقل القليل بالنسبة لحقوق الشعب الفلسطيني علينا وأن كل ما نفعله من أجل الشعب الفلسطيني لا يساوي ليلةً واحدة يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الحصارِ في ظل انعدام أبسط وسائل الحياة، وهم بالرغم من كل ذلك لا يدخرون وسعًا في الدفاع عن مقدسات الأمة وعزتها وكرامتها.