أفلام “الكرتون” كانت وستظل سبب سعادة ومرح وترقب الأطفال، ومصدر قلق وتوجس الآباء والأمهات، فهل يستحق الأمر كل هذا القلق والتوجس، وهل تعد مسلسلات “الكرتون” بهذه الخطورة على أبنائنا؟ وهل هي منعدمة الهدف والنفع والفائدة للدرجة التي يمنع فيها بعض الآباء أبنائهم من مشاهدتها؟ وإن كان لها مميزات فما أبرزها؟ وما هي مساوئها التي لا بد أن ينتبه لها الآباء ويحذِّروا منها أبناءهم؟
أولًا/ الآثار الإيجابية لمشاهدة الكرتون
1. تعليم التصرفات الحسنة والخصال الطيبة:
قد يستغرب البعض أن يكون للكرتون مزية كهذه، ولكن الحقيقة أن الكثير من مسلسلات “الكرتون” التي كانت تعرض في الماضي وبعضًا مما يعرض اليوم يتناول الكثير من القيم والرسائل الحسنة التي قد ينفق الآباء ساعات من أعمارهم ليحاضروا أبناءهم فيها ويأمروهم بها.
يجد الإنسان نفسه وقد تعلم من مسلسل كرتوني المثابرة والاجتهاد وعدم اختراع الحجج والأعذار للتقاعس والتكاسل كما يفعل الكثير من شباب اليوم
وأذكر أنه حين كنا أطفالًا، كان أبي - رحمه الله - يشاهد معنا مسلسلات “الكرتون” والتي كان من أشهرها في فترة التسعينيات "فتاة المراعي"، وكان يشيد دومًا بشخصية راعية البقر في المسلسل الكرتوني وكيف أنها فتاة مجتهدة وذكية ومهذبة، وأنه وبرغم اشتغالها برعاية البقر، وأعمال المنزل إلا أنها كانت دومًا حريصة على القراءة والدراسة واستكمال تعليمها، واتضح لنا حين كبرنا أن المسلسل كان مأخوذًا من قصة حقيقية لكاتبة فنلندية مشهورة كانت تشتغل برعاية البقر في صغرها، فيجد الإنسان نفسه وقد تعلم من مسلسل كرتوني المثابرة والاجتهاد وعدم اختراع الحجج والأعذار للتقاعس والتكاسل كما يفعل الكثير من شباب اليوم.
ومسلسل آخر كان يدور حول مدرس وزوجته قد فتحوا مدرسة خاصة بهم لتعليم الطلبة الفقراء، وتناول المسلسل في كل حلقة مشاكل الطلبة المختلفة وكيف استطاع المدرس وزوجته حلها بأساليب متميزة وبدون ضرب أو إهانة، وفي إحدى الحلقات دارت الأحداث حول طالب ارتكب سرقة، وعرف جميع الطلبة حقيقة الأمر فقاطعوه حتى بعد اعتذاره ورده للمال الذي سرقه، فما كان من المدرس إلا أن تحدث مع الطالب المخطئ، ونصحه على انفراد كي لا يحرجه أو يجرحه أمام زملائه، وأخذ منه وعدًا بعدم تكرار فعلته تلك، ثم وضح للطلبة ضرورة المسامحة والتغاضي، وأعطاهم الاختيار ولم يفرض عليهم الأمر، فكان أن أخذوا وقتهم في الإعراض عن زميلهم، ثم صفت نفوسهم وقرروا مسامحته، وهنا نشهد نجاح معلم - في مسلسل كرتوني - في إعطاء تلاميذه درسًا لا يُدَرَّسُ في الكتب، وإنما تُعلِّمه لنا الحياة والناس والمواقف! فهو مسلسل يستفيد منه الآباء والمربون وليس الأطفال فحسب.
2. اللغة العربية:
في عصرنا الحالي تنوعت الدبلجات إلى لهجات عربية مختلفة، ولم يعد هناك حرص على الدبلجة باللغة العربية الفصحى كما في الماضي، غير أن دبلجات مسلسلات “الكرتون” في فترة التسعينيات كانت كلها باللغة العربية الفصحى، وربما بعض مما يعرض حاليًا، وهي بالتالي تعد مصدرًا عظيمًا لتعليم الطفل اللغة العربية، فلا تفتأ أم هنا وأب هناك يشتكيان من أن طفلهما لا يحسن اللغة العربية ويمل من القراءة ولا صبر له على التعلم بالطرق التقليدية؛ فـ أفلام الرسوم المتحركة تعد من أفضل المصادر والأساليب لتعليم الأطفال اللغة العربية .
