أبو عبيدة.. الأسطورة الملثمة وسحرُه العجيب!

الرئيسية » بصائر من واقعنا » أبو عبيدة.. الأسطورة الملثمة وسحرُه العجيب!
أبو عبيدة.. الأسطورة الملثمة وسحرُه العجيب! راغب طاهر

في استطلاع للرأي أجرته قناة عالمية ناطقة بالعربية، لاختيار شخصية العام في الوطن العربي، أو الشخصية العربية الأكثر تأثيرًا، احتل اسم أبي عبيدة (الناطق باسم كتائب القسام) المركز الثالث بعد ثلاثة رؤساء عرب، في قائمة مليئة برؤساء العرب وغيرهم.

وظاهرٌ تمامًا أن الرؤساء الثلاثة المتقدمين على أبي عبيدة، لم يكن تقدّمهم عن حقيقة وصدق، ولكنه عن لجانٍ إلكترونية تشتغل ليل نهار بأمرهم وتمويلهم، أو بأمر وتمويل رجالهم، من أجل التأثير في وسائل الإعلام الشعبية، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، ومثل هذه الاستطلاعات.

فلن يحصل أمير أو رئيس عربي على مكان متقدم، في استطلاع للرأي، يقيس مدى الشعبية بين الناس، ومدى التأثير فيهم، بشرط أن يكون هذا الاستطلاع استطلاعًا حقيقيًا صادقًا، ويكون التصويت عليه حقيقيًا صادقًا، بغير لجان إلكترونية وبغير توجيه وتمويل.

إلا أن يقيس الاستطلاع مدى تأثير الشخصيات بالسلب في الناس، ومدى التأثير بالتسلط عليهم والنهب فيهم، وإذلالهم واستعبادهم، حينها سيحصل الأمراء والرؤساء العرب على المكانة المتقدمة في قائمة الاستطلاع بدون منافسة من أحد.

أبو عبيدة - وحده - مثّل للشعوب العربية والإسلامية، رمز المقاومة والجهاد، الذي يُعلن مجرد ظهوره بقاء المقاومة حية نابضة، برغم حرب الإبادة التي تُشن عليها وعلى حاضنتها الشعبية في غزة

أبو عبيدة حصل في هذا الاستطلاع على المركز الرابع بعد ثلاثة رؤساء عرب، والحقيقة أنه الحاصل على المركز الأول بدون منافس أو منازع، فلا أحد أثّر في جموع الشعوب العربية ونال حبهم وتقديرهم أخيرًا مثلما فعل أبو عبيدة.

والحقيقة، أن هناك جزءًا من الشعوب العربية ما تزال تجري في عروقهم دماء العبودية والانبطاح للحاكم، ولكنهم جزء صغير من جماهير الأمة العريضة، وأمثال هؤلاء لا نعوّل عليهم ولا نأبه لوجودهم.

نحن نتحدث هنا عن جماهير الأمة العريضة، التي رأت في أبي عبيدة العزة المفقودة في زمن الذلة والهوان.

لأبي عبيدة سحر عجيب، أجمع الجميع على التأكيد عليه، فعندما يُعلَن فقط عن ظهوره، تبتهج النفوس ابتهاجًا عجيبًا، وتنتظره الملايين، كما لم ينتظروا زعيمًا عربيًا قط، لا من رؤساء العرب، أو من قادتهم، ولا من قادة الحركات الإسلامية، أو من قادة حماس الآخرين أيضًا.

أبو عبيدة - وحده - مثّل للشعوب العربية والإسلامية، رمز المقاومة والجهاد، الذي يُعلن مجرد ظهوره بقاء المقاومة حية نابضة، برغم حرب الإبادة التي تُشن عليها وعلى حاضنتها الشعبية في غزة.

تفوق أبو عبيدة في تأثير ظهوره وفي شعبيته حتى على قادة حماس الكبار السياسيين، الذين لا يمثل أبو عبيدة بالنسبة لهم، إلا مجرد شاب من شباب جناح حركتهم العسكرية.

ولكنه - على الرغم من كونه مجرد شاب من شباب الجناح العسكري، والذي يبدو أنه ليس حتى من قادة ذلك الجناح - أصبح صوت المقاومة الصادح، المعبر عنها أصدق تعبير، من أرض المعركة نفسها، وفي ساعة المعركة ذاتها.

قادة حماس السياسيين قادة عظام، لهم نصيبهم من الجهاد والمقاومة، بطريقتهم التي اختارها لهم إخوانهم من جماهير أبناء الحركة، ولكنه ليس كنصيب المجاهد الذي يجاهد حقًا بيديه ونفسه، والذي لن ينافسه أيّ نصيب آخر، مهما كان قدره، ومهما كانت أهميته.

فإذا ما تساوى النصيبان، فلن يتساوى التأثيران على الجماهير، بين خطاب سياسي يتعقّل ويوازن، وبين خطاب جهادي مقاوم، واضح سافر، يمسك صاحبه ببندقيته، ويحصد بها أعداءه، في أثناء خطابه للأمة وحديثه إليها.

الخطاب الجهادي هو الأفصح والأكثر بلاغةً وصدقًا وتأثيرًا.. وقد رأينا ذلك بأم أعيننا وسمعناه بأم آذاننا في خطابات قادة فصائل الجهاد في أفغانستان والعراق وسوريا، وها هي فلسطين

من الممكن أن نتحدث هنا عن الثواب الواحد للقائدين: العسكري والسياسي، عندما تجمعهم حركة جهادية واحدة، فتختار جماهير الحركة هذا لقيادتها السياسية وذاك لقيادتها العسكرية.