كَثُرَ الترويج للأخلاق السيئة والكذب والاحتيال واستخدام طرق ملتوية لتحقيق هدف أسمى من وجهة نظر أبطال الكرتون، وتحت شعار أن الغاية تبرر الوسيلة
3. أساليب مبتكرة وغير متوقعة لمواجهة الحياة:
معظم أفلام “الكرتون” تقوم على مخيلة الأبطال الواسعة، وأحداث يصعب - إن لم يكن مستحيلًا - حدوثها في الواقع، وبهذا فإن أفلام الكرتون تساعد الطفل على التفكير الإبداعي وتوسعة مخيلته ، كذلك يقدم بعض أبطال أفلام “الكرتون” أحيانًا على مخاطرات لها عواقب هم مستعدون لتحملها ودفع ثمن قراراتهم، وأحيانًا تأتي المخاطرات بنتائج حميدة ومثمرة ويتمكن البطل من تحقيق هدفه واكتشاف جوانب جديدة ومميزة من شخصيته، فللطفل هنا أن يتعلم مهارة صنع القرار، ومسؤولية تحمل عواقب أفعاله وقراراته، وإدراك ضرورة المخاطرة أحيانًا، وتعلم إيجاد بدائل لحل مشاكله والتحديات التي تواجهه في الحياة.
ثانيًا/ الآثار السيئة لمشاهدة الكرتون
1. المحتوى الجنسي المنافي لشرع الله تعالى:
معظم الكرتونات التي تعرض الآن تتصدرها وتصدرها شركات أجنبية على رأسها "ديزني" و"مارفل" وتوجهات كلتا الشركتين معروفة من جهة دعمهم للشذوذ والتحول الجنسي هذا غير العري والعلاقات غير الشرعية التي كانت موجودة سابقًا في أفلامهم، وما تزال كذلك.
2. الترويج لسيئ الأخلاق والأعمال:
إلى جانب العنف والإجرام والشتائم والدعاية للعهر والرذيلة تحت مسمى الجرأة والانفتاح، كَثُرَ الترويج للأخلاق السيئة والكذب والاحتيال واستخدام طرق ملتوية - هي غير شرعية في الإسلام - في إطار تحقيق هدف أسمى من وجهة نظر أبطال الكرتون، وتحت شعار أن الغاية تبرر الوسيلة وهو مبدأ مناف لعقيدة الإسلام.
كم دمرت الإعلانات من فكر الأطفال وميزانيات الأسر بما تروج له من ألعاب ومنتجات هي في فائدتها ومتعتها على أرض الواقع أقل بكثير مما تروج له الإعلانات
3. الدعايا والإعلانات:
وسواء كان هذا داخل الفيلم نفسه أو في الفقرات الإعلانية، فكم دمرت الإعلانات من فكر الأطفال وميزانيات الأسر بما تروج له من ألعاب ومنتجات هي في فائدتها ومتعتها على أرض الواقع أقل بكثير مما تروج له الإعلانات.
وأخيرًا وبعد طرح بعض مميزات وعيوب مشاهدة “الكرتون” للأطفال، قد يشعر البعض أنه وقع بين شقي الرحى، فهل يدع طفله يشاهد تلك الأفلام سائلًا الله السلامة وحفظ عقل طفله وبركة ماله؟! أم يمنعه عنها بالكامل؟ والحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال صعبة وشائكة، فإذا مُنع الطفل من مشاهدة التلفاز فهناك أجهزة الجوال وإذا مُنع منها اليوم، فقد لا يتيسر ذلك المنع غدًا، وإنما يكمن الحل في مراقبة ما يشاهده الطفل قدر المستطاع، وتوجيهه أن هذا التصرف أو التعبير خاطئ أو لا يجوز شرعًا وتوضيح الصواب له وتعليمه درسًا من الموقف.
وقد كان أبي - رحمه الله - يشاهد معنا ولو جزءًا من معظم مسلسلاتنا الكرتونية، ويعلق على تصرفات الأبطال وكلامهم وينصحنا ويوجهنا؛ فأفلام “الكرتون” كما الحياة.. هل لأحد يا ترى أن يفكر في منع طفله مستقبلًا من خوض غمار الحياة فقط لأن فيها اللئيم والكذاب والمريض النفسي والقاتل واللص والمرتشي؟! أم أنه سيحرص على توجيهه لكيفية التعامل في تلك المواقف وينهاه أن ينتهج نهجهم ويسأل الله أن يحفظه ويتولاه؟
وهكذا الأمر إذن مع الرسوم المتحركة، دعوا أطفالكم يستمتعون بمزاياها بما يتناسب مع أعمارهم، والزموا نصحهم وتوجيههم ما استدعى الأمر، واسألوا الله لهم الهداية والسداد وأن يلهمهم الرشد ويبين لهم الصواب.