ربما يتساوى الثوابان عند الله، إذا خلصت النوايا من الجميع، ولم يركن السياسي لقيادته السياسية البعيدة عن أرض المعركة وتضحيتها وغبارها.

لكن، لا يتساوى التأثيران على الناس أبدًا، فإن الخطاب الذي في خلفيته الدماء والغبار، من أرض المعركة مباشرة، خطاب أبلغ أثرًا في الأسماع والقلوب، هكذا شاء الله وقدر، تكريمًا للجهاد والمجاهدين.

إن الخطاب الجهادي هو الأفصح والأكثر بلاغةً وصدقًا وتأثيرًا.. وقد رأينا ذلك بأم أعيننا وسمعناه بأم آذاننا في خطابات قادة فصائل الجهاد في أفغانستان والعراق وسوريا، وها هي فلسطين.

المجاهد في أرض المعركة، يجعل الله لحديثه تأثيرًا إلهيًا، ويزيده فصاحة وبلاغة، وصدق الشاعر الذي قال في أبي عبيدة:

ومُلثّم بالعزّ ليس كمثله :: في طلّة العظماء والأبطالِ

ما أن يَطلّ فإنّ ألف إجابة :: تُلقى بلا كلمٍ لألف سؤالِ

وإذا تكلم فالصدوق معززا :: ببلاغة التفصيل والإجمالِ

سبحان من ألقى عليه غِلالة :: من هيبةٍ وفصاحةٍ وجمالِ

لقد سمى البعض أبا عبيدة بوزير السعادة، في إشارة لتلك الوظيفة التي جعلت لها دولة عربية وزيرًا، مسؤولًا عن جلب السعادة لمواطنيها، بوسائل الرفاهية والترفيه.

لكن الشعوب العربية جعلت أبا عبيدة هو وزير السعادة الحق، الذي يبعث ظهوره وحديثه السعادة الحقة في قلوب الناس، سعادة بالثبات والمقاومة والعزة، في زمن الارتباك والخنوع والذلة.

ولثام أبي عبيدة زاده تأثيرًا على تأثير، وزاده أسطورية على أسطورية؛ ذلك لأن اللثام جعله مثالًا أكثر من كونه حقيقة، والمثال يثير أعلى آيات الإعجاب والتقدير، أكثر من الحقيقة الواقعة مهما كان أفقها.

لا يصنع الكاريزما مثلما يصنعها الصمت الطويل والغياب الكبير، فإذا غاب العظيم زادت عظمته بغيابه، وإذا صمت زادت هيبته بصمته، فإذا ظهر وتكلم، قلت عظمته وهيبته مهما كان حديثه لافتًا وحضوره آسرًا.

الغياب والصمت يؤثران أكثر من الحضور والكلام؛ لأنهما يفتحان المجال للخيال، والخيال يحلق أعلى من الواقع مهما بلغ الواقع في تحليقه.

وأبو عبيدة، يحضر حضورًا فيه غياب وراء لثامه وقناعه، ويتكلم كلامًا فيه صمت بفصاحته وإيجازه، ومن هنا كانت أسطورته الآسرة، وحضوره الساحر العجيب، وحديثه البليغ الأثير... وهذا بالطبع استنادًا إلى خلفيته الجهادية العملية، التي لها أكبر الدور في صناعة تلك الأسطورة.

أصبحت خطابات أبي عبيدة، هي التي تجمع الصغير والكبير في أمة العرب والمسلمين، بل ويستمع إليها الشباب على هواتفهم المحمولة كما كانوا قبلها يستمعون للأغاني الهابطة المسفة

لقد أصبحت خطابات أبي عبيدة، هي التي تجمع الصغير والكبير في أمة العرب والمسلمين، بل ويستمع إليها الشباب على هواتفهم المحمولة كما كانوا قبلها يستمعون للأغاني الهابطة المسفة.

ولقد رأينا أطفال العرب والمسلمين، يتسمون بأبي عبيدة في ألعابهم، ويتلثمون مثله، ويحاولون الحديث مثله في خطاباته.

وأصبحت مفردات خطاب أبي عبيدة وجمله، ترددها الألسن، كأنها تردد جملًا من أغنية أو نشيد ما!

الصلاة والسلام على نبينا الشهيد

يا جماهير أمتنا العربية والإسلامية

لنؤكد على ما يلي

وإنه لجهاد نصر أو استشهاد

رضي الله عن أبي عبيدة، وعن قادته في الجناح العسكري لحركة المقاومة، وعن قادته في جناحها السياسي، وعن أفراد حركته في جناحيها... ورضي الله عن كل مجاهد ومقاوم، يجاهد اليوم ويقاوم بما يستطيعه، في الحرب العالمية على قطاع غزة... وإنها والله لحرب عالمية حقًا، اجتمع فيها على إخواننا في غزة الإسرائيليون والأمريكان والإنجليز وبعض الأنظمة الإقليمية.

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

الزواج وقت الحروب وفي مخيمات اللاجئين

يا عباد الله جئناكم نُهَنِي فاسمعوا إن شرع الله في الأفراح أن تتمتعوا لا بفحش …